عندما يصرح كثيرون أن المصالحة بين دول الخليج, وتحديداً بين قطر وبين دول الحصار الأربع بأنها مصالحة ملغومة, إنما يؤكدون واقعاً مؤلماً اعترى المشهد الخليجي الذي لم يمكن وليد لحظتها, وإنما هو احتقان مرحل من فترات سابقة.. فمجلس التعاون الخليجي سبق الاتحاد الأوروبي بعقود طويلة ومع ذلك ظلت كل الطموحات التي ملأت وسودت الصفحات ووثائق الاتفاقات والمعاهدات الاجتماعية الطويلة المتعددة لهذا المجلس الهيكلي, حبيسة الادراج وحبيسة الاطماع الصغيرة, وهواجس قيادات هذا المجلس الذي استطاع بامتياز أن يخفي صراعاته وأطماعه وخلافاته وتناقضاته طوال العقود المنصرمة, ونجح في ترحيلها حتى أذنت اللحظة الفارقة في تاريخ المنطقة, لأن تخرج إلى العلن وكانت الأزمة اليمنية وما تلاها من اقتتال ومن صراع, ثم انكباب العدوان على اقتحام الجغرافية اليمنية وتشكل أطماع في هذه الجغرافية.. التي وصلت اليوم إلى حد الصفاقة والوقاحة.. وللأسف تحولت العديد من النخب السياسية والشخصيات السياسية والاعتبارية إلى مجرد أوراق زهيدة الثمن, في حسابات المنطقة وقبلت ان تتحول إلى أفواه تبحث عن ما يسدها من "أموال" شديد القذارة والارتهان!! المهم في هذه المعادلة ان تتزاحم تلك النخب لتأمين ذاتها وتأمين المحيطين بها وتغطية احتياجات أقاربها اما الوطن ضائع.. ضائع!! اما هم اليوم فهم في انتظار رحلات مناف جديدة في بلدان ودول تؤمن لهم ملاذات سياسية تحت مسمى " اللجوء السياسي".. ويبقى الوطن في مهب الريح والضياع!! نعود إلى المشهد الخليجي فان الاخوة الاعداء قد تحولوا الى صراع الديكة, ورحلة البحث عن "قيمة جديدة" قيمة توفر لهم شيئاً من التوازن وتخلصهم من خفة الوزن السياسي والديموغرافي التي ظلوا يعانون منها طوال السنوات التي مضت ويرون أن الوقت قد حان لكي يكونوا أرقاماً في المعادلات الجديدة, وكثير منهم يرون أن أقصر الطرق إلى اطماعهم الصغيرة وتأكيد حضورهم السياسي يمر عبر "تل أبيب" ويسير عبر رحلة التطبيع مع كيان صهيوني غاضب وعليهم ان يكونوا جزءاً من الهيمنة الصهيونية. تساؤلات حول المصالحة رغم أن عجلة المصالحة الخليجية تسير ببطء لكنها غير متوقفة.. وبدأت الدوحة تأخذ زمام المبادرة وتتحرك بشكل مدروس وتحاول جهدها أن تتحاشى حقول الألغام التي زرعت أمام هذه المصالحة وتحديداً ما يصدر عن "ابوظبي والمنامة" سواء من تصريحات استفزازية أو من خلال أعمال تشير إلى ان وراء الأفق الكثير من الريبة والتوجس وربما المصاعب المصطنعة.. وأولى هذه العثرات "الاعلام المصري" الذي ظل حتى لحظة التوقيع على اتفاقية المصالحة يسرب قصصاً وحكايات تشي بأن إضمار النوايا أكثر مما يظهر من موافقات ومن مباركات .. لأن القاهرة تأكد لها ان الاعلام المدعوم من قطر ما زال يقوم بنفس الدور السابق ومازال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي محط استهداف متواصل من قنوات محسوبة من الدوحة ومن انقرة.. وهذا ما جعله يصاب بخيبة امل ولا يتحمس كثيراً لهذه المصالحة.. ولا يخفى على اي متابع ما اثارته ايضا صحف عربية ممولة من الدوحة حول اتهامات قطر "للمنامة" في اختراق الطائرات الحربية البحرينية للاجواء القطرية ووصل الامر الى الحد الذي ابلغت فيه الدوحة مجلس الامن الدولي حول مثل ذلك الاحتراق الذي جرى كما تشير المعلومات القطرية انه حدث في 9ديسمبر 2020م باختراق اربع طائرات حربية بحرينية للاجواء القطرية وقد اسمتها صحيفة القدس العربي ب"المشاغبة الجوية" والبحرية المفتعلة.. ووافقت صحيفة القدس العربي صحيفة قطرية هي صحيفة الشرق التي تصدر من الدوحة التي قالت ان هذه الاعمال الاستفزازية وغير المسؤولة من البحرين ترفع حدة التوتر في المنطقة.. ومثل هذه التراشقات الكلامية والاتهامات لا تبشر بخير ولا تضمن سلامة سير المصالحة الخليجية- الخليجية وستؤدي الى مزيد من التمترس في المواقف الخليجية وتعيق الحياة الطبيعية.. ويبقى الكلام التفاؤلي الذي يصدر من اطراف المصالحة الخليجية مجرد تخدير موضعي محدود الاثر الذي قد يصدر من الرياض او من ابوظبي ولعل ما اوردته صحيفة البيان الاماراتية في افتتاحيتها التي صدرت يوم 6يناير الجاري يلتقي مع ما نشير اليه هنا.. فهي قد قالت "قمة ايجابية موحدة للصف كما وصفها محمد بن راشد نعيد من خلالها اللحمة الخليجية".. ورغم ان استعادة الثقة الخليجية الخليجية امر غير مستبعد لكنها لا يمكن ان تعيد هذه اللحمة بسرعة, بل تحتاج الى فترة اطول وتحتاج الى رعاية اشمل لانه لا يمكن "للرياض" ان تغطي مساحة الخلافات العميقة التي نشأت وضربت جذورها خلال السنوات الاربع الماضية في النسيج الخليجي.. ومثل هذه المداهنات تبقى احاديث على الهامش فيما الاجراءات الحقيقية تقول غير الذي نشاهد ونلمس ونراه من تناقضات شديدة.. وفي ذات السياق ارتفعت نبرة التشكيك من وسائل اعلامية اخرى فصحيفة رأي اليوم كشفت عدم تفاؤلها بقمة المصالحة الخليجية التي شهدتها "مدينة العلا" عندما اوضحت بان حضور "جاريد كوشنر" في قمة العلا يثير الريبة ويكشف الاجندة الحقيقية وتتمثل في فتح الاجواء وفتح الحدود البرية والبحرية امام تحركات القوات الامريكية والقوات الاسرائيلية في المنطقة في حالة الاندفاع الامريكي الصهيوني في اية ضربة محتملة تخطط لها ضد طهران.. اما في المسعى اليمني يبدو ان دول مجلس التعاون الخليجي ستكون امام اختيار حقيقي لان هذا الملف اصبح شديد التعقيد وتفرع الى مراكز نفوذ والى اطماع وافضى الى حسابات اقليمية ليس من الهين الان حتى الاشارة اليها مجرد الاشارة.. لكن لكل دولة خليجية او على الاقل العواصم الخليجية المنغمسة في الازمة اليمنية وفي الحرب الدائرة في مناطق اليمن لن تكون مستعدة على الاقل في هذه المرحلة لان تضع نهاية لهذه الحرب المأساوية.. وفي هذا المضمار يبقى "الترقب هو سيد الموقف" وما يجري في زوايا الخفايا اكثر مما يجري في القنوات الظاهرة في المضمار السياسي الاقليمي اذ ان قادمات الايام قد تحمل اشارات جد مهمة حول الملف اليمني وحول نتائج المصالحة الخليجية وما سوف يستتبعها من خطوات ومن تفاهمات ومن اوراق!!.. "يتبع العدد القادم"