معاني الإيمان والصدق والإخلاص والبذل والعطاء والتضحية والاقدام.. كلها تجلت في سفر ومآثر شهدائنا الأبرار، فهم من أكدوا البيعة بأنفسهم وأموالهم وهم يواجهون العدوان الغاشم " فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به" صدق الله العظيم . إن الحديث عن الشهداء العظماء، يدعونا لأن نسرد مواقف جليلة نستلهم من صناعها العزة والكرامة، والتأييد الالهي لأوليائه المؤمنين .. وعلى صفحات الجهاد والعطاء، هناك شهداء ارتقوا في سبيل الله تتزين لهم السماء كل ليلة لتعانق أرواحهم الطاهرة. قراءة : عبدالحميد الحجازي الشهيد علاء الدين محمد محمد الغزالي " المعروف بأسد نجران أو قناص نجران، أحد أولئك العظماء الذين انطلقوا في سنوات العدوان الأولى دفاعاً عن الأرض والعرض، رافضين استباحة المعتدين والطغاة ليمن الايمان والحكمة.. شاهدوا طيران العدوان تقصف المساكن فوق رؤوس ساكنيها، ورأوا اشلاء الاطفال والنساء تتناثر عقب كل غارة جوية، فوهبوا أنفسهم وجادوا بأرواحهم في سبيل الله ودفاعاً عن عزة وكرامة واستقلال اليمن. الشهيد/علاء الدين الغزالي، شاب في مقتبل العمر من سكان العاصمة صنعاء التي قدم إليها والده من مديرية السدة بمحافظة إب، كان طالباً في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، وصل إلى هذه الحصيلة العلمية بفضل اهتمام والده بتدريسه، لأن والده لم يكن متعلماً سوى ابجديات الكتابة والقراءة، فاراد أن يتلقى ابنه مختلف المهارات والعلوم، فحرص على تعليمه بشكل جيد والحاقه بمعاهد اللغة الإنجليزية إلى جانب المدرسة، فنضج " علاء الدين" بالعلم باكراً، وأصبح منذ أن كان في الصف الخامس يكتب لوالده ويراجع حسابات ورشة السيارات التي كان يعمل بها ايضاً إلى جانب والده، إلى أن أكتسب خبرة كافية عن هندسة السيارات خصوصاً السيارات المدرعة، وبجهده وعلاقته في العمل حصلت ورشة والده على عدة شهادات من الملحقات العسكرية الأمريكية ومن وزاراتي الخارجية والدفاع على التفاني في مجال صيانة العربات المدرعة، وفي ذلك الوقت أكمل الشهيد " علاء الدين" الثانوية العامة. الانطلاقة الأولى الايام الأولى للعدوان واستهدافه المكثف للعاصمة صنعاء، وحالة الفزع والذعر وصراخ الاطفال النساء كل ليلة، شكلت دافعاً قوياً للشهيد للالتحاق بركب الجهاد والتصدي للعدوان والانتصار لمظلومية شعبنا المعتدى عليه، ساهم في ذلك استنارته المبكرة بمحاضرات الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي الذي كان قد اطلع وقرأ الكثير منها منذ 2012 /2013م. وهكذا اتسعت آفاق الشهيد وإدراكه لواجباته الدينية والوطنية.. وجاء الموقف الذي لم يستطع " علاء الدين" أن يخفي عنفوان اندفاعه نحو الجهاد في سبيل الله، وذلك حين أقدم العدوان الغاشم على إلقاء القنبلة الفراغية في منطقة نقم، وكان قريباً من مسرح الاجرام العدواني، وهاله ما رأى من دمار وخراب وقتلى وجرحى، فما كان من شهيدنا البطل إلا التوشح بسلاحه والانطلاق مباشرة مع رجال الرجال إلى جبهة نجران. شبح نجران علاء الدين وبحسب ما تحدث عنه الكثيرون، كان في الخطوط الأمامية على مشارف نجران وفي موقع الشبكة، وهو أحد الجبال المسماة في مصطلحنا العسكري (عيبان) أبلى بلاءً حسناً، ونكل هو وزملاؤه في حدود الثلاثين أو أكثر من قوى العدوان السعودي، كما أن جثمانه لازال مع العدو السعودي. من منا لم يسمع بالشهيد(حسن الملصي) وإرعاده في الحد الشمالي ومن منا لم يعلم عن تنكيل (أحمد العزي) بالمعتدين ومن منا لم يعرف القائد الجسور (ناصر القوبري) بإيمانه الوثيق.. هؤلاء الشهداء من أفضل من أنجبتهم القضية اليمنية الكبرى. وشهيدنا (علاء الدين) أحد أبرز تلاميذ أولئك العظماء.. شاب خرج من مغارة الدنيا حاملاً بيمناه فانوس الهدى المبين ومن فوهة ذلك الفانوس انبعث مارد النصر العظيم ليحقق أمنية تمناها (علاء) وعلى إثر تحقيقها حلق عالياً، مبتعداً عن دنيا كفى الله الشهيد شرها. كان علاء الدين أثناء جهاده تحت أقوى قيادات عرفها تاريخ اليمن وهم السيد أحمد العزي قبل استشهاده بفترة قصيرة، ثم تحت قيادة أبو حرب الملصي وبعد استشهاد ابو حرب ظل تحت قياده أبو صلاح القوبري وهي أطول فترة ما يقارب العام (علاء الدين الغزالي) ذلك هو شبح نجران المخيف، من بث الرعب وزرع الخوف في جنود المملكة، حتى ظنوا بندقيته "القناصة" سحراً يصيب الجماجم والأقدام ويسحق القلوب دون غيرها، فجمع الطاغي كبار كهنته وأعتى عتاده ليوم في الحدود معلوم.. وفي اليوم الكبير ألقى الخصوم حديدهم وكائناتهم، فإذا ببندقية "علاء" تقنص ما يأفكون... تلك أعجوبة أذهلت العدو قبل الصديق، وتلك درة تلألأت في سماء الملاحم المسطرة بحكايات لا منتهى لسردها. أعياده في الجبهة عندما حصلت هدنة مؤقتة في جبهات الحدود عاد علاء الدين الى صنعاء والتحق بكلية الشريعة والقانون، وبعد مضي نحو شهر واحد عادت المواجهات في جبهات الحدود، حينها رجع الشهيد للجبهة وكانت جميع أعياده في الجبهة حتى تاريخ 18 سبتمبر 2017م وهو تاريخ استشهاد المجاهد علاء الدين الغزالي، حين قام العدو بأقوى تصعيد له في جبهة نجران، وقد ذكر ذلك السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطابه ووصف شهداء التصعيد بشهداء التصعيد وأيضاً بالربيون كما قال الله تعالى "وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّۢ قَٰاتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ 0للَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا 0سْتَكَانُواْ وَ0للَّهُ يُحِبُّ 0لصَّٰابِرِينَ" بلسان العدو قنوات عديدة من قنوات العدوان تحدثت عن الرعب الذي سببه قناص نجران " علاء الدين" عندما كان يتصدى لزحوفات العدو وجحافله، وبعد استشهاده قال العدو بلسانه: " هذه وثائق القناص بعد المعركة الشرسة" وهكذا أسمي ب"أسد نجران" وقناصها بلسان العدوان. ورغم ان استخدم العدوان لكل اسلحته منها الاباتشي والرشاشات والقذائف الهاون والمدفعية والقنابل اليدوية، وأقوى الزحوف من الجيش السعودي والسوداني ومرتزقتهم على مواقع في الخطوط الأمامية والتي كان مجاهدونا يتمركزون فيها، رغم كل ذلك لم يستشهد إلا أسد نجران علاء الدين الغزالي بعد أن قام بإخراج زملائه الاثنين اللذين كانا معه. الثقافة القرآنية كان الشهيد يملك الثقافة القرآنية العالية، فقد طلب منه أحد المشرفين البقاء في صنعاء عندما سجل في الجامعة ليكون ثقافياً لمديرية معين ويواصل دراسته في الجامعة، وذلك لما يملكه من الثقافة القرآنية العالية فهو حافظ للقرآن والملازم، ولكن الشهيد رفض البقاء هنا فقال حينها:" أنا للجبهات ومكاني الجبهات ولن ابقى هنا" لأنه حينها قد كانت اشتعلت جبهات الحدود من جديد فعاد الى هناك . والد الشهيد طلب من علاء الدين أن يوقف قيد التسجيل في الجامعة أكثر من مرة، خصوصاً عندما كان يأتيه للزيارة كل أربعه أشهر، فقال الشهيد لوالده: " همي قيد الرحمن القيد الابدي، أما قيود الدنيا فهي زائلة". ثقة وايمان كان "علاء الدين" مقاوماً عظيماً ثائراً، يعلم جيداً أن لا شيء أغلى من الأوطان، وأن الإيمان بالله هو سر النصر العظيم مهما احتشدت الأمم واشتعلت الجبال بالنيران وقصفت السماء جمرها، فلا ملجأ إلا الله، وأن الوفاء والإخلاص هما من يجعلان المؤمن يدك مواقع الأعداء ويحرق عرباتهم ومعداتهم وناقلاتهم.. يزحف في ظلام الليل فيحصد المئات من الخونة بتلك البندقية التي يلوح من فوهتها السم الأرقم.. وقبيل توقيت الشهادة المنتظرة بدقائق، وثقت عدسات العدوان ثقة (علاء) بربه وقضيته، فبقي حيث أراد الله له أن يكون.. لم يتزحزح، لم يغادر أو يبرح مترسه.. رغم غارات الأباتشي وكثافة النيران وزحوفات الرصاص المنطلق نحوه من كل جانب، وتلك هي روحية اقتبسها من نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن آل بيته، وبالقرآن ترجم معانيها وفي الميدان طبق نظرتها. فالسلام عليك أيها الشهيد يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم يقوم الأشهاد. عشق الشهادة وإن سألوك عن أسد نجران قل لهم إنه "علاء الدين" الفارس الذي رفع شعار نموت ويبقى الوطن.. وإن سألوك عن القناص الذي انتزع أرواح الخونة من الأعماق فقل أنه إبن الغزالي الصنديد.. من أوائل الثوار الأحرار الذين كان لهم السبق في الدفاع والذود عن أرض الكرامة ومنبع الجود.. عشق الشهادة عشقاً قوياً، وبذل في سبيلها كل غالٍ ونفيس، ولم يبخل بشيء من العطاء. سطر في جبال نجران وقممها وسهولها وأوديتها أروع البطولات والملاحم التي تستحق التدوين في كتب التاريخ كي تروى للأجيال القادمة. إذا دخلت نجران ستدرك أنها تحتضن روحه الطاهرة وتتزين بأسمه وتسمو بذكره وتشعر بالفرح كلما مر طيفه. أزاح عنها الألم وكسر عنجهية الظالم الذي كان يتربص بها، حتى صارت البهجة تلمع في سمائها، وتفتح الزهر في حقولها، يفوح بعطره الزاكي، لا ينقطع ذكره، أينما وليت وجهك تشعر بوجود طيفه يزور الأمكنة ويزرع فيها الحياة والأمل.. كان يستفتح يومه بقول الله تعالى:( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).. هنيئا له الشهادة وسلام الله على روحه الطاهرة وعلى جميع شهدائنا الأبطال، ولأنهم السابقون والفائزون والصادقون والمخلصون فصاروا هم الشهداء.