الانهيار المتسارع لسعر صرف العملة في المحافظات الجنوبية المحتلة لن يتوقف خلال الأيام المقبلة ، فما وراء الانهيار عوامل تدفع بالأوضاع الاقتصادية في تلك المحافظات إلى الكارثة ، بالأمس كان سعر صرف الدولار 1710 ريالات واليوم ارتفع إلى 1717 ريال الشراء و1725 ريال للدولار الواحد ، واللافت أن هذا الارتفاع جاء بعد بيع البنك 30 مليون دولار بسعر تجاوز سقف 1700 ريالاً للدولار ، لذلك فإن المؤشرات الأولية تفيد بأن البنك في عدن يدير المضاربة عبر المزادات العلنية التي لجأ إليها مؤخراً للحصول على سيولة من العملة المحلية ويقوم ببيع الدولار بأعلى سعر بهدف الحصول على السيولة الكافية ، خاصة وأن البنك الذي تولى طباعة أكبر كتلة نقدية في تاريخ اليمن الحديث فقد السيطرة على تلك الكتلة التي صارت تدار خارج القنوات المصرفية الرسمية ، ومنذ أشهر يعاني من أزمة سيولة بل اضطر لصرف كتلة ضخمة الشهر الماضي من فئة 200 ريال ، رغم أن القطاع المصرفي في عدن يرفض التعامل بها . المؤشرات تفيد بأن سحب الحكومة الموالية للتحالف على المكشوف بلغ معدلات غير مسبوقة في تاريخ اليمن أيضا ، نتيجة العجز الكلي لتلك الحكومة في استعادة الإيرادات العامة التي يتم تقاسمها بين مراكز نفوذ وقوى تملك السيطرة على الأرض وتتعامل مع الإيرادات العامة كحق مكتسب بحكم القوة والنفوذ ، يضاف إلى أن العديد من السلطات المحلية ترفض التعامل مع بنك عدن حتى الآن منذ ثماني سنوات ، وهنا سوف استند على آخر تقرير صدر عن بنك عدن حول التطورات المصرفية في ديسمبر الماضي ، والذي أكد أن الاقتراض المباشر من البنك المركزي شكل 97,1% ، من إجمالي الدين العام الداخلي خلال العام الماضي ، وبلغ خمسة تريليون و65 مليار ريال ، مقابل 2,9% لأدوات الدين العام الداخلي الأخرى ، ووفقاً لتقارير رسمية صادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، في ظل فشل الحكومة الموالية للتحالف في عدن من استعادة الإيرادات العامة وتحسين الأوعية الايرادية وإيجاد مصادر تمويل لتغذية الموازنة للحد من تصاعد العجز السنوي أصبح الاقتراض الحكومي من البنك المركزي و السحب على المكشوف ، وسيلة لإخفاء الفشل وتراكم نتائج تنازع وتقاسم المليشيات المسلحة الإيرادات العامة للدولة ، لذلك وفي ظل العديد من العوامل ابرزها ضعف الحكومة الشكلية في عدن وعدم قدراتها على إدارة الملف الاقتصادي بشكل عام في تلك المحافظات التي كانت تغذي الموازنة العامة للدولة بنسبة 70% من الإيرادات النفطية والضريبية والجمركية والرسوم الحكومية قبل الانقسام المالي والبنكي ، لجأت إلى تنفيذ سياسات نقدية تدميرية منها الاعتماد شبه الكلي على الاقتراض المباشر من البنك في عدن كون ذلك خيار متاحاً أمام تلك الحكومة لتغطية عجزها المالي ، ولذلك فإن السحب على المكشوف من حساب الحكومة لدى البنك في ظل عجز الحكومة في تغطية الدين من مصادر آمنة غير تضخمية ، عمدت تلك الحكومة إلى الاصدار النقدي " طباعة العملة دون غطاء ", بعد أن ارتفاع الدين المستحق للبنك عليها ويتم التغطية بالإصدار النقدي الكارثي الذي ادي إلى انهيار سعر صرف العملة المحلية امام الدولار وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع أسعار المواد الغذائية والكمالية في الأسواق وانكماش الأسواق وتراجع الأنشطة الاقتصادية المختلفة ، ولقياس عبث تلك الحكومة التابعة للعدوان بوظائف البنك المركزي ، فإن ارتفع الدين العام المحلي من 4,947 مليار ريال أواخر العام 2016 ، إلى 9,652 مليار ريال أواخر العام 2020 ، رغم أن تلك الحكومة أقدمت خلال نفس الفترة على طباعة 5,2 تريليون ريال دون غطاء نقدي ، وهنا تتحدث الأرقام عن ارتفاع معدل الاقتراض من البنك المركزي من قبل الحكومة بشكل تصاعدي ، مثلا عام 2014 ، شكل إقتراض الحكومة من البنك المركزي اليمنيبصنعاء 22%, وفي عام 2015,، وهو عام الصدمة الاقتصادية الكبرى جراء العدوان السعودي الأمريكي والحصار المطبق ، ارتفع اقتراض الحكومة من البنك بنسبة 36% ، وفي العام 2016 ، ارتفع الإقتراض الحكومي من البنك إلى 44%، ويعود ذلك إلى توجيه الحكومة الموالية للتحالف للسلطات المحلية في المحافظات بعدم التعامل مع البنك في صنعاء ووقف أي تعامل مالي معه وتحويل الإيرادات إلى حسابات خاصة في البنوك الأهلية ، يضاف إلى وقف توريد عائدات الغاز وتوقف عائدات النفط الخام ، فنتج عجز في الموازنة ، ومع ذلك لم يتجاوز الاقتراض 44% ، من البنك المركزي لتغطية العجز في الموازنة ، وخلافاً لذلك ارتفع معدل اقتراض حكومة الطرف الآخر من بنك عدن بمعدل 49%,و 55%و60% و63% خلال السنوات الثلاث الأولى من نقل وظائف البنك المركزي إلى عدن ، ليصل العام الماضي إلى مستويات غير مسبوقة. اللافت للنظر أن صادرات النفط الخام من تلك المحافظات شهدت تحسناً من عام لآخر ، وبلغت نحو 14 مليار دولار ، يضاف إلى أن تلك الحكومة حصلت على وديعة بملياري دولار اعقب ذلك منحة مالية بقيمة ثلاثة مليارات دولار ، يضاف إلى دعم كبير من الديزل خصص لكهرباء عدنوالمحافظات الاخرى وخفف من فاتورة شراء الديزل والمازوت على تلك الحكومة ، وكذلك استحواذ تلك الحكومة على وحدات الدعم الخاصة المقدمة من البنك الدولي لليمن في أعقاب جائحة كوفيد ، إلا أن الأثر الإيجابي في الاقتصاد منعدم ، وتدهور سعر صرف العملة لم يتوقف. وان كان ما سبق يدل أيضاً على الفساد اصبح لاعب اساسي فيما يحدث وسيحدث ، فإن العديد من المؤشرات تفيد بإن البنك في عدن لن يستطيع وقف تأكل ما تبقى من قوة شرائية لتلك العملة المطبوعة دون غطاء والتي تجاوزت 1725 ريالاً للدولار الواحد في أسواق مدينة عدن خلال الفترة القادمة ، خاصة وأن تلك الحكومة العاجزة لاتزال تصرف مرتبات ضخمة بالدولار لكبار مسؤوليها ، تتجاوز 100 مليون دولار شهرياً ، مع التزام البنك في عدن بتوفير مرتبات ما يسمونه بكبار موظفي الحكومة بالعملة الأجنبية بانتظام رغم تواجدهم في عدد من العواصم العربية ، خلافاً لمرتبات الموظفين العاملين في نطاقها والذين أصبح اكبر موظف يتقاضى راتب لا يتجاوز 100 دولار ومعظم الموظفين لا تتجاوز رواتبهم الشهرية التي تصرف بالعملة المحلية ما بين 50 - 60 دولاراً بعد أن ارتفع الدولار إلى 1725 ريالاً ، بينما كان الحد الأدنى للاجور والمرتبات حسب القانون يساوي 150 دولاراً خلال فترة ما قبل العدوان والحصار ، ولم تعلن التقشف في الانفاق الباذخ لمسؤوليها ولم توقف السفريات الخارجية ، بل تركت الشعب يواجه سياساتها الكارثية دون التفاف لمعاناة الملايين من اليمنيين التي أخذت بالتصاعد من فترة لأخرى ،ولا امل بتوقفها الا بوقف عبث تلك الحكومة العميلة بوظائف البنك المركزي وفرض دولة حقيقة على أرض الواقع تفرض سلطاتها وتستعيد قنوات البنك المركزي الايرادية إلى ما كانت عليه قبل العدوان والحصار ، وتوقف تمادي المليشيات وسطوها على تلك الإيرادات ، وهذا الخيار لايزال متاحاً أمام حكومة المرتزقة بالقبول بمبادرات صنعاء ذات الطابع الاقتصادي ابتداء بمبادرة تحييد البنك ومبادرة صرف مرتبات موظفي الدولة وفقاً لكشوفات العام 2014 من عائدات النفط مقابل رفع الحضر المفروض من قبل صنعاء على تهريب النفط ، دون ذلك فإن المؤشرات جميعها تفيد بأن بنك عدن سيتجه نحو المزيد من طباعة العملة لتغطية فشل تلك الحكومة وسيدفع نحو انهيار سعر صرف العملة المطبوعة بشكل أكبر ، ولا يستبعد أن يكون الأمر قد حسم مؤخراً بشأن إصدار نقدي تضخمي جديد من أعلى فئة نقدية كخيار في ظل الأزمة الحالية التي تعانيها حكومة المرتزقة. ختاماً...المزادات العلنية التي تعلن من قبل فرع البنك المركزي في عدن وجدت للحفاظ على سعر صرف العملة المحلية وليس العكس كما يجري، ورغم أنها إحدى آليات الحصول على السيولة من السوق ، ولكنها تحولت إلى وسيلة لضرب ما تبقى من استقرار معيشي في تلك المحافظات ، والاستمرار في هذه السياسة النقدية الكارثية لبنك عدن سوف يعمق الانقسام النقدي والمالي بين صنعاءوعدن ، وسيعمل على إعاقة أي مساع أممية لإنهاء الانقسام النقدي والمالي وتحييد البنك المركزي وتوحيد قنواته ، وهنا نؤكد أن ما يحدث من عبث بوظائف البنك في عدن لا يسر احداً في صنعاء كوننا نرى بأن ما يحدث أمر كارثي سيضاعف معاناة اليمنيين في تلك المحافظاتالمحتلة . *صحفي وخبير اقتصادي