عَقِبَ انتهاء حرب النكسة بين العرب والكيان الصهيوني عام 1967م، جرت بين الطرفين أولى المفاوضات السياسية وبإشرافٍ مباشر من الرئيس الأمريكي آنذاك ليندون جونسون. كان أحد بنود الاتفاقية، ينص على: "انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967م"، بيد أن الديبلوماسي البَريطاني ذا الأصول اليهودية اللورد كارادون، هو الذي هندس الاتفاق بعد التنسيق مع الأمريكيين على اعتماد صيغة غامضة وغير واضحة، تُخوّل للكيان التنصّل منه وعدم الالتزام به مستقبلًا؛ حيث جعل صيغة القرار: انسحاب إسرائيل من "أراضٍ" احتلتها بدلًا عن "الأراضي"، أي إن القرار يُلزِم إسرائيل بالانسحاب من بعض الأراضي فقط وليس من كاملها، ليعترف كارادون لاحقًا أن إسقاط "ال التعريف" عند صياغة القرار كان متعمدًا وبالتنسيق مع الوفد الأمريكي الذي أشرف على سير الاتفافية. هذه المغالطة اللغوية البسيطة (إسقاط ال التعريف) أسقط الحق عن الفلسطينيين في استعادة أراضيهم المحتلة أمام مجلس الأمن والأمم المتحدة اللذين أعطيا تل أبيب المشروعية الكاملة في ابتلاع أكثر من عشرة آلاف ميل مربع (ما يعادل مساحة غزة 50 مرة)، استنادًا إلى نص قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، الذي عُرف لاحقًا بمبدأ "الأرض مقابل السلام"، والذي عُدَّ الخديعة السياسية الأكبر في التاريخ.. وفي المفاوضات الجارية، كان من بين شروط حماس لوقف القتال: "انسحاب إسرائيل من قطاع غزة بشكلٍ دائم"، لكن المسودة التي قدمها الرئيس الأمريكي تضمنت هذا الشرط بعد أن تم التلاعب فيه لغويًا وتعديل عبارة "بشكلٍ دائم" إلى "بشكلٍ كلي"؛ ليصبح معنى الجملة أن إسرائيل ستنسحب من القطاع كاملًا ولكن ليس دائمًا، أي إن بإمكانها العودة لاجتياحه حتى في صبيحة اليوم التالي للانسحاب، وهذا ما فطن له وفد حماس في التوقيت المناسب.. جزئية لغوية كان بإمكانها أن تخدع العرب مرة أخرى وتعطي إسرائيل الجمل بما حمل، عبر التفاف واشنطن على بنود الاتفاقية من الجانب اللغوي كما حدث عقب نكسة حزيران، ليعود المكر الأمريكي محاولًا الغدر بالفلسطينيين مرة أخرى، ومسوّغًا للصهاينة استباحة القطاع وحصاره وتجويعه، كما فعلت ذلك من قبل تحت غطاءٍ أمميٍّ مزيَّف، وما أشبه الليلة بالبارحة..!