أمريكا.. تارة تحارب الإرهاب وتارة أخرى تدعمه وتستخدمه لتحقيق ما عجزت عنه في البلدان المستهدفة في اطار مخططها التدميري للهيمنة واستغلال خيرات وثروات الشعوب وتوسيع نفوذ الاحتلال الصهيوني والبطش به كأداة ومخلب من مخالب الإمبريالية في منطقة الشرق الأوسط . ومن خلال الأحداث والتطورات التي شهدتها وتشهدها عدد من الدول في المنطقة والعالم التي فرختها المخابرات الأمريكية بمسميات واشكال عدة بهدف تمزيق الشعوب عبر اثارة الفتن والصراعات الداخلية التي لا تخدم سوى المصالح الامريكية والصهيونية .. محمد أحمد الزعكري في اطلالة سريعة على بعض من المخططات الأمريكية في كيفية انتاج ورعاية التنظيمات الإسلامية التكفيرية الجهادية وعن تلك التنظيمات انبثقت لاحقا وتباعا منذ العام 1979 م العديد من التنظيمات ومن ذلك ما حصل ابان الغزو السوفيتي لأفغانستان في اوج الحرب البادرة بين المعسكرين الشرقي والغربي انتهجت أمريكا سياسة إثارة العامل الديني في أوساط الشباب المسلم وتوظيفه لقتال السوفيت في أفغانستان وتكلفت بتنفيذ تلك السياسة وكالة المخابرات الأمريكية ( cia) ورافق تلك الخطة الترويج عبر مختلف الوسائل والأدوات بأن احتلال الاتحاد السوفياتي التي اسمته بالملحد للشعب الافغاني المسلم يفرض على المسلمين والمجاهدين التحرك لتحرير أفغانستان من الملحدين . دور المخابرات الامريكية وبحسب التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام ولضمان تنفيذ خطة أمريكا في أفغانستان ابرمت صفقة بين المخابرات الامريكية وأجهزة استخبارات شرق أوسطية وعربية لتشكيل ما سمى في تلك الفترة بتنظيم "المجاهدون الأفغان" بعد ان كانت المخابرات الامريكية قد عملت على استقطاب الكثير من الشباب المسلم من مختلف الدول العربية والإسلامية وتزويدهم بالأسلحة المختلفة ومنها حصولهم على صواريخ أرض جو الأميركية المتطورة من طراز "ستينجر" التي كان لها اثر كبير في الحد من عمليات الطائرات الحربية السوفيتية . وبعد انتهاء العمليات السوفيتية في عام 1990م وانتصار أمريكا وحلفائها وهزيمة المعسكر الشرقي وسحب حينها الرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف قوات بلاده من أفغانستان أوقفت أمريكا نشاطها وقررت ترك المنطقة (للمجاهدين الإسلاميين) ليتصارعوا فيما بينهم حتى ظهرت حركة طالبان وسيطرت على المشهد الإفغاني واستضافتها تنظيم القاعدة التي حملتها أمريكا هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م والتي كانت بداية لحقبة جديدة غزت على اثرها القوات الامريكيةأفغانستان لمواجهة الإرهاب التي استمرت 20 عاما وفي العام 2021م امر الرئيس الأمريكي جو بايدن بحسب قواته من أفغانستان وتم تسليمها لحركة طالبان المصنفة منظمة إرهابية لتحكم البلاد . التفاهم مع داعش ضمن المخططات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط عملت أمريكا مجددا على التنسيق مع تيارات الإسلام السياسي وفي هذا السياق أشار تقرير نشرته الجزيرة نت : " ان أمريكا عملت على التفاهم مع جماعة الإخوان المسلمين في العام 2011م وعن هذه التفاهمات طالت الشبهات دوائر أمريكية بالتفاهم مع تنظيمات أشد راديكالية على شاكلة "داعش" (تنظيم الدولة الإسلامية) وجبهة النصرة وغيرهما، بدعم من شركاء ووكلاء إقليميين بغية توظيفها في الإستراتيجية الأمريكية الرامية إلى تغيير خارطة المنطقة بالكامل توطئة لنقل مركز الثقل في الإستراتيجية الأميركية من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا تحسبا للخطر الصيني المتفاقم." توظيف عناصر الارهاب كان ابوبكر البغدادي ضمن المعتقلين في سجن "غوانتانامو" الا انه تم الافراج عنه بعفو امريكي مما أتاح للبغدادي التحرك للعمل على بناء ما سمي "جيش الدولة الإسلامية بالعراق" وعقب هذا الإعلان تجاهلت أمريكا محاربة داعش بل انها عملت على تزويد تلك الجماعات بالأسلحة والمؤن ومن المفارقات ان إدارة أوباما حينها كانت تقوم بتسريب الخطط عبر وسائل الإعلام عن عملياتها في تحرير مدينة الموصل العراقية حتى تنبه "داعش" لتعمل احتياطاتها حيال تلك المناورة الامريكية تحت ادعاءات محاربة الإرهاب. وعن هذا التماهي ودعم التنظيمات الإرهابية اعترفت وزير الخارجية الامريكية حينها بضلوع أمريكا في مثل هذه الأدوار والأنشطة وذلك عبر إفادة سرية لها أمام الكونغرس أدلت بها في أبريل/نيسان من عام 2013، وتم تسريب جل محتوياتها لاحقا. دعم العصابات وفي اطار سياسة أمريكا لتدمير الشعوب المناهضة لها عملت على دعم العديد من الجماعات المسلحة والمرتبطة بها ومنها ما حصل بعد قيام الثورة الكوبية حيث قامت واشنطن بإيواء العديد من الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة الكوبية التي مارست عناصرها اعمالا إرهابية ومن ذلك ما حصل عام 1976، بانفجار طائرة ركاب كوبية فوق بربادوس، ما أسفر عن مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 73 شخصا. كان لويس بوسادا كاريليس، وهو من أصل كوبي ومنفي في الولاياتالمتحدة، متهما بالتسبب في الحادث وكان مطلوبا من جانب كوبا، لكن الحكومة الأمريكية رفضت دوما تسليمه إلى كوبا. الى ذلك عملت أمريكا في ثمانينات القرن العشرين على دعم حرب العصابات المناهضين للحكومة في نيكاراغوا وفي هذا الاطار أدلى ستانسفيلد تورنر، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بشهادته أمام الكونغرس، قائلا: "أعتقد أن العديد من أعمال حرب العصابات أعمال إرهابية بطبيعتها وأعمال إرهابية تدعمها الولاياتالمتحدة، وهو أمر لا يمكن دحضه" مفارقات عجيبة وكما هي عادة البيت الأبيض على تفريخ قوى تحت مسميات عدة كالقاعدة وداعش والنصرة وصولا الى تغيير المسميات مثل:"هيئة تحرير الشام " التي يتزعمها المدعو الجولاني مندوب البغدادي لتأسيس فرع لداعش في سوريا , ومن المفارقات ان هذا المطلوب على قائمة الإرهاب لأمريكا مقابل مبلغ 10 ملايين دولار اصبح اليوم نسخة مطورة يتجول في حلب ويظهر على شاشة CNN الامريكية حتى تظهره أمريكيا زعيما سياسيا بهدف تهيئته لحكم "أمارة سوريا " ضمن بلاد الشام بالصورة التي رسمتها ما يسمى "هيئة تحرير الشام " المصنفة منظمة إرهابية ومن خلال هذا المسمى يبدو ان هذا التنظيم الإرهابي وضعت له مخططات اكبر من سوريا لتنفيذ اجندات في دول بلاد الشام التي تضم سوريا والأردن ولبنان وفلسطين وأجزاء من السعودية والعراق . ومن خلال حديث " الجولاني " الذي افصح عن اسمه الحقيقي" الشرع " وخطته لحكم سوريا وفق نظام مؤسساتي إسلامي ينبئ بأن طالبان جديدة قد تم اعدادها وتدريبها وتسليحها بإشراف من قبل المخابرات الامريكية ودعم وتسليح أيضا من قبل تركيا الحالمة بعودة الخلافة العثمانية . ترامب "ليست معركتنا " كما تخلت أمريكا عن ادواتها سابقا في أفغانستان ستتخلى لا محالة عن هذه العناصر التي تعددت مسمياتها وخططها في بلاد الشام عامة وليس في سوريا على سبيل المثال , وهذا ما أشار اليه الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب بان لا علاقة لأمريكا بما يدور اليوم في سوريا حيث أوضح عبر منصته للتواصل الاجتماعي تروث سوشال أن على الولاياتالمتحدة ألا "تتدخل" في الوضع في سوريا، مع إعلان فصائل مسلحة معارضة بدء مرحلة "تطويق" دمشق. وقال ترامب قبيل لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه بباريس، إن "سوريا في حال من الفوضى، لكنها ليست صديقتنا، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن يكون لها أي علاقة. هذه ليست معركتنا. فلندع الوضع يأخذ مجراه. دعونا لا نتدخل". هذه الحديث المبكر لترامب قبل دخوله البيت الأبيض ليس جديدا فهو يعكس السياسة الامريكية لاي حاكم امريكي سواء كان من الحزب الجمهوري او من الحزب الديمقراطي فالتزامات أمريكا بحماية الاحتلال الصهيوني ثابتة وشرط من شروط الدولة العميقة في أمريكا لترشيح أي رئيس امريكي ووصوله الى البيت الأبيض . من المستفيد تباينت الرؤى حول ما حدث في سوريا بعد ان سيطرت ما يسمى بالمعارضة وفيما تسعى أمريكا لفرض واقع جديد في سوريا اكدت الخارجية الروسية ان الرئيس السوري بشار قرر ترك الرئاسة ومغادرة البلد وقالت الخارجية الروسية : " ونتيجة للمفاوضات بين بشار الأسد، وعدد من المشاركين في النزاع المسلح على أراضي الجمهورية العربية السورية، قرر ترك منصبه الرئاسي وغادر البلاد، مع إعطاء التعليمات بإجراء عملية نقل السلطة سلميا " , وفي حين انشغل العالم بما يحدث في سوريا وواصل صمته عما يحدث في غزة من جرائم إبادة مروعة يواصل الاحتلال الصهيوني تدمير وتهجير سكان قطاع غزة هذا من جانب ومن جانب آخر يحشد قواته باتجاه الجولان السوري المحتل بهدف عمل منطقة عازلة قد تكون أوسع من مساحة هضبة الجولان المحتلة , ويبرر قيامه بقصف القواعد الجوية السورية و مواقع ومخازن أسلحة تابعة للجيش السوري حتى لا تصل الى ايدي الجماعات المسلحة!!