تأريخ البشرية زاخرٌ بالشخصيات المتشابهة بميلها المتزايد إلى الاستحواذ والتسلط، كشخصيتي «هتلر» و«ترامب» اللذين تشابها -مع ما بين نشأتيهما من فوارق معيشية وما بين مرحلتيهما من متغيرات سياسية وعسكرية- في تهديد مستقبل البشرية التي باتت -بفعل تصرفات ترامب الاستفزازية الفوضوية- قاب قوسين أو أدنى من الفناء بحرب نووية. تشاركهما الاستعلاء والعنصرية لقد كانت نرجسية «هتلر» وشعوره بتميز عن غيره بسمات شخصية قيادية وراء السعي للعب الأدوار الريادية مثلما كان شعوره بنقاء الجنس الآري وتفوقه على سائر الأجناس وراء سعيه إلى منع تزاوجه مع أية أجناس أو قوميات من خارجه ووراء محاولته ما كان يعتبره تنظيف ألمانيا من العرقيات والقوميات الأخرى سواء بالترحيل الجماعي غير المحدود أو حتى باستئصال شأفتها أو إزالتها من الوجود، ولعل هذه الممارسات العنصرية قد هيأت المناخات لتأليف قصص الرعب الخيالية وصولًا إلى ما لم يزل عالقًا في الأذهان -إلى الآن- من حكاية نصب محارق ل«اليهود». ولعل نرجسية «ترامب» -في المقابل- هي وراء ما حصل من تمردٍ مشين على نتائج انتخابات عام 2020 والتشكيك بصحتها، وعدم التسليم بفوز خصمه «بايدن» والتسبب في حدوث أزمة إجرائية وأزمة ثقة في نظام الولاياتالمتحدةالأمريكية وإجراءاتها السياسية، حتى أنه لم يسلم إلَّا بعد تحريض المئات -على الأغلب- من مثيري الشغب على اقتحام مبنى «الكابيتول»، الأمر الذي أدى إلى إغلاقه وعرقلة انعقاد الجلسة المشتركة للكونغرس التي كانت مخصصة لفرز الأصوات الانتخابية وإضفاء الطابع الرسمي على فوز جو بايدن الانتخابي. ولعل عنصريته واعتداده بالجنس الأبيض فقط هي وراء تدشين ولايته الرئاسية الأولى بإصدار سلسلة من القرارات الرئاسية، تصدرها القرار الذي حظر -وبشدة- دخول مواطني سبع دول إسلامية إلى أراضي الولاياتالمتحدة. فضلًا عن وقوف تلك العنصرية القذرة وراء الفرز المجتمعي الذي أسفر عن اعتداء الشرطة الفيدرالية على مواطن أمريكي أسود البشرة انتقاصًا من مستواه حتى فارق الحياة. تماثلهما في النزعة التوسعية من السمات التي غلبت على التركيبة النفسية لكل من «هتلر» و«ترامب» -بالإضافة إلى ما جبلا عليه من نرجسية- سمة الجشع والنزعة التوسعية، فقد دفع «هتلر» جشعه ونزعته التوسعية إلى بسط نفوذ ألمانيا بالقوة وبسرعة مذهلة على أراضي دول أوروبية مستقلة، حتى أنه سيطر على بعضها سيطرة كاملة، ولولا ما لحق بجحافل جيشه المتلاحقة -في ال2 من فبراير عام 1943- من هزيمة ساحقة في معركة «ستالينجراد» الروسية التي بلغت خسائر الجيش الألماني البشرية فيها حوالي 300,000 ألف قتيل، لكان تحرُّر أوروبا من القبضة الألمانية «الهتلرية» ضربًا من المستحيل. وها هو جشع «ترامب» ونزعته التوسعية المنقطعا النظير يدفعانه إلى التفكير بشراء جزيرة «غرينلاند» الدنماركية وإدخالها -بالرغم ممَّا يفصلها عن أمريكا من مسافات مكوكية- تحت السيادة الأمريكية، فضلًا عن التفكير -بنوعٍ من الجدية- بضم مملكة كندا التي تفوق بمساحتها مساحة الولاياتالمتحدة بولاياتها الخمسين إلى بلاده بقوام ولاية واحدة بكل ما يعنيه ذلك من استخفاف بمشاعر عشرات الملايين من الكنديين، بالإضافة إلى إفصاحه في إحدى كلماته عن نيته تغيير تسمية «خليج المكسيك» إلى «خليج أمريكا» والمضي قُدُما نحو استعادة السيطرة الأمريكية على «قناة بنما». بل لقد دفعه اتسامه بالجشع وحب التوسع إلى دفع دولة «الكيان الصهيوني» أو ما يسمى «إسرائيل» -على اعتبار أنه صهيونيٌّ أصيل- إلى التوسع على حساب دول الجوار -بدءًا بجنوبي «سوريا»و«لبنان»- سعيًا نحو تحقيق الحلم الصهيوتلمودي التوسعي شبه المستحيل المعبَّر عنه -بحسب ما يردده الصهاينة جيلًا بعد جيل- بجملة «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل». ميل كل منهما بقوة لإظهار القوة الحقيقة أنَّ ما وسم شخصيتي «هتلر» و«ترامب» من «جنون العظمة» المفتقر إلى الحدِّ الأدنى من الحكمة قد حمل كل منهما على التفكير بالبلوغ ببلاده -عن طريق استخدام القوة والصرامة- مستوى من العظمة التي تقف أمامها كل أمة خاضعة مستسلمة غير آبهين بما قد تجلبه تلك الرؤية العقيمة على البشرية من عواقب وخيمة، وذلك ما يمكن أن يستنبط في قول الدكتور «منصور الزنداني» أستاذ العلوم السياسية في سياق مقاله المعنون [الموقف العربي المطلوب لإجهاض جنون ترامب الساعي لتملك غزة وتهجير سكانها] الذي نشره في «الموقع بوست» يوم الجمعة ال8 من فبراير الحالي ما يلي: (فقد كان تعامل «هتلر» مع الآخرين بنظرة استعلائية وعنصرية آرية هو الوقود الذي استمد منه طاقته وعلوه ورؤيته أن العالم لن يشهد السلام والأمن والتطور إلَّا بعد خضوعه لقيادة ألمانيا العظيمة، ثم أتبع أقواله بأفعاله فسيطر على معظم دول أوروبا، ثمَّ نقل حربه وقواته إلى خارج الحدود الأوروبية، وكانت النتيجة هي الحرب العالمية الثانية التي استمرت نحو 6 سنوات وأسفر عن نحو 60 مليون قتيل ونحو 100 مليون معاق وجريح . واليوم يتكرر المشهد من قبل الرئيس الأمريكي ترامب (هتلر2) الذي يعلن -بصريح العبارات التي لا تحتمل أيَّ معنى آخر- أنه سيسيطر ويتملك -وباستخدام القوات العسكرية- أرضًا عربية فلسطينية هي غزة العروبة والإسلام!)، وفي هذا التعربُد الترامبي الهدام البالغة أصداؤهُ «مصر» و«الشام» -إضافةً إلى مساندة «نتنياهو» في كل ما يمارسه من إجرام- أكبر إسهام في تقويض آخر أسس ومقومات السلام.