في التاريخ الإسلامي، كانت هناك محطات فارقة تحولت إلى معايير تفرق بين الحق والباطل، وبين الإيمان الحقيقي والنفاق المستتر. فكما كان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام شوكة الميزان التي ميزت المؤمنين الصادقين عن المنافقين المتلونين، وكانت معركة كربلاء الخالدة، التي وقفت فيها القلة المؤمنة مع الحسين عليه السلام في مواجهة الجبروت والظلم، بينما توارى المتخاذلون خلف صمتهم أو انضموا إلى الصف المعادي. اليوم، تعيد غزة رسم هذا المشهد؛ فهي شوكة الميزان العصرية التي تكشف حقيقة المواقف والأشخاص، بين من يقف مع الحق المحتجز تحت النار، ومن ينحاز إلى الباطل طمعا في مكاسب زائلة. التاريخ اليوم يعيد نفسه في كربلاء، لم تكن المعركة صراعا على سلطة أو مكاسب دنيوية، بل كانت اختبارا لإيمان الإنسان وموقفه من الظلم. الحسين عليه السلام وقف وحيدًا تقريبا، لكن قلة آمنت برسالته، فاختارت الموت مع الحق على الحياة مع الباطل. اليوم، تجسّد غزة هذا الاختبار بعينه، فالقضية لم تعد مجرد صراع سياسي، بل أصبحت ميزانا أخلاقيا ودينيا. من ينصر غزة ويدافع عن أطفالها الجوعى تحت الحصار، هو امتداد لروح أولئك الذين وقفوا في كربلاء. ومن يسكت أو يتواطأ مع المحتل، هو ابن روحي لأولئك الذين تخلوا عن الحسين خوفا أو طمعا. واليوم بينما غزة تدك بالصواريخ، وتحاصر حتى في أدنى حقوقها الإنسانية، نرى حكام الخليج يتسابقون لاسترضاء القوى الاستعمارية، نشاهدهم يقدمون المليارات لترامب في صفقات تميت القضية الفلسطينية وتكرس التطبيع مع المحتل. هذه المليارات التي تنفق على شراء الأسلحة الفتاكة أو تمويل مشاريع الترفيه، أو هدايا لكسب رضا الشيطان، كان من الممكن أن تنقذ آلاف الأرواح في غزة. في خضم هذا التخاذل والخضوع، تبرز مقاومة أبناء اليمن بقيادة السيد عبدالملك الحوثي نموذجا للإيمان العملي. فبدلا من الانخراط في لعبة التطبيع والتبعية، والبحث عن مكاسب شخصية، اختاروا أن يكونوا صوتا للضمير الإسلامي، موجهين ضربات موجعة لآلة الحرب الصهيونية. غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل هي مرآة الأمة وضميرها. كل موقف منها هو اعتراف بالهوية الحقيقية: هل نحن مع الحق أم مع الباطل؟ مع المقاومة أم مع الاستسلام؟ مع دماء الأطفال الذين يموتون تحت الحصار، أم مع صفقات التطبيع التي تغسل بها الأموال السوداء؟ كما كانت كربلاء شوكة الميزان بين الإيمان والنفاق، أصبحت غزة اليوم المحك الذي تقاس به إنسانية الشعوب وشرعية الأنظمة. فليختر كل إنسان أي الصفين يريد: صف الحسين في غزة، أم صف يزيد في قصور التطبيع! * عضو الأمانة العامة لاتحاد القوى الشعبية