إن أمريكا الرأسمالية التي ظهرت قبل قرنين ونصف من الزمان، وعُرفت واشتهرت كقوة استعمارية وإمبراطورية غربية كاسحة غالبة، قامت أساسًا على استعباد الشعوب الضعيفة وسرقة خيرات البلدان المُضطهدة المغلوبة، ولا زالت هذه الشيطانة الملعونة حتى اللحظة تُمارس كاللصوص مهنة السطو وسرقة الغير بأساليب وطرق ملتوية واحترافية عالية ، في الوقت الذي تدعي فيه الفضيلة وأنها تمثل قيم العدل والحرية والمساواة في هذا العالم وما فعلته وتفعله أمريكا بالشعوب والدول التي لا تخضع لإرادتها وسلطتها الإستكبارية يُؤكد أنها قوة شريرة ودولة مارقة ابتلى الله العالم بها وجعلها سببًا لإقلاقه واشغاله وزعزعه أمنه واستقراره وفرض الوصاية عليه .. والإمبريالية التي تمثلها أمريكا كمفهوم معياري عام ، هي بحسب الباحث والكاتب العربي حمودة المعناوي " سياسة أو ايديولوجية تُمارس فيها دولة قوية أو امبراطورية ( كأمريكا) السيطرة أو الهيمنة على دول أو شعوب أخرى ، وهذه السيطرة لا تقتصر بالضرورة على الإحتلال العسكري المباشر ، بل قد تتخذ أشكالاً مختلفة تشمل النفوذ السياسي ، السيطرة الإقتصادية ، أو الهيمنة الثقافية ، وجوهر الإمبريالية هو ممارسة شكل من أشكال السيطرة ، وهذه السيطرة يمكن أن تكون مباشرة كما في حالة الإستعمار التقليدي ، حيث تحتل دولة قوية أراضي دولة أخرى وتُديرها سياسياً وعسكريًا بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال آليات إقتصادية ، سياسية ، أو ثقافية تضمن تبعية الدولة المُستهدفة دون الحاجة إلى إحتلال عسكري ، وهذا مايُعرف غالبًا بالإستعمار الجديد ( Neocolonialism، وعادة ماتسعى السيطرة إلى تحقيق أهداف متعددة وتشمل إقتصادية كالحصول على الموارد الطبيعية ( الموارد الخام) ، فتح أسواق جديدة للمنتجات ، استثمار رؤوس الأموال الفائضة ، أو السيطرة على طرق التجارة ، وسياسية وإستراتيجية تهدف إلى تعزيز القوة الجيوسياسية للدولة المهيمنة ، تأمين مواقع استراتيجية ، أو منع منافسيها من إكتساب نفوذ ، أو ايديولوجية وثقافية تحاول نشر قيم أنظمة حُكم أو أديان معينة ، مع الإعتقاد بالتفوق الحضاري أو الثقافي للدولة المُهيمنة" . وهناك عدد لا بأس به من المفكرين المستنيرين والأحرار الثائرين على مستوى العالم ، من جهروا في وقت مبكر بثورتهم وخروجهم على الغرب الإستعماري بشقيه الرأسمالي والإمبريالي والذي تمثله دول معروفة كبريطانيا وألمانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها ، وتنبهوا لما يحمله المشروع الرأسمالي والإمبريالي الغربي من مخاطر على الدول والشعوب وعلى الإنسانية جمعاء ، ومن هؤلاء الثائر العالمي " تشي جيفارا" والذي أكد في جميع أطروحاته على استحالة التصالح أو المساومة مع الإمبريالية والرأسمالية ، نظرًا للتناقض الجوهري بينهما وبين شعوب العالم الثالث ورأى جيفارا أن الغرب الرأسمالي لا يفهم لغة الحوار، وإن لجأ إليها، فإنه يفعل ذلك بخبث وتخطيط مسبق. كما أنه لا يتحاور إلا إذا وجد نفسه في حالة ضعف أو واجه عدوًا قويًا أو كلاهما معًا .. ولم يكتف جيفارا بإنتقاد الغرب فقط ، بل وجه انتقادات حادة للأتحاد السوفييتي السابق ، معتبرًا أنه انحرف عن المبادئ الثورية الأصلية واتهمه بالتواطؤ مع الإمبريالية العالمية وكان جيفارا يؤمن بأن الثورة يجب أن تكون عالمية، وأن النضال ضد الاستعمار الجديد والرأسمالية الاحتكارية هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة الإجتماعية ولأن جيفارا هذا البطل العالمي والثائر الأمريكي اللاتيني لم يكن مجرد شخصية ثورية من الماضي، ، فقد تحولت أفكاره إلى إرث عالمي حي تستلهمه الحركات الثورية والمقاومة ضد الاستغلال الاقتصادي والاستعمار في مختلف أنحاء العالم ويؤمن الكثيرون بأن مبادئه لا تزال صالحة حتى اليوم، وبالإمكان استخدامها كوقود للحركات السياسية المناهضة للهيمنة الخارجية وسياسات النيوليبرالية .. ومن المعلوم أنه بعد نجاح الثورة الكوبية، لم يكتف جيفارا بالبقاء فيها، بل سعى إلى نشر الفكر الثوري في بلدان أخرى مثل الكونغووبوليفيا. إلا أن محاولاته اصطدمت بظروف سياسية وعسكرية صعبة أدت إلى اعتقاله وإعدامه في 9 أكتوبر 1967 في لا هيغويرا، بوليفيا من قبل المخابرات الأمريكية وتأسيسًا على ما تقدم لا يمكنني إلا الإتفاق مع صاحب الرأي القائل : "إن صورة جيفارا أصبحت بعد وفاته رمزًا عالميًا للمقاومة والثورة، وانتشرت على الملابس والملصقات والجدران كدلالة على النضال ضد الظلم والاستبداد ، ورغم مرور عقود على رحيله، لا يزال إرثه يلهم الملايين، خاصة أولئك الذين يسعون إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتغيير السياسي الجذري" .. وما من شك إن "إرنستو "تشي جيفارا كان أكثر من مجرد ثوري، فقد كان مفكرًا وقائدًا وأيقونة للنضال ضد الهيمنة والاستغلال ، ورؤيته للعالم لم تكن مجرد نظريات جامدة، بل كانت مشروعًا عمليًا عاش من أجله حتى لحظة استشهاده. وبينما يختلف البعض حول مدى نجاحه، لا يمكن إنكار تأثيره العميق على الحركات الثورية والسياسية حتى يومنا هذا" وبإختصار ولأن جيفارا كان رجلاً عظيمًا لم تتردد وتتورع أمريكا عن قتله واغتياله بدمٍ بارد كعدو لدود لمشروعها الرأسمالي الذي كفر به جيفارا وكل أحرار العالم وتصدوا له وثاروا عليه . ........ يتبع .....