منذ بداية القرن الحادى والعشرين ، تعرضت المنطقة العربية إلى تحولات كبرى بدأ بغزو العراق عام 2003م . تودي الفوضي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي واضعاف الاقتصادات الوطنية وإحداث تحولات اجتماعية وثقافية عميقة قد تستمر لعقود . الفوضي الخلاقة ليست مجرد حالة من الاضطراب العشوائي بل هي استراتيجية مدروسة تستند إلى خلق الفوضي في منطقة معينة بهدف إعادة تشكيلها وفقا لمصالح الاطراف الفاعلة . تقوم هذه الفكرة على اساس أن التغيير الجذري لا يتحقق إلا عبر هدم الانظمة القائمة وإعادة بنائها بطريقة تضمن التوافق مع المصالح الجيوسياسية والاقتصادية للقوى المهيمنة . لا تقتصر الفوضي الخلاقة على كونها مجرد أداة سياسية لأحداث تغير في لانظمة الدول ، بل تمتد آثارها إلى مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدول المستهدفة . الاسباب الخمسة هناك العديد من الاسباب جعلت المنطقة العربية في قلب مشروع الفوضي الخلاقة . 1 - الموقع الجغرافي والاستراتيجي : يعد الشرق الوسط نقطة التقاء القارات الثلاث القديمة ، مما يجعله حجرا الزاوية في النظام العالمي ، ويتوقف على ذلك تحكمه في الممرات البحرية الدولية ، كمضيق هرمز يمر عبره حوالي 20% من النفط العالمي مما يجعله ممر حيويا ، قناة السويس احد اهم الطرق البحرية التي تربط الشرق والغرب حيث تمر عبرها نسبة كبيرة من التجارة الدولية ، مضيق باب المندب : يربط بين البحر الاحمر والمحيط الهندي ويعد نقطة استراتيجية للتحكم في حركة التجارة والطاقة . مفاصل العالم المنطقة العربي كونها جسرا بين الثقافات والحضارات ، ولها دور تاريخي في تشكيل الحضارات الكبري ومهبط الديانات . لذا فالقوى الكبرى وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالامريكية وما يدور في فلكها ويتبعها من دول اوربا تدرك بأن أي تغيير في المنطقة يؤثر بشكل مباشر عليها ، وبالتالي فإن المنطقة السيطرة عليها تعنى التحكم في مفاصل العالم . 2- النفط : المحرك الخفى تعد ثروات النفط والغاز المحرك الخفي للصراعات ، فمنذ اكتشاف النفط في المنطقة ، أصبحت المنطقة العربية - وما تسمى اصطلاحا بالشرق الاوسط كتسمية غربية هدفها اظهار ان المنطقة العربية ليست كتلة واحدة وذات نسيج حضاري وتاريخي وديني واجتماعي وثقافي وفكري واحدة ، خدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة وفرضه كواقع وكجزء اساسي في منطقتنا العربية. اصبحت أهم مصارد الطاقة وتشمل على أهم أبعاده الاقتصادية منها امتلاكه اكثر احتياطات النفط والغاز في العالم . دول الخليج تمتلك وحدها 48% من الاحتياطي النفطي العالمي . العراق وإيران من أكبر المنتجين للنفط عالميا ، كما إن سوريا تمتلك احتياطات كبيرة لم يتم استغلالها بالكامل . خريطة جيواستراتيجة لا يمكن للاقتصاد العالمي ان يعمل دون تدفق النفط من المنطقة ، مما يجعلها هدفا دائما للسيطرة الغربية . فالقوى الكبرى تستخدم الفوضي الخلاقة كوسيلة لفرض سيطرة غير مباشرة على هذه الموارد . النفط دور هام في رسم خريطة النفوذ الجيو سياسي لأمريكا في المنطقة العربية . فغزوها للعراق في 19 مارس 2003م ، كان له ابعاد اقتصادية واضحة ، حيث سيطرت الشركات الامريكية على جزء كبير من قطاع النفط العراقي ، كذلك في تدخلها العسكري المباشر عبر حلف الناتو على ليبيا في 19 مارس 2011م ، لم يكن من اجل ما سمته نشر الديقراطية في ليبيا ، بل من اجل الوصول إلى احتياطات النفط الليبية الضخمة ، النزاع في سوريا وما يحدث فيها يتعلق جزئيا بخطوط الغاز التى تمر عبر البلاد ، حيث هناك منافسة بين مشروع خط الغاز الإيراني- العراقي - السوري ، وبين المشروع المدعوم من قطر وتركيا . 3- استغلال الصراعات . إن استخدام الصراعات في المنطقة كأداة للتحكم وإحدى الأدوات والوسائل والاوراق الرئيسية للفوضي الخلاقة واستغلال التوترات الداخلية لإضعاف الدول ، فالشرق الأوسط كما يشير ويوضح البرفسور الدكتور فارس البياتي في كتابه ( الفوضى الخلاقة الاستراتيجية الكبرى وصراعات الشرق الاوسط) . إن ( الشرق الاوسط طائفيةوإثيني كبير يجعل من السهل استغلاله لتحقيق عدة غايات ) . ومن تلك الغايات يوضح التالي : أ- الصراعات الطائفية : يتم تأحيج الصراع بين السنة والشيعة لضمان بقاء الدول في حالة انقسام دائم ، وكوسيلة لتفكيك الدول . ب - الانقسامات العرقية : باعتبارها هويات يتم توظيفها لإضعاف الدول وتقسيمها ، فهناك العديد من المشاريع في المنطقة لإقامة دول مستقلة عن الدول الأم ، وهو محاولة في إعادة تشكيل المنطقة وفق خريطة جديدة . ج - توظيف الجماعات المتطرفة : كداعش والقاعدة والنصرة وغيرهما كلها تم استغلالها من قبل قوى كبرى لخلق حالة من الفوضي الموجهة . فبعض القوى الدولية والإقليمية بالمنطقة استخدمت هذه الجماعات كأدوات لإضعاف الدول وإعادة تشكيلها وفق مصالح . د - الاستعانة بالادوات : قيام امريكا ودول الغرب بالاستعانة بأدواتها ووكلائها في المنطقة لشن عدوان عسكري على دول اخري كقيام السعودية والأمارات ودول اخرى بشن عدوان عسكري على اليمن في 26 مارس 2015م. 4 - خدمة للعدو الصهيوني ان ابقاء العدو الصهيوني ككيان قوي وسط بيئة غير مستقرة هو هدف استراتيجي للولايات المتحدةالامريكية والغرب . لقد تم استخدام الفوضي الخلاقة كأداة في الدول العربية لتشتيت الانظمة وجعلها غير قادرة على مواجهة العدو الصهيوني ، وتفكيك الجيوش العربية مثل الجيش العراقي والليبي والسوري يخدم المصلحة الصهيونية في ضمان تفوقها العسكري . 5- الهيمنة الأمريكية لامريكا دورا في فرض الهيمنة عبر الفوضي الخلاقة ، فهي ترى إن الشرق الاوسط هو القلب الجيوسياسي للعالم ، وبالتالي فإن التحكم به يضمن سيطرة عالمية . فنظرية ( الشرق الاوسط الجديد) التي طرحتها كونداليزا رايس عام 2005م ، التي تقوم على إعادة رسم خريطة المنطقة عبر تفكيك دولها ، والهدف الأساسي هو منع ظهور أي قوة اقليمية تهدد النفوذ الامريكي او الغربي . لذا لم تكن المنطقة العربية مجرد ساحة من ساحات الفوضي الخلاقة بل يمكن اعتبارها المختبر الاكبر لهذه الاستراتيجية .