أرقام صادمة.. 90% من قطاع غزة مدمر بعد عامين من الحرب    بن حبريش يحوّل الديزل إلى سلاح للسيطرة والنفوذ والثروة    بن حبريش والمحافظ يخونون الأمانة ويُفقر الشعب من أجل الديزل والمال!    فضيحة مدوية.. أموال البطائق الذكية تودع في الحساب الشخصي للوزير حيدان    الجولاني يلغي اجازة يوم 6 أكتوبر مراعاة لمشاعر الصهاينة    أزمة الذاكرة والموقف: انفصام أُمَّة    جامعة البيضاء تنظم المؤتمر العلمي السادس بمشاركة 299 باحثا من 17 دولة    ضبط متهم بارتكاب جريمة قتل خلال 48 ساعة    أربعة أسباب دفعت حماس للموافقة على خطة ترامب    افتتح مهرجان خيرات اليمن في موسمه الثاني.. العلامة مفتاح: نأمل في السنوات المقبلة تحقيق نقلة نوعية للنهوض بالمنتجات الزراعية    بعملية عسكرية نوعية.. القوات المسلحة تؤكد.. قصف أهداف حساسة للعدو في القدس المحتلة    هيئة حقوق الإنسان تُدين جريمة إعدام مرتزقة حزب الإصلاح بتعز للأسير العفيري    إنني مسكون بذكراكم أيها الأحبة (3 - 3)    الفريق السامعي يستحضر إرث الإرياني.. الطريق محفوف بالمكائد والخطر قائم    إعلانات قضائية    القنصل اليمني في الهند ينبه المسافرين اليمنيين بشأن الإجراءات الجديدة لوزارة الداخلية الهندية    إحصائية مخيفة للسرطان في محافظة تعز    سمراء المجازات    سمراء المجازات    إِنَّا عَلَى العَهْدِ    اليهود في القرآن...!!    مرض الفشل الكلوي (22)    المرأة الإصلاحية.. رافعة النضال وشريكة البناء    محمد عبده الفنان السادس على مسرح البواردي    ضبط شحنة طائرات مسيّرة وأجهزة تجسس تابعة للحوثيين قبالة سواحل لحج    ترشيح " سوريانو " ل رئاسة نادي برشلونة خطر حقيقي يهدد عرش "لابورتا" .!؟    إشبيلية يكتسح برشلونة.. ويحرمه الصدارة    بن حبريش وصفقات الديزل.. نهب منظم لثروة حضرموت تحت شعارات كاذبة    الاتحاد اليمني لكرة القدم يُعيّن السنيني مديرا فنيا لإتحاد الكرة    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يتفقد سير العملية التعليمية في ثانوية الفقيد عبدالمنتصر بحبيل جبر    عضو السياسي الاعلى الوهباني يزور مهرجان خيرات اليمن    مونديال الشباب: المكسيك ترافق المغرب إلى ال16    وادي التماثيل في جزيرة قشم.. بقايا ظواهر رسوبية وجدران طبيعية مذهلة    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بإيقاف التعامل مع شركة صرافة    اليمن يحصد ميداليتين في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى    رحلة تكشف المستور    أمين عام المجلس الانتقالي الجنوبي يلتقي وكيل قطاع الصناعة بوزارة الصناعة والتجارة    استمرار حملة مصادرة شمة الحوت من أسواق المنصورة    المكتب التنفيذي لمديرية خور مكسر يعقد اجتماعه الدوري ويناقش تقارير عدد من المكاتب    ترامب يعلن موقف إسرائيل من الانسحاب الأولي.. والوفود التفاوضية تتجه إلى القاهرة    كاد تهرب المسؤول أن يكون كفرا    مركز الأرصاد يحذر من اقتراب العاصفة المدارية "شاكتي" من المياه الإقليمية    العملة المشفرة الأغلى.. البيتكوين يكسر حاجز ال 125 ألف دولار    أرسنال يكسب «المطارق» ويتصدر.. وساكا يكتب التاريخ    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنغلاند    هيئة التعليم والشباب بالانتقالي توقع مذكرة تفاهم مشتركة مع إدارة صندوق تنمية المهارات    كين يبدد مخاوف الإصابة    مدير عام المركز الوطني لمختبرات الصحة العامة المركزية لسبتمبر نت :نطمح إلى إنشاء 4 فروع جديدة    جريمة قتل جماعي قرب حقل مياه عدن.. دفن نفايات شديدة الخطورة في لحج    مأرب.. تكريم الفائزين بمسابقة شاعر المطارح    تحقيق يكشف عن عمليات تهريب الأحجار الكريمة والمعادن النادرة من اليمن    بدء توزيع الزكاة العينية للأسر الفقيرة في مديرية اللحية    رئيس إصلاح المهرة يدعو إلى الاهتمام بالموروث الثقافي واللغوي المهري    تعز تناقش مواجهة مخاطر الكوليرا وتحديات العمل الإنساني    سياسيون يحتفون بيوم اللغة المهرية ويطلقون وسم #اللغه_المهريه_هويه_جنوبيه    أنا والحساسية: قصة حب لا تنتهي    تنفيذ حملة لمكافحة الكلاب الضالة في مدينتي البيضاء ورداع    في 2007 كان الجنوب يعاني من صراع القيادات.. اليوم أنتقل العلة إلى اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة الذاكرة والموقف: انفصام أُمَّة
نشر في 26 سبتمبر يوم 06 - 10 - 2025

في التاريخ الحديث، لم تُسجل المعارك العسكرية فصلاً أكثر قسوة أو أكثر إلهاماً من الفصل الذي كُتب على أرض غزة الصامدة.
لمدة تجاوزت السنتين من العدوان المتواصل، وفي خضم حصار خانق وجرائم إبادة جماعية وتجويع ممنهج، سقط ما يزيد عن 66 ألف شهيد غزاوي، وتعرّض القطاع لسيل من المواد المتفجرة يقدر بأنه يعادل قوة سبع قنابل ذرية كتلك التي أُلقيت على هيروشيما وناجازاكي، والتي كانت كافية لاستسلام إمبراطورية كاليابان. ورغم تضاعف خسائر غزة في الأرواح عما فقده اليابانيون، ورغم المجازر المُوثقة، وحرب الإبادة الواضحة، والتفكك الهيكلي الذي طال حتى الصف الثالث من القيادات الفاعلة، لم تنهار المقاومة. بل أظهرت صموداً ليس له مثيل. هذا الصمود، على الرغم من خذلان القريب والبعيد، يُعدّ شهادة على إرادة شعب رفض أن يُهزم، مسطراً بذلك أسطورة غير مسبوقة في التاريخ الحديث.
من عجائب المشهد العربي المعاصر ما لا يكاد يستوعبه عقل، وهو التمجيد والاحتفاء بيوم السادس من أكتوبر 1973م، وفي الوقت نفسه، تجريم ورفض ما حدث في يوم السابع من أكتوبر 2023م. يفصل بين الحدثين خمسون عامًا ويوماً واحداً، لكن ما يجمعهما يتجاوز بكثير ما يفرقهما، فلماذا هذا الانفصام العجيب في الذاكرة والوجدان؟
دعونا نُجري مقارنة منطقية بسيطة:
تشابه الدوافع والمشروعية
* دافع السادس من أكتوبر 1973:
كان الهدف المعلن للجيشين المصري والسوري هو تحرير الأراضي العربية المحتلة - سيناء والجولان - التي سقطت في عدوان عام 1967. كان هجوماً مفاجئاً ومباغتاً يهدف إلى استرداد الحق المسلوب. هذه خطوة تُعد مشروعة بالكامل في القانون الدولي تحت مبدأ مقاومة الاحتلال.
* دافع السابع من أكتوبر 2023م:
كان الدافع للمقاومة الفلسطينية هو ذاته: محاولة لتحرير الأراضي العربية المحتلة في فلسطين، سواء تلك التي احتُلت عام 1948 أو عام 1967، والرد على سنوات من الحصار والانتهاكات المتصاعدة. وهو، أيضاً، هجوم مفاجئ ومباغت، يستند إلى ذات المشروعية التي تُبيح للشعوب الواقعة تحت الاحتلال مقاومة محتليها.
الخلاصة: الدوافع والأسباب متطابقة تماماً. هي حرب تحرير واستعادة للحقوق، والمشروعية مستمدة من نصوص القانون الدولي والمواثيق الإنسانية التي تكفل حق مقاومة الاحتلال. حتى ميزان القوة في كلتا الحالتين كان يميل - ولا يزال - بشكل ساحق لصالح العدو.
ازدواجية المعايير والتبعية المُهينة
هنا تكمن الإشكالية الكبرى التي تستوجب التساؤل: لماذا يُرفع علم السادس من أكتوبر ويُنكس علم السابع منه؟
السبب الوحيد المقنع لتفسير هذا التناقض الصارخ لا يمكن أن يكون عسكرياً أو قانونياً أو أخلاقياً، بل هو سياسي محض، ويكشف عن حالة متقدمة من التبعية وفقدان الإرادة.
الاحتفاء بذكرى 1973م تحول بمرور الزمن إلى رمز يخص دولاً "صاحبة سيادة" ويُنظر إليه في سياق "الحرب النظامية" التي تلتها معاهدات سلام. بينما يُنظر إلى عملية 2023م كعمل مقاومة تقودها "قوى غير نظامية"، مما يضعها في زاوية التجريد والإدانة لدى الأنظمة التي باتت تخشى أي عمل يهدد استقرار المنطقة أو يُغضب القوى الغربية التي تعتبر نفسها الضامن لهذا "الاستقرار".
النتيجة المؤلمة: عندما يجد المواطن العربي أن حكومته تبارك هجوماً حدث قبل نصف قرن وتستنكر هجوماً حدث بالأمس القريب، رغم تطابق الدوافع، فإنه لا يجد تفسيراً إلا أن هناك قوى خارجية تفكر بالنيابة عن العرب، وترسم سياساتهم، وتحدد مساراتهم، بل وتنتقي لهم ما يجب أن يفرحوا به وما يجب أن يدينوه.
هذا الانفصام ليس مجرد خطأ في التقدير؛ إنه عار في الوعي، ودليل على أن القرار السيادي قد تآكل إلى درجة باتت معها الأمة تتخلى عن مقاومتها المشروعة خوفاً من "سيد" أو طمعاً في "سلام" هش. إن الأمة التي تُضحِك من جهلها الأمم هي تلك التي تتبنى خطاباً يُجرِّم نضالها ويُقدِّس تنازلها.
خاتمة
خير مثال على هذا الانفصام هو أن تتبنى أمة مقولة: "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة" كشعار عسكري وتاريخي في معركة التحرير (1973)، ثم تُدين في الوقت نفسه أي عمل مقاومة يستند إلى ذات المبدأ في معركة التحرير المستمرة (2023). إن الأمة التي تُعلن استقلالها وهي ترتدي قيداً من ذهب، هي أمة أضاعت بوصلتها التاريخية. إن المقاومة لا تحتاج إلى إذن، والتحرير لا ينتظر شهادة حسن سلوك من المحتل أو من ارتضى بالخضوع له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.