هناك أحداث قد تبدو للوهلة الأولى هامشية أو عابرة، لكنها في حقيقتها مفصلية وممنهجة، وشكّلت الشرارة الأولى لصناعة تحولات كبرى غيّرت مجرى الأحداث في المنطقة. ففي مطلع عام 2004، كانت الولاياتالمتحدةوبريطانيا "كما جرت عادتهما" تتجاهلان عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين في سجون الحكومات العربية الموالية لهما، لكنهما سارعتا في المقابل للضغط على الحكومة الكويتية للإفراج عن المدعو ياسر الحبيب ونقله إلى لندن، ليُطلق من هناك تصريحاته المسيئة لعرض الرسول صلى الله عليه وآله، والعياذ بالله، من موقع آمن لا تطاله يد المساءلة. وفي الاتجاه الآخر، عمل النظام السعودي بإشراف امريكي_بريطاني على إنشاء منظومة من القنوات الفضائية المتخصصة في تأجيج الفتنة المذهبية عبر التحريض على الشيعة، مستغلة تصريحات ياسر الحبيب وأتباعه كأدوات دعائية لإذكاء الفتنة. من المعروف أن بريطانيا لم تستطع إنشاء تيار شيعي متطرف داخل المجتمعات الإسلامية على غرار الوهابية، بسبب واحدية المرجعية الفكرية للشيعة واستقلال قياداتهم الدينية عن السلطة. لذلك لجأت إلى خيار تأسيس تيار شيعي متطرف خارج البيئة الإسلامية، وبالذات في لندن، ثم العمل على توسيعه في بقية العواصم الغربية. ورغم أن المدعو ياسر الحبيب كان يعيش في كنف الحكومة البريطانية، ويكفر المرجعية في إيران، وحزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، إلا إن القنوات الوهابية لم توجه أي لوم لبريطانيا التي تستضيفه، لأنها كانت سعيدة بتلك التصريحات لكي تحمّل مسؤوليتها للجهات الشيعية نفسها التي يكفّرها ويعاديها. واللافت أن الوهابية تقدّم نفسها بوصفها الممثل الحقيقي للسنة والمدافع عنهم في مواجهة الشيعة، رغم أنها تكفّر الأشاعرة والماتريدية الذين يشكّلون غالبية أهل السنة. وفي المقابل، يروّج التيار الياسري لنفسه كمدافع عن الشيعة في مواجهة السنة، بينما يكفّر معظم الشيعة الذين يرفضون خطابه. والمفارقة الصارخة أنّ هذين التيارين، اللذين يظهران في موقع العداء المتبادل، يقف خلفهما في الواقع داعم ومموّل واحد، يوظّفهما معًا لتغذية الانقسام وإدامة الصراع الدموي. ونتيجة لتلك الأحداث التي كان يُنظر إليها في وقتها بوصفها هامشية "كإخراج ياسر الحبيب من السجن وإنشاء القنوات الوهابية المكرّسة لإشعال الفتنة" انزلقت الأمة منذ مطلع الألفية الثانية إلى جولة صراع دموي سقط فيها ملايين القتلى ولا تزال تداعياته مستمرة حتى اليوم. ولولا تلك الفتنة التي عصفت بالأمة الإسلامية وأنهكتها، لما تمكن الكيان الصهيوني من فرض معادلة الاستباحة على عدد من البلدان العربية، لأن تلك الفتنة صرف دت أنظار الشعوب عن العدو الحقيقي. وهذه الفتنة لم تكن لتجد طريقها إلى واقع الأمة لو كان وعيها محصَّنًا من الاختراق، الأمر الذي يؤكد أهمية دعوتي لتعزيز جبهة الوعي الداخلي وإعادة توجيه بوصلة العداء نحو أعداء الأمة الحقيقيين. ولهذا تسعى الولاياتالمتحدةوبريطانيا، بالتعاون مع أدواتهما في المنطقة، إلى تغييب صوت محمد البخيتي، لأنه أحد أبرز الأصوات الفاعلة في مواجهة مشروع الفتنة، ويعمل على إعادة الوعي إلى مساره الصحيح. وهذا ما يتعارض مع مصالحهم ومشاريعهم في المنطقة.