العميل عيدروس الزبيدي ضرب الرقم القياسي في الخيانة والعمالة، وتفوق على كل من سبقوه من خونة الأوطان، بل وعلى كل من سيأتون بعده، فلا ينافسه في ذلك أحد، لا من حيث خضوعه لإرادة المحتلين وتسييره كيفما يشاءون، ولا من حيث عرضه لنفسه كخادم مطيع ينفذ لهم كل أجنداتهم. فقد جمع بين المتناقضات: السلطة والمعارضة، الوحدة والانفصال؛ وحدوي في الرياض، وانفصالي في أبوظبي، ينادي بالتحرير وهو من يقدم أكبر الخدمات للمستعمر، وبذلك فقد بوصلة الهدف الذي يود الوصول إليه، لدرجة أنه أصبح تائهاً بين هذا وذاك، ولم يعد يعرف ما هي القضية التي يسعى من أجلها ويدافع عنها. يعيش في غيبوبة اختل من خلالها توازنه وأنسته حتى نفسه، رغم الصدمات القوية والعنيفة التي يتعرض لها يومياً من أسياده في الإمارات والسعودية، والتعامل معه كدمية يتم تحريكها وقت الحاجة لإرباك المشهد السياسي اليمني وزرع الأسافين بين قواه السياسية ليلعن بعضهم بعضاً. وفي ظل هذا التوهان الذي وقع فيه، لم يتسنَّ له أن يدرك ما يُحاك لوطنه من مؤامرات للقضاء على مقدراته والاستيلاء على أرضه وتقديمها لقمة سائغة للمحتلين الجدد يسهل ابتلاعها. وعليه، لا بد أن نلفت نظر من وقعوا في براثن الخيانة والعمالة، لا سيما من غرر بهم عيدروس الزبيدي ويعدّون أنفسهم معارضين على المستويين السياسي والإعلامي، ونطرح عليهم مجموعة من الأسئلة لعلهم يستوعبونها، من أهمها: لماذا لا نتناول قضايانا في خطابنا السياسي والإعلامي من منظور وطني بحت، بعيداً عن تغليب الخلافات السياسية والحقد والتعصب المذهبي والحزبي والطائفي؟ ولماذا تكون المصلحة الوطنية العليا هي آخر ما نفكر فيها ونتحدث عنها؟ وما دمنا نسير في هذا الاتجاه الخاطئ، فكيف يمكن لنا أن نوفق بين الحديث الشريف الذي خصّ به رسول الإنسانية محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام اليمن: «الإيمان يمان والحكمة يمانية»، وبين ما يصدر من إسفاف وخطاب إعلامي ممجوج على ألسنة كتّاب صحف حزبية ومستقلة، وفي بعض القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، والذي يسيء بالدرجة الأولى للوطن اليمني بأكمله وإلى سمعة أبنائه في الداخل والخارج، فضلاً عن مساسه المباشر بالثوابت الوطنية التي تُعد بمثابة خط أحمر لكل اليمنيين، أياً كانت توجهاتهم السياسية والفكرية؟ ولمصلحة من كل هذا الإسفاف الذي لا يعبر إلا عن الخلق السيئ والتربية البعيدة عن القيم والمثل والأخلاق الحميدة التي تربى عليها هؤلاء الناس؟ إذا كان هؤلاء الذين تقطر أقلامهم وكلماتهم سماً وحقداً على كل ما هو جميل، بهدف تشويهه، لا سيما عندما توجه سهامهم إلى صدور أبناء القوات المسلحة اليمنية، لا لشيء إلا لأنهم يواجهون العدوان ويدافعون عن الوطن وسيادته ويحافظون على حريته واستقلاله ومكاسبه المتحققة، وصولاً إلى تحقيق وبناء الدولة الوطنية الحديثة، فإن هذا هو ديدنهم دائماً، ويشهد لهم تاريخهم الأسود بذلك، مهما حاولوا أن يتجملوا أو يخدعوا الآخرين بخطابهم الإعلامي التضليلي المثير للفتنة، وما يحمله من كلمات الإثارة التي يتقنون استخدامها جيداً، خاصة هذه الأيام بعد التهديد بتصعيد العدوان، في محاولة يائسة منهم لاكتساب ثقة من يستمع إليهم، مع أنهم يدركون سلفاً بأن من يطلع على خطابهم الإعلامي، الذي أصبح مكرراً كالأسطوانة المشروخة، لم يعد يصدقهم أو حتى تستثيره تلفيقاتهم المفضوحة، بقدر ما يسيء هذا الخطاب المضلل إلى سمعة اليمن في الخارج لدى أولئك الذين لا يعرفون حقيقة هؤلاء وكيف يتعاطون مع القضايا الوطنية من منطلق يخدم بشكل مباشر مصالحهم الضيقة على حساب مصلحة الوطن، وهو ما يتماشى مع خطاب دول تحالف العدوان التي صدعت به الرؤوس صباحاً ومساءً، ولم يؤت ثماره لأنه خطاب كاذب لا يصدقه إلا قائله وواضعه. لقد كان المواطن اليمني يعوّل الكثير على من يدّعون أنهم أحزاب معارضة، بل ويراهن عليهم، وخاصة فيما كان يُعرف وما يزال ب«اللقاء المشترك»، وبوجه أخص على الحزب الاشتراكي اليمني، كونه صاحب أكبر تجربة في الحكم، للوقوف إلى جانبه في انتقاد ومحاربة الفساد والتصدي للعدوان وخدمة قضايا الوطن، بهدف توفير الحياة الحرة الكريمة للشعب. لكن مع الأسف الشديد، ذهبت هذه المراهنة أدراج الرياح، وكم كانت صدمة المواطن اليمني كبيرة حينما اكتشف أن هذه المعارضة ليست إلا معارضة من ورق، وأن الفساد الذي ينخرها من داخلها قد عطّل دورها تماماً، حيث أصبحت عاجزة عن فعل أي شيء سوى ما تقوم به من خلال خطابها الإعلامي المسموم بالصياح والعويل الذي لا يسمعه أحد. ويا ليتها توقفت عند هذا الحد، لكنها تجاوزت كل الأخلاقيات، وذهبت من خلال خطابها المسموم لتصطف مع العدوان على اليمن، وتقدح في الثوابت الوطنية وتسيء إليها. وأكبر برهان ودليل على ذلك تركيزها على ما تسميه الشمال والجنوب، والمناداة بفك الارتباط، والتباكي على حقوق هذا المواطن أو ذاك، ومحاولتها بث التفرقة بين أبناء الشعب اليمني الواحد، الذي لا يعرف على مر التاريخ إلا أنه شعب موحد، مهما فرقت السياسات بين مواطنيه في فترات معينة. وما حدث مؤخراً في محافظة حضرموت من إنزال علم الجمهورية اليمنية، وإحلال مكانه علم الانفصال، بتشجيع من المحتل السعودي والإماراتي، يدل بما لا يدع مجالاً للشك على ارتداد من يدّعون أنهم وطنيون ووحدويون وحريصون على مصلحة الوطن. فأية معارضة هذه، وماذا يصح أن نسميها؟ وهي تسير في الطريق الخطأ، وتستخدم أساليب القذف والتطاول على الوطن. كما أن إطلاق الاتهامات جزافاً من قبل هؤلاء، الذين لا يفكرون إلا في مصالحهم الضيقة، أو من قبل أولئك المرتبطين بهم في الخارج، دون أن يأتوا بدليل واحد يبرهن على تعمد طرحهم المتجني على الشعب اليمني وثوابته الوطنية، أليس من حق المواطن اليمني الشريف أن يتساءل: لماذا لا يسلك هؤلاء الطريق السليم الذي يقربهم من الشعب ويكسبهم ثقته، ويكونوا عوناً له في مواجهة العدوان الظالم الذي يستهدف الجميع، بما في ذلك العملاء والمرتزقة الذين ساعدوه ووقفوا إلى جانبه، والذين يُهانون اليوم على يده، بدلاً من اللجوء إلى تصفية الحسابات مع هذا أو ذاك لمجرد أنه يختلف معهم فكراً وسياسة، من خلال خطاب إعلامي بذيء يساعد على تقوية أركان الفساد ودعائم المفسدين، بل ويخدم تحالف العدوان؟ وفي الوقت نفسه، يكون المتضرر الأول والأخير من هذا الخطاب غير السوي هو الوطن اليمني بأكمله.