في القديم قٌرن السحرة والمشعوذون بأزقة الأحياء الشعبية والأكواخ النائية حتى يتسنى لهم ممارسة أعمالهم بعيداً عن أعين الدولة والقانون يتسلل إليهم عملاؤهم خلسة تحت أستار الظلام وخاصة بعد أن أشرقت شمس الدين الإسلامي وبددت معها كل خرافات الجاهلية وسحرها وشعوذتها وأصنامها وهذا مالا يختلف عليه اثنان ولكن الأمر المثير للدهشة والمفارقة العجبية هو أن نجد في قرننا الواحد والعشرين مؤسسات تمتهن الشعوذة والسحر والدجل على الناس ومتخصصة في هذه الأمور و هي عبارة عن عدد القنوات الفضائية والإذاعات التي تبث برامجها الخرافية على مرأى ومسمع الإنسان العربي والمفارقة الأعجب هو أن تجدها تظهر في وقت قطع فيه الإنسان شوطاً كبيراً في شتى مجالات العلوم وفسر الكثير من الظواهر التي وقف الإنسان القديم حائراً أمامها . في هذا الصدد نذكر أن هذه القنوات المتخصصة في برامج السحر والشعوذة أمثال: كنوز – شهرزاد وغيرها من القنوات التي ازداد عددها بشكل كبير في الآونة الأخيرة .. الأسبوع المنصرم حذرت المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية "عربسات" بإيقاف بث تلك القنوات وأمهلتها أسبوعيا لترتيب أوضاعها ، بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام في الوطن العربي ، وبرغم ذلك التحذير الصريح الا ان تلك القنوات اعنت هي الأخرى عزمها نقل بثها من الأقمار الاصطناعية (عربسات) و(نايلسات) إلى القمر الاصطناعي (النورسات) بتردد 11662. الشارع في اليمن كان هدف 26سبتمبرنت للتعرف على مدى قبول هذه القنوات لديه ومدى تاثره بها , فحاولنا الالتقاء بعينات مختلفة من شرائح المجتمع لاستطلاع أرائهم ووجهات نظرهم ومدى متابعتهم لتك القنوات .. رفض تام بدأنا بجامعة صنعاء وهناك التقينا بالأخ حسن عبد الرب - طالب في كلية الشريعة والقانون ،الذي تحمس لفكرة الموضوع .. مؤكدا انه يقوم بحذفها من الجهاز مباشرة ويستحي ان يتابعها ؛ لأنه يجب محاربتها وعدم التأثر بما تبثه من زيف وتظليل ، على اعتبار أن مثل تلك القنوات المتخصصة في برامج السحر والشعوذة تهدف بدرجه أساسية إلى الربح المادي مستخدمةً أساليب الشعوذة كطريقة للكسب السريع، كما تهدف كذلك إلى الإساءة وزعزعة عقيدة ديننا الإسلامي . ويتفق المهندس حسام فرحان موظف بشركة "يمن موبايل" مع رأي حسن ، في تجاهلها وعدم متابعتها . مبديا استغرابه من قدرات العاملين في تلك القنوات الفضائية غيرالعادية من حيث استخدامهم لعلم الحروف الذي يعتبر محرماً وهم بدورهم يحلونه لأنفسهم لان أغلبهم من طائفة الرافضة الذين يحلون هذا العلم– بحسب حديث حسام- . وبرغم ان أكثر المتابعين لبرامج القنوات من الفتيات مقارنة بعدد الاتصالات التي ترد اليها ، الا ان الأخت أروى العلوي الطالبة بكلية الآداب جامعة صنعاء لا توافق غالبية بنات جنسها، وتؤكد انها لا تتابعها. وتضيف اروى : تلك القنوات تقصد من بث برامج السحر والشعوذة إلى كسب المال والتي تعد ظاهرة جديدة على المجتمع العربي. محذرة من تأثر الناس من أفكار وبرامج تلك القنوات ،وخاصة الأميين في المجتمعات العربية. في حين ترى زميلتها غادة محمد دماج ان فكرة قنوات السحر والشعوذة ضيقة وتستهدف شريحة معينة من ذوي العقول الضعيفة بغية كسب المال والربح التجاري. ولم تختلف وجهة نظر الأخت نجوى محمد مهيوب كثيراً عن من سبقوها فتوافقت معهم في عدم متابعتها لمثل تلك القنوات ، وزادت : قنوات السحر والشعوذة تمثل فساد بكل ما تعنيه الكلمة وهدفها الأول والأخير إبعادنا عن الدين ، وشددت على اهمية محاربتها من قبل علماء الدين وخطباء الجوامع والإعلاميين المثقفين وكل فئات المجتمع. اما الاخ عبد الحكيم دبوان - محاسب – يعرف تلك القنوات بانها أحدى طرق الغزو الفكري وأخطر من بعض القنوات المنحلة ذلك لان تأثيرها المباشر على الشباب والمراهقين وخداعهم ، أما قنوات السحر الشعوذة فإنها تؤثر على كل فئات المجتمع من شباب وشيوخ وأطفال. طرحنا هذا الموضوع امام الدكتور / أحمد علي الماخذي رئيس قسم الدراسات الإسلامية وأستاذ مادة أصول الفقه بجامعة صنعاء , حيث قال : (موضوع الشعوذة في وسائل الأعلام جريمة كبرى ترتكبها تلك الأجهزة كما يرتكبها كل القادرون على قول شيء فيها وهذه الأجهزة الإعلامية بالطبع لا يمتلكها إلا أناس من أصحاب رؤوس الأموال وهذا شيء مسلم به غسيل الأدمغة واعتبر الدكتور الماخذي ان الدول التي تصرح لمثل هذه القنوات هي أيضاً تشاركها إلى مجموعة أدمغة الناس وتحولهم من مواطنين مسلمين موحدين وصالحين إلى مجموعة من المشعوذين والدجلة والدراويش والمغفلين . واضاف : هذه القنوات فيها غسيل لأدمغة الناس ومثل هذه القضايا يجب أن يضع لها المسؤولون وأصحاب السلطة حدوداً ليس العلماء لوحدهم ولا المفكرون لوحدهم ولا المثقفون لوحدهم ولكن إذا ما اجتمعت كلمة الجميع فإنها سوف تعمل لصالح الأجيال القادمة وإلا سوف يكون لدينا جيلاً تافهاً سائباً لا يعي ولا يميز البعرة من البعير ومثل هذه القنوات عمل محرم إسلاميا من حيث العقيدة الإسلامية أما من حيث الواقع الاجتماعي والمستقبلي فإنه أمر خطير جداً لأن مثل هذه الوسائل يراها الجميع يراها الطفل وتراها المرأة ويراها المثقف ويراها المتعلم ونصف المتعلم يراها الملايين من الناس ولابد أن يكون لها تأثير ما لم يكن الشخص محصن؛ ومن أين لنا بالمحصنين الذين لديهم المعلومات العلمية القوية ولا يؤمنون بمثل هذه الخرافات والشعوذات والخزعبلات؟ والواقع أنه موضوع خطير خطير. ظاهرة تستحق الاهتمام فيما اعتبر الأستاذ الدكتور/ حمود العودي رئيس قسم علم الاجتماع بكلية الادآب جامعة صنعاء والمدير المسئول لمركز "دال" للدراسات والأنشطة الثقافية والاجتماعية أن هذه ظاهرة اجتماعية تستحق الاهتمام خصوصا بعد أن أصبحت تشغل بال الكثيرين على المستوى الملحي والعربي وربما العالمي وهي ظاهرة تفشي الشعوذة والسحر والخرافات واختراقها لوسائل الإرسال الفضائي وظهور قنوات متخصصة في هذا الجانب و في تقديرينا ومن منظور اجتماعي بحت إن ظاهرة التعامل مع الخرافات والشعوذة والسحر . وقال الدكتور العودي : ان هذه الظاهرة ممتدة ومنتشرة في كل المجتمعات عبر التاريخ ولا يخلو منها أي مجتمع ولكن هذه الظاهرة يحكم عليها بدرجة من التقبل أو درجة من الخطورة وذلك من خلال مدى أنتشارها وعندما تكون هذه الظاهرة المرضية كغيرها من الظواهر المرضية في المجتمع كجريمة القتل والسرقة والرشوة والعنف... الخ محصورة في حدود هامشية غير منتشرة في المجتمع فإنها تكون طبيعية ويمكن التعامل معها لأنها جزء من خواص البشر هذا عندما لايتجاوز أتساعها ال5% فقط أما عندما تتجاوز هذا المعدل وتصبح قاعدة عامة للتفكير أي عندما تصل معدلاتها إلى ال15% أوال20% حينها تصبح ظاهرة خطيرة وغير مقبولة لأنها تتحول من ظاهرة يمكن التعامل معها إلى ظاهرة خطيرة ومن استثناء إلى قاعدة عامة وهذا هو الوضع الذي صرنا إليه خصوصاً بعد أن أقتحمت هذه الخرافات والشعوذات تقنيات الفضاء والقنوات الفضائية وصارت تلك القنوات تتخصص وتروج لهذا المجال الهدام للفرد والمجتمع. وعن الأسباب التي تجعل الإنسان يلجا إليها يضيف الأستاذ العودي: الأسباب التي تجعل منها ظاهرة مرضية وخطيرة من ناحية اجتماعية وباختصار شديد تعود إلى حالات اليأس والإحباط والشعور بالفشل والهزيمة التي يعيشها الإنسان العربي وعدم قدرته على مواجهة مشاكله أو عدم وجود من يعينه عليها كالفساد وانعدام النظام والقانون وانتشار الظلم والعنف ومصادرة الحقوق وعدم التكافؤ في الفرص وتعطيل مبدأ الثواب والعقاب . كل هذه الأمور تعطل منطق العقل ومنطق العلم وتجعل الإنسان ضحية لهذه الأساليب الخرافية التي تخرج عن دائرة العقل والدين . تجارة خاسرة وعزا الدكتور حمود العودي تفشي مثل هذه الظاهرة إلى وجود من يروج لها ويستقيم عليها وهم الذين سيكون بالتأكيد لديهم مصلحة في زيادة مواردهم المادية لأنها بلاشكك ستعود عليهم بمكاسب كبيرة وهذا شأن السحرة والمشغوذين عبر التاريخ كما هو شأن هذه القنوات المتطورة حالياً التي صارت تجند نفسها لمثل هذه المهمة الهدامة للمجتمع والفرد . حرب نفسية وحضارية وثقافية والمنتفعون من وراء هذه القنوات ليس من الناحية المادية فحسب بل ومن الناحية المعنوية أيضاً تصل إلى درجة الحروب النفسية والحضارية والثقافية و هذه القنوات تشن حروباً هي أشد خطورة على واقعنا العربي من حروب الدبابات والأساطيل والطائرات التي تقتحم بلادنا وبيوتنا وأوطاننا بالقوة العسكرية المادية وهذه المعارك هي معارك تريد أن تدمر عقل الإنسان العربي ووجدانه وتحوله إلى إنسان محبط غير قادر على التعامل مع الآخرين ليس مع أعدائه فحسب بل حتى مع أصدقائه وهذه القنوات خير دليل على ذلك هذه القنوات التي هي أكثر من 4أو 5 قنوات أمثال: ( شهر زاد وغيرها) وهذه هي قنوات عراقية والمقيمون عليها هم عراقيون وهي ممولة أمريكياً من الاستخبارات الأمريكية بهدف تكريس حالة التمزق والهزيمة لدى الإنسان العربي بشكل عام وداخل العراق وفلسطين على وجه الخصوص وهي مواجهة حضارية وثقافية مواجهة بعين الحق والباطل وهذه أهم مخاطرها وعن المسئول عن مثل هذه القضايا كالترويج للسحر والشعوذة وغيرها أقول رأياً من منطلق أجتماعي أن على كل من يريد أن يواجه مثل هذه الحقيقة أن يطهر نفسه من الفساد ومن الظلم بدءاً بالسياسيين الذين يساهمون في تكريس هذا الوضع من خلال مصادرة الكثير من الحقوق والكثير من الآراء. نصائح وقدم الدكتور العودي نصائح للمواطن العادي أن لا يستسلم لليأس والإحباط الذي يدمر حياته وأن على الإنسان العربي المقاومة بالعقل وبالدين وبالعلم وأن لا ينزلق إلى مثل هذه المزالق التي تخرجه عن دينه وعقله كما أنصحه بالانتظام في مسيرة عقلانية إيمانية سليمة لمواجهة أعدائه بل ولإصلاح وضعه أيضاً "ولا يغير الله مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".