أعلن مسؤول حكومي جزائري امس أنّ بلاده ستقرّ قانونا جديدا يتضمن موادا تحظر العمل الموازي، وتحدث وزير العمل الجزائري الطيب لوح، عن قانون العمل الجديد الذي يُنتظر ترسيمه قريبا، يحتوي على "إجراءات خاصة" من شأنها الحدّ من تفاقم العمل الموازي الذي يقبل عليه الآلاف من اليد العاملة الناشطة في الجزائر، ما أدى إلى اتساع رقعة السوق الموازية محليا، ووصولها إلى تشغيل حوالي مليوني شخص، بينهم 60 بالمئة من إجمالي التجار هناك على المستوى المحلي. وإذ علّق المسؤول المذكور في تصريح صحفي، أنّ السلطات لا يمكنها إزالة ظاهرة العمل الموازي بصفة نهائية، وستتطلع -كما قال- إلى محاولة التقليل من آثاره، بعدما صار (رقم أعمال) السوق الموازية في الجزائر، بحدود عشر مليارات دولار، تدور في فلك لا يعترف بالتحصيل الضريبي، وتؤكد إحصائيات رسمية حديثة، أنّ الاقتصاد الموازي في الجزائر يسيطر لوحده على 40 بالمئة من الكتلة النقدية المتداولة في السوق المحلية، وهي نسبة ضخمة تثير المخاوف من تحول الاقتصاد الموازي إلى اقتصاد جماعات ضغط، قد يمتدّ أثره ليتجاوز الدولة، سيما مع خوض ناشطي السوق الموازية في تجارة العملات، وما يترتب عن ذلك من أثر على تفادي المواطنين الانخراط في التعاملات النقدية الرسمية، وتراجع معدلات الادخار، بمقابل استشراء تهريب النقد الأجنبي خارج البلاد. ويعيب "مراد بولنوار" المتحدث باسم الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، على الحكومة فشلها في إيقاف تسرّب كبير طال الكثير من عمالها ممن كانوا يشتغلون في وظائف رسمية، لكن ظروفهم المزرية التي كابدوا وطأتها لسنوات، اضطرتهم إلى إيقاف أنشطتهم، والتحول إلى أعمال حرة، وإزاء هذا الوضع، يدعو خبراء إلى مرونة أكبر في التعاطي مع ظاهرة صارت جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي التجاري المحلي، ويرفض هؤلاء أسلوب الردع الذي ظلّ مسؤولون في الحكومة ينادون بتغليبه لمحاصرة الأسواق الموازية، بدل معالجتهم لعمق الأشياء، فبين اليد العاملة النشطة في الجزائر والبالغة 7.798 مليون شخص، هناك قطاع غير محدود من الموظفين محدودي الدخل، عاجزون عن إيجاد توازن بين رواتبهم، وبين تغطية قدرتهم الشرائية المتدنية أصلاً بمفعول ارتفاع أسعار المواد الأكثر استهلاكًا، ما يرغم الكثير منهم إلى ممارسة وظيفة موازية لتأمين نفقات العيش. وتشهد الجزائر تداول 80 بالمئة من السلع والبضائع في نحو خمسمائة سوق يطلق عليها مسمى (فوضوية)، وهو واقع غريب ينطوي على مفارقات أفرزت حياة اقتصادية تتميّز بمناطق شعبية تشبه الدول، تبيع وتشتري كما تشتهي ولا تعرف مفهوم الضرائب وإتاوات الدولة، ويمكن للمتجول في مدن جزائرية عديدة بدءا من الأحياء الشعبية في العاصمة الجزائرية مرورا بمحافظات داخلية، وصولا إلى مدن الجنوب الكبير، أن يلحظ عشرات التجمعات الاقتصادية المتناثرة هنا وهناك من سوق (دبي) إلى (الأسيهار)، هذه الأخيرة تسيرها مجموعة من (البارونات)، وفق قوانينها الخاصة بعيدا عن أي سيطرة أو وصاية من طرف الدولة التي أعيتها الحيل على ما يبدو إذ استمرّ بقاء السوق الموازية لسنوات طويلة في الجزائر رغم توالي 12 حكومة، ما يعدّ مؤشرا على سطوة هذه السوق وقوة عرّابيها. ويهيب الخبيران الاقتصاديان عبد الحق لعميري وعبد الرحمن مبتول، بدوائر القرار في الجزائر لإدماج الاقتصاد الموازي في الحركية العامة، بمنأى عن أي سلوكات قمعية، من خلال اعتماد سياسة واقعية في هذا المجال تكفل إعادة تنظيم سوق العمل في الجزائر، وجعله في مبعدة عن الهواجس، على غرار كابوس طرد 46 ألف عامل من مؤسسات القطاع العام، قد يجدون أنفسهم تحت طائلة التسريح الجزافي.