تعارض موسكو قبل كل شيء ما يسمى ب "تصدير الديمقراطية " إلى رابطة الدول المستقلة وتتهم الإدارة الأمريكية بالسعي لمثل هذه الخطوة. وكانت البدايه في اخر لقاء جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيرة الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش حيث صرح بوتين في المؤتمر الصحفي المشترك اننا لسنا ضد الديمقراطية ولكن الديمقراطية التي لاتجوع الشعوب ولكل بلد خصوصياته وتقاليده وعاداته التي يجب الاخذ بها ومع الديمقراطية التي تختارها شعوبنا وليس تلك الديمقراطية التي تفرض علينا من الخارج. وقد اشار احد المحليين السياسين الروس ان التنافس الكبير بين روسيا والغرب في المجال السوفيتي السابق الذي تكونت منه بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق دول جديدة يشبه في السنوات الأخيرة لحافا كبيرا لثلاثة أشخاص. وكل لاعب من اللاعبين الرئيسيين الثلاثة - روسياوالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي - يجره على نفسه. وفي الظروف التي تنعدم فيها قواعد اللعب يصبح العديد من دول المنطقة الفتية ميدانا للمعركة للقوى السياسية الخارجية وضحية لمصالحها غير النزيهة دائما. وحاولت موسكو في هذا الأسبوع صياغة بعض مثل قواعد اللعب هذه أملا في تحويل منطقة رابطة الدول المستقلة في البداية الى ميدان للتنافس المثمر وبعد ذلك ، الى منطقة للاحترام المتبادل والشراكة التي يمكن التنبؤ بها. وهذه التمنيات بالذات أعرب عنها غريغوري كاراسين النائب الجديد لوزير الخارجية الروسي في حديثه لجريدة (روسيسكايا غازيتا) ‘واعتبره الكثير من الخبراء السياسيين الروس برنامجا يحدد بعض مبادئ سياسة روسيا الخارجية في المجال السوفيتي السابق. إن برنامج النائب الجديد للوزير يبدو متشددا. إذ يرفض بشكل قاطع التدخل العسكري كوسيلة تستطيع دولة خارجية (أو مركز للقوة) بواسطتها الدفاع عن مصالحها في المنطقة والمشاريع المعينة المرتبطة بها. نعم للتنافس النزيه والصراع الفكري! ولا لاستخدام أساليب الضغط المختلفة لإرغام البلد الفتي على اختيار طريق التطور بإرادة عقول ما أرفع في الخارج! وحذر غريغوري كاراسين قائلا "إننا لا نستطيع الموافقة على أساليب –دمقرطة- المجال السوفيتي كله بالقوة سواء كان ذلك عن طريق إقامة - ثورات ملونة" أو إبداء ضغوط إعلامية سياسية على السلطة الحاكمة". ورفض هذا الدبلوماسي الرفيع المستوى بذلك تأويل الإدارة الأمريكية التي تعتبر الثورات المتنوعة الألوان في بلدان رابطة الدول المستقلة انتصارا لديمقراطية الغرب على الأنظمة "الفاسدة البائدة". وعلى العكس ترى موسكو في هذه الثورات العديد من صفات المؤامرات ضد الأنظمة الدستورية. ويأتي القادة الجدد الى السلطة هناك بفضل فوضى الشوارع المنظمة بشكل جيد بأموال سخية من الخارج. إن تطور الأحداث لاحقا في هذه البلدان التي تُظهر فيها السلطة في الفترة الأخيرة تسلطا صريحا وتتعرض المعارضة فيها للاضطهاد وتختفي وسائل الإعلام غير الموالية وكأنما لم يكن لها وجود أبدا يؤكد شكوك روسيا. ولكن موسكو في الوقت نفسه لا ترفض حق الدول الأخرى من غير المنطقة ومراكز القوة الدولية في مساعدة بلدان رابطة الدول المستقلة على تعزيز أمنها والتكامل في الاقتصاد العالمي والاستجابة عموما لنداء العولمة ومتطلباتها. ويقول غريغوري كاراسين إن هذا الشيء طبيعي من حيث المبدأ. وليس بالغريب الآن مشاركة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي واللاعبين الآخرين في مختلف العمليات في بلدان الرابطة. وتنحصر المسألة في إيجاد توازن للتنافس من شأنه أن يجعل طابع العلاقات المتبادلة بين روسيا والشركاء الغربيين سليما. أي أن التنافس شيء ومحاولات الحد من نفوذ روسيا في البلدان التي عاشت سوية معها روحيا واقتصاديا ويعيش فيها أكثر من 25 مليون روسي شيء آخر. ويبدو أن هذا الشيء الآخر بالذات تراهن عليه مجموعة متنفذة من الأمريكيين المحافظين الجدد الذين يحاولون تحويل الرابطة الى ميدان للقتال لحرب باردة جديدة. فمثلا تربط لجنة تخصيص الأموال في مجلس الشيوخ الأمريكي في قرارها الصادر في يوليو والخاص بميزانية وزارة الخارجية الأموال الأمريكية المخصصة لهذه المنطقة مباشرة بمواجهة تقوية وتعاظم دور روسيا. وتحذر لجنة مجلس الشيوخ باكتئاب من أن "روسيا المتسلطة تشكل خطرا متزايدا لبلدان المنطقة التي تنتقل الى الديمقراطية ويجب أن تكون مواجهة هذا الخطر من أولويات الولاياتالمتحدة". أية صراحة أكثر من ذلك!؟ .. ثم أقرت للجنة الاعتمادات المخصصة لتنفيذ البرامج في بلدان الاتحاد السوفيتي السابق للعام القادم بمقدار 565 مليون دولار. ومن الممكن التخمين فقط أي جزء من هذه الأموال سيخصص ل "دمقرطة" دول المنطقة بالقوة ليس على النمط القومي بل على الطريقة الأمريكية. بالمناسبة لا يتضمن هذا الموقف الكثير من الأشياء الجديدة. فما يسمى ب "مبدأ بريجنيف" خصص في وقته لبلدان المعسكر الاشتراكي وضع الدول ذات السيادة المحدودة. ولا تريد روسيا السماح باستنساخ مثل هذا المبدأ المهين في الألفية الثالثة.