وزارة الزراعة تؤكد استمرار قرار منع استيراد الزبيب الخارجي    وزير الخدمة المدنية يؤكد أهمية ربط مسار التدريب بالمسار العملي في وحدات الخدمة العامة    الصحفي الراحل الفقيد الدكتور خالد الصوفي    الكابوس الذي يطارد نتنياهو    الدوري الايطالي: ميلان يحسم الديربي ضد الانتر لصالحه    إعدام الأسرى جريمة حرب    أزمة وقود خانقة تدفع محافظة المهرة نحو كارثة إنسانية    إيران: مستعدون للرد على التهديدات    في حفل تكريم المتفوقين من أبناء الشهداء بالمسابقة الثقافية المنهجية بصنعاء: الوزير الصعدي: ماضون على خطى الشهداء في إطار الاهتمام بالعلم والمعرفة    تدشين مخيم طبي مجاني لأسر الشهداء في بني حشيش    نائب وزير الشباب يكرم طالبات مركز الشباب للتدريب والتنمية    الاستقلال القادم    (وَمَكرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ) .. عملية أمنية اتسق فيها التخطيط مع التنفيذ    الشهيد العميد العصري .. شجاعة وإقدام    تحذيرات أرصادية من آثار نشاط بركاني في إثيوبيا قد يصل تأثيره إلى اليمن    فيرستابن يفوز بسباق لاس فيغاس ونوريس يقترب من اللقب    قراءة تحليلية لنص "أم شريف" ل"أحمد سيف حاشد"    المنتخب الوطني يصل قطر قبيل مواجهة جزر القمر في مباراة فاصلة للتأهل لكأس العرب    تنظيم وتوسيع التعدين الأهلي للذهب والمعادن قاطرة التنمية والبديل الاقتصادي في ظل الأزمات    تنفيذية انتقالي سيئون تناقش الاستعدادات الجارية للاحتفال بذكرى عيد الاستقلال 30 نوفمبر    مرض الفشل الكلوي (29)    الإصلاح.. ثباتٌ صلب في الشراكة والتوافق    تقرير دولي: توسع إماراتي لشبكة قواعد عسكرية حول البحر الأحمر وخليج عدن    يوم كانت المائة الشلن أهم من الوزير    عاجل: الرئيس الأمريكي يعلن نيته تصنيف الإخوان منظمة إرهابية    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة البرلماني الورافي ويشيد بمناقبه وأدواره    إطلاق التعويذة الرسمية لبطولة كأس العرب 2025    اختتام الدورة الثالثة لمسؤولي التيقظ الدوائي في المصانع الدوائية    الربيزي يعزّي مدير عام مكتب الصحة والسكان في لحج بوفاة والده    النفط مقابل الوهم.. العليمي يستولي على قطاع 5 ويمنح نجله نفوذاً نفطياً متصاعداً    الأورومو.. شظايا قنبلة موقوتة في عدن    صنعاء.. الحكم بالإعدام على قاتل فتاة الفليحي    استئناف إصدار وتجديد الجوازات بتعز    ليفركوزن يستعيد التوزان.. ودورتموند يتعثر بالتعادل.. وفرانكفورت يلقبها على كولن    سلوت: الخسارة مسؤوليتي.. وحاولنا التعديل ولم ننجح    الأرصاد يحذر المواطنين في المرتفعات الجبلية من الأجواء الباردة وشديدة البرودة    قراءة تحليلية لنص "حرمان وشدّة..!" ل"أحمد سيف حاشد"    الفيفا يكشف عن "سلسلة 2026" الموحدة بين الرجال والنساء    القوات الجنوبية تحبط هجومًا إرهابيًا في شبوة    لملس يبحث في فرنسا تعزيز الشراكات الاقتصادية واللوجستية بين عدن والمدن الأوروبية    انطلاق بطولة الطائرة للمؤسسات على كأس شهداء حكومة التغيير والبناء    برنامج الأغذية يقلّص مستفيدي المساعدات الانسانية في مناطق الحكومة    اليمن بين الانقسام والبحث عن طريق النجاة    مليشيا الحوثي تغلق مركزاً لتحفيظ القرآن وتحوله إلى سكن لأحد قياداتها    الاطلاع على أعمال ترميم وصيانة جامع معاذ بن جبل التاريخي في تعز    هيئة أسر الشهداء تُنفذ مشاريع تمكين اقتصادي بنصف مليار ريال    ظهور "غير اخلاقي" بقناة للمرتزق طارق عفاش يثير عاصفة جدل    الدوحة تفتتح مهرجانها السينمائي بفيلم فلسطيني مؤثر    قراءة تحليلية لنص "فرار وقت صلاة المغرب" ل"أحمد سيف حاشد"    وزير الصحة يوجه برفع مستوى التأهب الوطني لمواجهة فيروس "ماربورغ"    حديقة عدن مول تتحول إلى مساحة وعي... فعالية توعوية لكسر الصمت حول مرض الصرع    وزارة النفط: مرحلة سوداء صنعت الانهيار في الجنوب (وثيقة)    طنين الأذن واضطرابات النوم.. حلقة مفرغة يكشفها العلم    الأوقاف والخطوط اليمنية توقعان اتفاقية لنقل أكثر من 6 آلاف حاج    ميزان الخصومة    أهم مفاتيح السعادة    أيهما أفضل: العمرة أم الصدقة؟    يا حكومة الفنادق: إما اضبطوا الأسعار أو أعيدوا الصرف إلى 750    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترامب: القوة أولا.. التفاوض لاحقا
نشر في شبوه برس يوم 05 - 03 - 2025

الاختلاف الجوهري بين ترامب ورؤساء الولايات المتحدة السابقين أنه لا يسعى لتحقيق استقرار طويل الأمد بل على العكس يرى في خلق عدم الاستقرار المستمر وسيلة لتعزيز النفوذ.
السياسة ليست ميدانا للتفاوض التقليدي أو تقديم التنازلات المتبادلة، بل هي ساحة للصراع المستمر على المصالح والقوة، وإذا كان هناك شخص يجسد هذه الرؤية في السياسة الدولية، فهو دونالد ترامب، فالرجل لا يرى في العلاقات الدولية سوى حلبة ملاكمة، حيث يربح الأقوى لا الأكثر دبلوماسية، في عالم ترامب، لا توجد حلول وسط، بل فقط فرض للإرادة، وخلق أزمات للتحكم بها، وإجبار الخصوم على تقبل شروطه كخيار وحيد.

ترامب، العائد إلى المشهد السياسي في 2025، يكرر أساليبه القديمة لكن بجرأة أكبر، واضعا العالم أمام معادلة جديدة، حيث لا استقرار دائم، بل نزاعات يتم توظيفها لتحقيق مكاسب مرحلية، في هذا السياق، يتجلى تأثيره على النظام الدولي عبر ثلاثة محاور رئيسية: الضغط الأقصى، الاستثمار في الأزمات، وتحويل عدم الاستقرار إلى إستراتيجية دائمة.

منذ أيامه الأولى في البيت الأبيض، أثبت ترامب أنه لا يتفاوض على الطريقة التقليدية، لا يؤمن بالتسويات، بل يدفع خصومه إلى الزاوية قبل أن يعرض عليهم "الصفقة التي لا يمكنهم رفضها"، في كوريا الشمالية، بدأ بتهديدات نووية مباشرة، ثم فاجأ العالم بلقاء تاريخي مع كيم جونغ أون، لم يكن الهدف حل الأزمة النووية، بل إعادة تشكيل معادلة القوة في شبه الجزيرة الكورية.

*- ترامب ليس مجرد رئيس أميركي، بل هو رجل أعمال يحكم بمنطق السوق: رفع المخاطر، تضييق الخيارات، ثم عقد الصفقات وفقا لمعادلة "الرابح الوحيد"

اليوم، يستخدم الأسلوب ذاته في الشرق الأوسط، حيث يعيد تشكيل ملف التطبيع السعودي – الإسرائيلي بأسلوب غير مسبوق، إدارة بايدن حاولت المضي في الاتفاق وفقا للشروط السعودية: مفاعل نووي مدني، اتفاقية دفاعية، ومسار سياسي للقضية الفلسطينية، لكن ترامب، كعادته، قرر تغيير قواعد اللعبة، بدلا من المفاوضات المتدرجة، ألقى بقنبلة سياسية: تهجير الفلسطينيين من غزة كحلّ محتمل، لم يكن هذا الاقتراح مجرد فكرة عابرة، بل أداة ضغط لإجبار السعودية على مراجعة أولوياتها، وجعل التطبيع خيارا أمنيا وليس مجرد صفقة سياسية.

في عالم ترامب، الأزمات ليست كوارث يجب حلها، بل أدوات يمكن استغلالها، ففي أوكرانيا لم يتخذ موقفا واضحا، بل ضغط على الجميع، حتى حلفاء واشنطن، ليجعل استمرار الحرب مكلفا لهم اقتصاديا وسياسيا، الآن، يستخدم النهج ذاته في الشرق الأوسط، حيث يرفع منسوب القلق حول مصير الفلسطينيين، ليضع السعودية أمام خيار صعب: إما قبول التطبيع وفق شروط أميركية – إسرائيلية، أو مواجهة أزمة إنسانية وسياسية تهدد استقرار المنطقة بأكملها.

هذا التكتيك لا يقتصر على السعودية، فهو يعلم أن مصر والأردن لا يستطيعان تحمل موجات جديدة من اللاجئين الفلسطينيين، كما يدرك أن أي تهجير قسري سيفجر الغضب الشعبي في العالم العربي، لكنه لا يسعى لحل القضية الفلسطينية، بل يريد إعادة صياغتها بشكل يخدم مصالحه، بهذا الشكل تصبح الأزمات الإقليمية ليست مشكلات تحتاج إلى حلول، بل روافع ضغط يمكن استخدامها لتحقيق مكاسب أكبر.

الاختلاف الجوهري بين ترامب ورؤساء الولايات المتحدة السابقين، أنه لا يسعى لتحقيق استقرار طويل الأمد، بل على العكس، يرى في خلق عدم الاستقرار المستمر وسيلة لتعزيز النفوذ الأميركي عالميا، هذا ما فعله مع إيران، حيث انسحب من الاتفاق النووي ليعيد فرض سياسة "الضغط الأقصى"، مما أدى إلى تصعيد مستمر بدلا من التوصل إلى تسوية دبلوماسية.

الآن، يستخدم التكتيك ذاته مع السعودية وإسرائيل، بدلا من تقديم ضمانات دائمة للمملكة، يفضل إبقاءها تحت الضغط المستمر، عبر تصعيد التهديد الإيراني، وخلق حالة من عدم اليقين حول الدعم الأميركي، بهذه الطريقة، يضمن أن التطبيع مع إسرائيل لن يكون مجرد خيار دبلوماسي، بل ضرورة أمنية.

*- منذ أيامه الأولى في البيت الأبيض، أثبت ترامب أنه لا يتفاوض على الطريقة التقليدية، لا يؤمن بالتسويات، بل يدفع خصومه إلى الزاوية قبل أن يعرض عليهم "الصفقة"

إذا كان هناك شيء واحد أكيد في السياسة الدولية، فهو أن الفوضى لا تبقى محصورة في إطار معين، بل تمتد لتغير قواعد اللعبة بالكامل، نهج ترامب لا يعيد تشكيل الشرق الأوسط فقط، بل يؤثر أيضا على النظام الدولي ككل. هذا التأثير يتجلى في ثلاث نقاط رئيسية: صعود النزعة القومية على حساب العولمة، حيث أصبحت الدول أقل اعتمادا على المؤسسات الدولية، وأكثر ميلا لحماية مصالحها عبر تحالفات تكتيكية مؤقتة، السعودية قد تبحث عن شركاء جدد مثل الصين وروسيا، وهو ما يضعف النفوذ الأميركي على المدى الطويل، تحول الأزمات إلى أدوات سياسية دائمة، حيث بدلا من حل النزاعات، تتم إدارتها بحيث تظل قابلة للاشتعال عند الحاجة، ملف القضية الفلسطينية مثال صارخ على ذلك، إعادة تشكيل ميزان القوى العالمي، فلم يعد العالم يسير وفق منطق الأحادية القطبية التي تقودها واشنطن، بل يتجه نحو تعددية قطبية غير مستقرة، حيث تلعب القوى الإقليمية دورا أكبر في تحديد مصيرها.

ترامب يعيد كتابة قواعد السياسة الدولية، لكن السؤال الأهم: هل ستنجح هذه الإستراتيجية على المدى الطويل؟ إذا استمرت الولايات المتحدة في استخدام الأزمات كورقة ضغط، فقد تجد نفسها في مواجهة نظام عالمي جديد لا يخضع بالكامل لنفوذها، الفوضى قد تكون مفيدة في مرحلة معينة، لكنها ليست وصفة للهيمنة الدائمة.

ترامب ليس مجرد رئيس أميركي، بل هو رجل أعمال يحكم بمنطق السوق: رفع المخاطر، تضييق الخيارات، ثم عقد الصفقات وفقا لمعادلة "الرابح الوحيد"، لكن في السياسة، حيث المصالح متشابكة، قد يتحول الرابح اليوم إلى الخاسر غدا، وحدها الأيام القادمة ستكشف إن كان ترامب قادرا على إعادة تشكيل النظام الدولي، أم أن الفوضى التي يخلقها ستنقلب عليه.

هاني سالم مسهور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.