يبني حزب التجمع اليمني للإصلاح تحالفاته السياسية على أساس رؤية متجذرة في برنامجه السياسي، الذي يولي أهمية قصوى للقيم والمبادئ المشتركة بين مختلف فئات المجتمع اليمني. وتشكّل هذه القيم العمود الفقري للانتماء الوطني، سواء على مستوى الهوية أو الدولة أو النظام أو القانون، كما تضمن المساواة في المواطنة بين جميع المواطنين. وتؤكد أدبيات الإصلاح وخطابه العام أن التحالفات السياسية ليست مجرد أدوات تكتيكية، بل تشكل استراتيجية أساسية تهدف إلى تحقيق أثر مستدام على المجتمع؛ فهي تسهم في إرساء أسس السلام الدائم، والمحافظة على الاستقرار المجتمعي، بما يجعلها وسيلة وغاية في آن واحد.
التنازل لأجل الشراكة الوطنية
ينطلق الإصلاح في ممارساته السياسية من فلسفة واضحة مفادها أن التحالفات الوطنية ليست مجرد اتفاقات مؤقتة أو شعارات انتخابية، بل التزام عملي يعكس رؤيته للشراكة والاستقرار الوطني. وفي هذا السياق، تحدث رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح، زيد الشامي، قبل أيام في بودكاست "يمانون" عن تجربة الانتخابات البرلمانية عام 1997، حين حل الإصلاح في المركز الثاني بعد حزب المؤتمر الشعبي العام، لكنه اختار التنازل عن مركزه لصالح الحزب الاشتراكي الذي جاء ثالثًا، تعزيزًا للشراكة السياسية وترسيخًا للتجربة الديمقراطية.
وقد اُعتبر ذلك الموقف حينها، بحسب مراقبين، سابقة نوعية في المشهد السياسي اليمني وربما العربي، إذ تجاوز التنازلات الشكلية أو الأقوال ليصبح برهانًا عمليًا على إخلاص الحزب للتحالفات ووفائه بها، بعيدًا عن أي تكتيكات سياسية انتهازية.
دور الإصلاح في تعزيز التعددية
وهنا يتضح عمق استراتيجية الإصلاح في التحالفات، وهو ما يوضحه عضو الدائرة السياسية الدكتور حزام الذيب حين يتحدث عن تجربة اللقاء المشترك.
ويقول الذيب: "استطاع الإصلاح أن يتحالف مع القوى السياسية التي كانت تقف موقفًا سلبيًا منه، وعلى ضوء ذلك تشكل اللقاء المشترك، الذي ضمّ كل الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار". ويضيف في تصريحات ل "الصحوة نت": "في انتخابات 2003، قدّم المشترك تنازلات متبادلة في الدوائر الانتخابية؛ فتنازل الاشتراكي والناصري وغيرهما للإصلاح في دوائر معينة، والإصلاح تنازل لهم في دوائر معينة، وهو تطور نوعي للمعارضة في تشكيل التكتل من أجل ترسيخ التجربة الديمقراطية".
فلسفة الشراكة الوطنية للإصلاح
منذ تأسيسه، لم يعتبر الإصلاح نفسه قوة سياسية وحيدة تسعى للاستحواذ على الحكم أو فرض مشروع خاص، بل قدّم نفسه دائمًا شريكًا يسعى للتكامل مع كافة القوى السياسية والاجتماعية. لم تكن هذه الفلسفة مجرد شعارات نظرية، بل مبدأ موجهًا لكل تحركاته وممارساته، سواء في اللحظات الانتخابية، أو الحوارات الوطنية، أو أثناء الأزمات التي كادت تهدد بانهيار العملية السياسية.
وتتجلى هذه الروح بوضوح في الانتخابات البرلمانية عام 1993، حين حل الإصلاح في المركز الثاني، لكنه تراجع عمدًا إلى المركز الثالث في ترتيب السلطة، ما انعكس على حجم مقاعده الوزارية مقارنة بوزنه البرلماني، وكان ذلك القرار خلال ذروة الخلافات بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي، ليؤكد أن التضحية بجزء من المكاسب الفردية كانت أفضل من تعطيل العملية السياسية الوطنية.
ومع مطلع الألفية، ترسخت هذه الفلسفة عبر تأسيس تكتل اللقاء المشترك عام 2003، حيث قدم الإصلاح تنازلات انتخابية واضحة، إذ تخلى عن دوائر محسومة لصالح أحزاب أصغر، بل حشد أنصاره للتصويت لمرشحي التكتل من خارج صفوفه، لا سيما في المناطق التي لم يكن لبعض هذه الأحزاب أي وجود فيها. وفي انتخابات 2006 الرئاسية والمحلية، كرر الإصلاح نفس النهج، ليؤكد أن هدفه لم يكن المكاسب الضيقة، بل حماية التعددية واستمرار العملية الديمقراطية.
هذا النهج لم يكن مجرد تكتيك انتخابي، بل انعكس أيضًا في تعامل الإصلاح مع اللحظات الوطنية الحرجة؛ ففي ثورة 11 فبراير 2011، انخرط الإصلاح بفعالية في الثورة الشعبية ودعم المبادرة الخليجية التي أسفرت عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني. ورغم أن جماهيره الكبيرة كانت تؤهله للمطالبة بحصة واسعة من التمثيل، اختار الإصلاح المشاركة بروح الشراكة، محذرًا مبكرًا من مخاطر الانقلاب الحوثي، ثم مساندًا عملية "عاصفة الحزم" والتحالف مع الشرعية للدفاع عن الدولة ومؤسساتها.
التحالف والشراكة كشرط لاستمرار الدولة
وفيما يخص فلسفة التحالفات، يؤكد علي الجرادي، رئيس الدائرة الإعلامية للحزب، في مقابلة مع قناة "سهيل" في أغسطس الماضي، أن الإصلاح منذ تأسيسه حتى اليوم هو حزب التوافق والشراكة، وتجربته الطويلة مع الانتخابات الأولى، وخروجه من السلطة لتأسيس مجلس التنسيق، ثم انخراطه في لقاء المشترك، تثبت هذا التوجه الراسخ نحو التشارك والتحالف الوطني.
هذا السلوك يعكس بوضوح فلسفة الإصلاح في النظر إلى الشراكة باعتبارها شرطًا لبقاء الدولة، لا مجرد تكتيك سياسي. وفي هذا السياق، يقول أحمد حالة، القائم بأعمال رئيس الدائرة السياسية للإصلاح: "إن استعراض التاريخ السياسي للإصلاح يكشف أن رؤية الحزب للشراكة ليست طارئة، وإنما ممتدة منذ سنوات التأسيس الأولى، إذ تعامل مع بقية المكونات الوطنية باعتبارها شركاء في الحكم أو المعارضة. وفي الحالتين، تقوم العلاقة على قاعدة التشارك لا التفرد، وعلى إدراك أن خدمة القضايا الوطنية لا يمكن أن تتحقق عبر عقلية الاستحواذ، وإنما عبر عقلية الشراكة التي تمنح الجميع مكانًا في الطاولة السياسية".
في المحصلة، لم يقتصر دور الإصلاح كقوة سياسية على المنافسة الانتخابية أو السعي وراء المكاسب الفردية، بل تجاوز ذلك إلى تبني فلسفة واضحة تقوم على الشراكة والتكامل مع جميع القوى السياسية والاجتماعية. مسار الإصلاح الممتد منذ بدايات التسعينات يشهد على أن الشراكة ليست مجرد شعار يُرفع في المناسبات السياسية، بل ممارسة عملية وواجب وطني يتجلى في كل قرار سياسي يتخذه الإصلاح، سواء في فترات الانتخابات أو الحوارات الوطنية، أو حتى في أوقات الأزمات الوطنية الكبرى.