حراس الجمهورية تجبر ميليشيا الحوثي التراجع عن استهداف مطار المخا    الكشف عن استحواذ جماعة الحوثي على هذه الإيرادات المالية المخصصة لصرف رواتب الموظفين المنقطعة    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    لمن يجهل قيمة الإنتقالي    ريال مدريد يثأر من السيتي ويجرده من لقب أبطال أوروبا    الجنوب ومحاذير التعامل مع العقلية اليمنية    حضرموت تستعد للاحتفاء بذكرى نصرها المؤزر ضد تنظيم القاعدة    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    فيديو اللقاء الهام للرئيس العليمي مع عدد من كبار الصحفيين المصريين    "ليست صواريخ فرط صوتية"...مليشيات الحوثي تستعد لتدشين اقوى واخطر سلاح لديها    "سيضيف المداعة في خطبته القادمة"...شاهد : خطيب حوثي يثير سخرية رواد مواقع التواصل بعد ظهوره يمضغ القات على المنبر    دوري ابطال اوروبا ... ريال مدريد يطيح بمانشستر سيتي ويتأهل لنصف النهائي    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    الرئيس الزُبيدي يطمئن على الأوضاع في محافظة حضرموت    حكومات الشرعية وأزمة كهرباء عدن.. حرب ممنهجة على الجنوب    العين الاماراتي يسحق الهلال السعودي برباعية ويوقف سلسلة انتصارات الزعيم التاريخية    رافقه وزيري العمل والمياه.. رئيس الوزراء يزور محافظة لحج    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    استقرار أسعار الذهب عند 2381.68 دولار للأوقية    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    أنس جابر تنتزع تأهلا صعبا في دورة شتوتجارت    رافينيا يوجه رسالة حماسية لجماهير برشلونة    محافظ المهرة يوجه برفع الجاهزية واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية تحسبا للمنخفض الجوي    وفاة وإصابة 162 مواطنا بحوادث سير خلال إجازة عيد الفطر    إيران: مدمرة حربية سترافق سفننا التجارية في البحر الأحمر    توكل كرمان تجدد انتقادها لإيران وتقول إن ردها صرف انتباه العالم عما تتعرض له غزة    أمين عام الاشتراكي اليمني يعزي الرفيق محمد إبراهيم سيدون برحيل زوجته مميز    عن صيام ست من شوال!    مصر: ختام ناجح لبطولة الجمهورية المفتوحة " للدراجون بوت "ومنتخب مصر يطير للشارقة غدا    أبناء الجنوب يدفعون للحوثي سنويا 800 مليون دولار ثمنا للقات اليمني    حزب الإصلاح يكشف عن الحالة الصحية للشيخ ''الزنداني'' .. وهذا ما قاله عن ''صعتر''    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وفاة طفل غرقًا خلال السباحة مع أصدقائه جنوبي اليمن    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    مصير الأردن على المحك وليس مصير غزة    محافظ عدن يلزم المنظمات باستصدار ترخيص لإقامة أي فعاليات في عدن    من هم الذين لا يدخلون النار؟.. انقذ نفسك قبل فوات الأوان    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    ارنولد: انا مدين بكل شيء ل كلوب    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يخالف التوقعات ويُحرج دفاع الاتلتيكو برباعية    الضالع: القوات المشتركة تُحافظ على زخم انتصاراتها وتُحبط مخططات الحوثيين    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    الكشف عن آخر تطورات الحالة الصحية للفنان عبدالله الرويشد    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموروث الثقافي للمرأة العدنية
نشر في يافع نيوز يوم 03 - 09 - 2013

الموروث الشعبي مصطلح عربي مقابل لنظيره الإنجليزي folk-lore أقرّه مجمع اللغة العربية, وأصبح من الممكن استخدامه للدلالة على التراث والإبداع الشعبي الحي وكافة المعطيات الثقافية التي أنتجها المجتمع, ممثلة في أنماط وسلوك وأشكال وعادات الحياة لأفراد هذا المجتمع. وقد اتخذ هذا التراث نمطين مختلفين, يعرف الأول ب«الموروث الشفهي», والآخر ب«الموروث الثقافي».
تقول أسمهان عقلان العلَس, في مدخل كتابها الذي نعرضه هنا «الموروث الثقافي للمرأة العدنية», وهي دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة عدن: استهدف الكتاب موروث المرأة الثقافية, قاصدًا من وراء هذا التركيز الاقتراب من الصورة التي رسمتها المرأة لنفسها, أو رسمها المجتمع لها, بمعنى آخر صورة المرأة لذاتها وصورتها في عيون الآخرين, وذلك بغرض الوقوف أمامها وتعديلها وإعادة توظيفها بعد قراءتها قراءة معاصر متجددة.
وترى أن مكونات الثقافة الشعبية التي نستنهضها اليوم تكتسب خاصيتها من طبيعة المجتمع الذي صاغها, إذ أن هذه الثقافة قد تناقلتها الأجيال, وتواصلت من مكان إلى آخر, وذلك بامتداد الإنسان ذاته وتنقله واتصاله بالآخرين.
إن الفلكلور, كما يقول الكساندر كراب, علم تاريخي من حيث أنه يجمع من أفواه العامة, كما أنه علم يلقي الضوء على ماضي الإنسان, ويستخدم طرائق القياس التي تحكم سائر الأحداث العلمية والطبيعية والتاريخية, إذ يريد الفولكلور أن ينشئ التاريخ الفكري للإنسان لا كما تمثله كتابات الشعراء والمفكرين المرموقة بل كما تصوره أصوات العامة الأقل جهارة.
واستعانت الباحثة بالمنهج الاجتماعي الذي يستقيم على واقع الموروث الشعبي, ويتجانس مع المنهج التاريخي في استقراء العوامل التي ساعدت على تكوين هيكل وبنية الثقافة الشعبية. وأولت قدرًا من الاهتمام في الاطلاع على مناهج علم الاجتماع الأدبي؛ للتعرف على مكنون الإنتاج الأدبي للمرأة وصوره الحقيقية.
كما استعانت بعينة بؤرية من الرواة في بحثها عن التراث الشفهي للمرأة, وهي, كما تقول, مهمة اجتماعية ونفسية مركبة يشترط الأخذ بها توفر الثقة لدى هؤلاء الرواة بالباحث وقدرته على إدارة الحوار واستنهاض ذاكرتهم. ولعل العلاقة الوجدانية للباحثة بمدينة عدن شكلت عاملًا مهمًا في تيسير التواصل مع العينات المبحوثة, وتسهيل مهمتها البحثية. كما تعدد متطلبات البحث في المادة الفولكلورية لتمتد إلى أدوات وطرائق وشروط متنوعة.
ولخصوصية عدن؛ المدينة والميناء, استدعت تخصيص البحث في تراث المرأة العدنية فقط, وعدم التوسع ليشمل موروث المرأة اليمنية في مدن أخرى. وهي بذلك تأمل أن يشكل كتابها دافعًا قويًا لدى المهتمين والباحثين للتفكير بالعديد من الدراسات النظيرة لتراث المرأة اليمنية في المدن الأخرى, أو الاتجاه إلى دراسات مقارنة بين موروث المرأة في عدن والمدن اليمنية الشبيهة بها أو المختلفة عنها.
وقسمت الباحثة كتابها إلى جزئين: الأول: الموروث الشفهي, ويتكون من مبحثين, هما: الأغاني والأمثال, بينما يأتي الجزء الثاني حول الموروث الثقافي للمرأة, ويتفرع إلى العادات والتقاليد الاجتماعية, والملابس وأدوات التجمل والزينة.
الأدب الشعبي.. الأغاني والأمثال :
يُعرّف الأدب الشعبي بأنه مجموعة من الفنون الأدبية أُصطلح على تسميتها «بالشعبي»؛ لأنها تجري على لسان العامة, وبلغة شعبية معبرة عن ظواهر اجتماعية. كما أنها مصدر لتصوير واقع الإنسان ونمط حياته وتفكيره وعلاقته بالمتغيرات من حوله, وحدود علاقته بالآخرين. ولهذا الأدب وظائف اجتماعية وثقافية محددة تتبلور في حفظه للعادات والتقاليد, وحرصه على النقد والإصلاح الاجتماعي والسياسي ونقله للتجارب الشخصية والعامة بغية أخذ العبرة والعظة منها.
وتعد الأغنية الشعبية ملمحًا بارزًا في الأدب الشعبي, إذ تجتمع فيها مضامين وخصائص هذا الأدب, ففيها الكلمة والموسيقى والإيقاع الراقص. كما أنها وسيلة للتعرف على المستوى الاجتماعي, وذلك من خلال موضوعها, ومفرداتها وتراكيبها اللغوية وموسيقاها الراقصة المتصلة بألحانها وأوزانها, والمناسبة التي قيلت فيها.
ومضمون أغاني المرأة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بشيئين, أولهما: وجود علاقة بين أداء المرأة لأغانيها ومزاولتها لمهامها المعيشية اليومية, وثانيهما: وجود صلة بين هذه الأغاني والوضع النفسي والاجتماعي للمرأة.
وتأتي أغاني الملالات – كما يطلق عليها في اللهجة العدنية – في مقدمة الأغاني التي ولعت بها المرأة. وسميت كذلك لأن المرأة تبدأ هذه الأغاني بترنيمة موسيقية كمدخل وذلك باستخدامها كلمة «ليلي – ليلي ليلي للاب لابي». كما كانت (ساعة الهندلة للأطفال) ساعة ملائمة عند المرأة لصياغة أغانيها وترديدها كنوع من الدغدغة لطفلها, ووسيلة لإدخال السرور إلى نفسه.
وفي دراستها لهذه الأغاني, لاحظت الباحثة أنها تحمل معانٍ عميقة, وذلك بانطوائها على حاجة واضحة لدى المرأة, واكتنافها لنظرة فلسفية تعكس هموم المرأة, كما أنها ترمز إلى بعد اجتماعي ملحوظ لهذه المرأة.
ومن أغاني الهندلة:
أرقد يا بْني رقدة السلامة/ وجارية وخدامة/ تبكر بك المعلامة/ بالعز والحشامة.
وأيضًا: يا رب هبْ لي وهب/ هب لي قريطه من ذهب/ هب لي بنيّه بين البنات تلعب.
وهذا أنموذج, وثمة أنموذج آخر من قبيل:
ابني قرأ بالمعلامة/ وسمّع كل قاري/ إذا قرأ سمّع كل قاري/ وراح وقالوا من ذا القاري/ قال الإمام بازوجه بنتي/ وبفديه بمالي.
وتصور أغاني الهندلة بعدًا اجتماعيًا ملحوظًا في كل المجتمعات الشرقية, إذ يبدو فيها تفاخر الأم بذريتها من البنين, وهو تفاخر ناتج عن سيادة الثقافة الذكورية, المتضمنة تحديد دور المرأة أو تهميش وضعها في الحياة, وإن كانت قد عرجت هذه المرأة في بعض أغانيها على ذكر البنت إلا أنه ذكر طفيف لا يقارن.
ومع أن الباحثة في تحليلها لهذه الأغاني قد وجدت أن المرأة في بعضها كانت قد ترجمت دون وعي شعورها بدونيتها الناتجة في حقيقة الأمر عن أساليب التربية المبكرة ومصادر التنشئة الاجتماعية التي انتهجتها الأسرة والمجتمع تجاهها بشكل عام, وعبرت من خلالها, دون إدراك, عن موقف سلبي من هذا الكائن الأنثوي, إلا أن الصورة الدونية للمرأة العدنية تكاد لا تُذكر مقارنة بما احتوته الأغاني الشعبية لمجتمعات عربية أخرى, والمصورة للمرأة في أوضاع وصور مؤلمة تعزز من تحقير المرأة وتصغيرها, إذ تتغنى المرأة المصرية في هذا المجال قائلة: (لما بشروني بالولد اشتد ظهري واستند, ولما بشروني بالبنية الجدار انهد عليّ).
وتطرقت الباحثة إلى أغاني الأفراح والمناسبات, ومنها الأغنية الخاصة بالزواج التي يبدأ مطلعها: (هديني يا هداني يا دون), وهي مناسبات وجدت طريقها للتعبير عن أوضاع النساء على شكل أغنيات شعبية تردد في هذه المناسبات, لكنها قد عكست في الوقت ذاته مسميات ومفاهيم ورؤى مختلفة, ترجمت هذه المرأة من خلالها مواقف اجتماعية عامة, أو ممارسات وعادات اجتماعية محددة.
ومن نماذج الأغاني: أغان اجتماعية وسياسية, وبها خرجت المرأة من التقوقع في المنزل إلى التفاعل مع الأحداث المعاصرة لها, وهو نتاج غنائي قدّم صورة مختلفة للمرأة التي لم تتجاهل الأوضاع السياسية التي عاشتها عدن أو تأثرت بها هذه المدينة. فعندما وطأت أقدام الإنجليز أرض عدن, 1839م, صوّرت المرأة أحداث ذلك الغزو بتعويذة شعبية ذات طابع تراجيدي:
ياسين عليك يا عدن من ضربة المدافع/ الناس هبّوا فجع والإنجليز ما توقع.
كما كانت للمرأة العدنية مساهمة أخرى على نفس الترنيمة في أثناء الحرب العالمية الثانية, ولكنها اتجهت لدعم ونصرة بريطانيا وحلفائها, بعد أن كرست الإدارة البريطانية لعدن جهودها لاستثمار طاقات المدينة البشرية والمادية لصياغة العديد من أشكال التأييد لبريطانيا. في تلك الحرب عبّرت المرأة في أغانيها:
ياسين عليك يا عدن/ من هجمة الطليان/ محجبة ما تبان/ تزرع جواهر ومرجان.
وفي المسار القومي, عبرت المرأة العدنية عن تعاطفها مع القضية الفلسطينية, وتعد أغانيها تعبيرًا عن موقفها الداعم للحق الفلسطيني:
أجى اليهودي يصيح/ قال يا مالي/ توالفوا المسلمين/ وقتّلوا عيالي/ أجى اليهودي يصيح/ البيت ذا بيتي/ سالت دموعي بكى/ سبعة بساتين سقى.
وكذلك تمحورت الترنيمات الغنائية للمرأة العدنية, حول شخصية البطل القومي جمال عبدالناصر بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952, وتغنت بدوره وبطولاته في معاداة الاستعمار وصد ومقاومة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956:
سبعة مراكب قطر/ في الجو طيارة/ الله ينصرك يا جمال/ على اليهود والنصارى.
ومن الأغاني أيضًا: الأغاني الرمزية للمرأة:
يا دجاجة عمتي/ خربشي لك خربشي/ لا لقيتي فضتي/ فضتي بأربع ميه/ في طريق الهندية.
ومنها: يلعن أبوك يا دجاجة/ دائمك حفاش/ يا زير مملي قشاش/ يا زير من غير رواش.
ومن نماذج الأغاني: الأغاني الاجتماعية للمرأة, وأغاني الحب والغرام, إضافة إلى أغانٍ بألفاظ أجنبية.
واحتوى الكتاب على عشرات الأغاني للمرأة العدنية, هذه بعض منها:
فلان الفلاني جزع عصرا يشك الفل/ يا جوهرة اتحجبي يا أحمد ربيع ادخل
لا تفجعيناش بأبوك أبوك مش والي/ أبوك بالمعصرة يعصر سليط حالي
فلان الفلاني يقول يا ناس أنا مظلوم/ ريت المحبة تدوم باقوم أصلي وباصوم
إليك يا صاحبي اكسر جبل شمسان/ خلي المحجّب يبان/ قصدي من البن فنجان
ذا صاحبك قد رمى بك من جبل شمسان/ أعقل وخلي الجنان من عاشر النذل يهتان
ما أحسن ذا الوليدة تخطر كما السلطان/ يا طلعة بالحصان يا مشقره ورد نيسان
أهلًا وسهلًا بمن سلم ودق الباب/ واللي كلامه عتاب ويعحبه الأنس لطاب
قدني على عشتي مالي من أهل الدور/ بين العشش والنجور باسري مع كل بابور
لحج فيها السلا والشيخ فيها الريح/ والمعلى صريح والناس فيها مراضيح
لا سامحك يا زمان أي حين باتعدل/ الحمل فوقي ثقل وأنت مكانك تحمّل
الأمثال :
وتعد الأمثال تعبيرًا مباشرًا عن خبرة إنسانية تتضمن فعلًا إنسانيًا خاصًا اختزل تجربة صاغها الإنسان تجاه موقف اجتماعي محدد, ولذلك يمكن اعتبار الأمثال قيمة اجتماعية وتربوية كبيرة في المجتمعات البشرية بشكل عام, كما أن لها دلالة واضحة من حيث أنها تعبير حي.
ومن ناحية أخرى, فإن هذه الأمثال مخزن للتوجيه والتربية, وتتضمن عبارات محددة ذات مضامين, وقد وصفها «كراب» بأنها خلاصة التجربة اليومية التي صارت ملكًا لمجموعة اجتماعية معينة, وصارت هذه الأمثال جزءًا لا ينفصل عن سلوكها.
وتمارس المرأة هذا الفن كغيرها من أفراد المجتمع, لكنها تتميز في علاقتها به كونها ناقلة له عبر الأجيال. والمثل هو خلاصة التجربة الإنسانية بكل منعطفاتها؛ إذ يستخلص الإنسان تجربته في صورة فنية موجزة يسهل حفظها وتداولها واستخلاص العبر منها.
وترتبط المرأة بالأمثال العدنية بعلاقة ملحوظة, إذ أن هذه الأمثال هي تعبير عن علاقة المرأة بواقعها الاجتماعي ودرجة تفاعلها معه وتأثيرها عليه وتأثرها به, باعتبار المرأة جزءًا من المنظومة الاجتماعية للمجتمع العدني بكل تفاعلاته ومنعطفاته.
ودرست الباحثة الأمثال المتصلة بالزواج, وذات البعد التربوي, وأمثال المرأة والعلاقة الزوجية. وعرضت قائمة طويلة منها في الصفحات 71 – 86 من الكتاب.
الموروث الثقافي للمرأة.. العادات والتقاليد الاجتماعية :
والعادات أو الأعراف والتقاليد هي تعبير عن سلوك متكرر يقوم به الأفراد ويكتسبونه ويتعلمونه ويمارسونه ويتوارثونه اجتماعيًا, ولا يشكل هذا التعريف العادات المرتبطة بالفرد, لكنها ترتبط فقط بالسلوك والممارسات والتفاعل الذي يتم بواسطة المجتمع وفي إطاره, وتضم عادات التحية وأساليب المحادثة وآداب الكلام, وإقامة الحفلات والمجاملة وطرائق الخطبة والزواج وعادات الولادة وتربية الصغار وتشييع الموتى وتقبل العزاء.
1- عادات وتقاليد الزواج
يأتي الزواج في مقدمة العادات والتقاليد الاجتماعية التي يحرص الأهالي على التقيد بها وممارستها بأصولها في أي مجتمع, ويعد الزواج من أهم النظم الاجتماعية وأخطرها في كافة المجتمعات البشرية.
وخلال الحكم البريطاني لعدن, صدر قانون تنظيم الزواج عام 1939, والذي منع زواج الأطفال, وحدد سن 18 سنة مناسبًا لزواج الفتى, واعتمد عمر 14 سنة دليلًا على بلوغ الفتاة الأهلية للزواج, وصنّف القانون زواج الفتاة ما دون هذه السن اغتصابًا. إلا أن هذا الضبط لم يكن نهائيًا, إذ أفادت أقوال الرواة أن التجاوزات لهذا التحديد كانت ورادة, قبل صدور القانون أو بعده, خاصة بين الأسر الوافدة إلى عدن, حيث تنتشر ظاهرة زواج الفتاة قبل البلوغ.
وتمر مراسيم الزواج بثلاث مراحل أولها الخطبة التي تعد الخطوة الأولى تلي ظهور الرغبة أو توفر النية بالزواج, وفي الوقت ذاته توكل المهمة لكبيرات السن في الأسرة بالبحث عن عروس, إذا لم يكن الاتفاق عليها من بين المرشحات في الأسرة أو المعارف. وفي هذا الاتجاه كان يتم الاستعانة بالخاطبة التي يسميها الأهل ويعتمدون عليها في هذه الحالة. وتلعب المقاييس الجمالية والسمعة الطيبة شروطًا أساسية في المواصفات المطلوبة في العروسة.
ويرتبط الاحتفال بالزواج بالعديد من الممارسات التقليدية التي يحددها التراث الاجتماعي لعادات الزواج في المجتمع العدني. فقد دأب أفراد المجتمع على التفاؤل بعقد قران العروسين أو زفافهما في ليلة الخميس, باعتبارها ليلة مباركة. كما يحرص الأهالي على الابتعاد عن إتمام عقد القران في أيام ما بين العيدين – الفطر والأضحى – ويعتبرون ذلك سببًا في عدم نجاح الزواج أو التوفيق بين الزوجين.
ولا تبدو في الزواج العدني مظاهر لتشجيع زواج الأقارب, حيث يفتقر هذا الزواج إلى دوافع وأسس الزواج الريفي القائم على إيثار التزاوج في إطار العائلة. وربما يعود غياب هذا النوع من الزواج إلى ضعف خاصية التملك الزراعي لدى أهالي عدن وسيادة السمة الكوسمبوليتية لمدينة عدن.
ويتطرق الكتاب بعد ذلك إلى مراسيم الخطبة والاتفاق على تفاصيل الشروط المالية لأهل العروس, وصور الاحتفال بالزواج, وحفلات «الصبحية» و«الزقرة» و«الغسل» و«الزفاف» أو ما يسمى ب«الدخلة», إضافة إلى جهاز العروس.
2- عادات وتقاليد الولادة
تشكل الولادة حلقة رئيسية في تاريخ الأسرة العدنية, فقد استقامت على أساس العلاقات الزوجية التي نظمتها تعاليم الشريعة الإسلامية, وتفاعلت معها منظومة العادات والتقاليد.
وتنقل الدكتوراه أسمهان العلَس, مؤلفة الكتاب, من أحاديث الرواة أنه كلما حملت الزوجة مبكرًا فإنها تقلل من تساؤلات الأهل عن حملها واستغرابهم لعدم حدوثه, إذ أنه من العادة أن يباشر الأهل بطرح هذا السؤال مباشرة بعد الزواج. وفي حالة عدم حدوث الحمل فإن الكثير من الاستفسارات تتسارع مستغربة عدم تبكير المرأة بالحمل. وربما تلجأ كبيرات السن إلى أسلوب معايرة الزوجة, كما تصوره هذه الأمثال:
ما شجرة إلا بثمرها وما مره إلا بعيالها
ما مائدة إلا بأكلها وما مره إلا بعولها
وفي حالة الحمل, يجتهد الأهل في معرفة جنس الجنين, ولهم طرقهم التقليدية. فقد أفاد الرواة من النساء أن شكل بطن الحامل مؤشر يوحي للأهل بمعرفة نوع الجنين, فإذا كانت هذه البطن مستديرة فإنها تبشر بأنثى, في حين تشير استطالة البطن إلى الأمام على أن القادم ذكر. وتعتبر حلمة الثدي ولون الرقبة دليلين آخرين على جنس الأنثى في القادم الجديد.
ومن المعتقدات التي يؤمن بها المجتمع أن تُمنع الحامل من رؤية القمر وقت الخسوف؛ اعتقادًا منهم أن هذه الرؤية تؤثر على شكل الأذن عند الجنين.
وتعتبر ساعة الولادة ذات خصوصية في الأسرة المعنية بذلك, وتتم بحضور الأهل والسيدة المكلفة بالتوليد, والتي تسمى باللهجة العدنية «الجدة». وتسعى الجدة إلى مسح جبين المولود بما يخرج من بطنه من أوساخ مباشرة بعد الولادة, وتسمى هذه الأوساخ «العقّا», وذلك بعد تنظيف جوفه ومعالجة رأسه وضمان استدارة هذا الرأس بالضرورة. ويعتقد الأهل أن ممارسة هذه العادة ضرورية؛ لدرء العين والحسد والأرواح الشريرة.
وكان ختان البنات تقليدًا متبعًا في السابق. وتأثرت به مدينة عدن لقربها من الساحل الشرقي للقارة الأفريقية المشهور بممارسة هذه العادة. وتقوم بتنفيذ هذه العملية سيدة كبيرة في السن يُطلق عليها المولدة. واختلف العلماء [الدينيين] في أمر الختان, إذ يراه الشافعية واجبًا لا بدّ منه. وقد كانت هذه القضية على مادة الحوار في عدن في خمسينيات القرن العشرين, حيث رصد سارجينت تفاعل المجتمع حولها, من خلال الكتابات الصحفية عنها, حيث اعتبرت صحيفة «النهضة» الصادرة في عام 1952 ختان الأنثى غير واجب, إضافة إلى ما يلحقه من أضرار بالطفلة كأنثى, ورأت هذه الصحيفة أن الختان عادة قادمة من السودان. وفي هذا الصدد فإنه يسجل لمدينة عدن أقدمية مناقشاتها لمثل هذه القضايا الساخنة, بل وريادتها في الدعوة إلى الامتناع عن ممارستها, خاصة إذا ما تذكرنا أن إثارة هذه القضية بدأت تنشط في الأوساط المحلية والدولية أواخر القرن العشرين. وعلى ضوء ذلك فإن أهالي عدن كانوا قد تركوا ممارسة هذه العادة لأجيال عديدة, وذلك تحت تأثير ارتفاع مستوى الوعي الاجتماعي بينهم, إلا أن هذه العادة ظهرت في المدينة مجددًا بسبب اشتداد الهجرة إليها من بعض المناطق الداخلية أو الصومال, بل إنه قد لوحظ مؤخرًا العودة إلى ممارستها, وذلك تحت تأثير انتشار الوعي الأصولي بين بعض الأوساط الاجتماعية.
وفي إطار مبحث «العادات والتقاليد الاجتماعية», تطرق المؤلفة إلى عادات وتقاليد: الوفاة, والطب الشعبي, إضافة إلى زيارات أولياء الله الصالحين, والحرف الشعبية.
الملابس وأدوات التجمل والزينة :
يعد الدرع لباسًا تقليديًا شديد الانتشار في الأوساط النسائية العدنية. وهو يفصّل على شكل ثوب طويل منسدل الكم ذي رقبة مستديرة, ولا يكلف تجهيزه كثيرًا. ويستمد هذا اللباس في الأصل من اللباس اللحجي, وقد كَثُر استخدامه في عدن, وذلك لقرب المدينتين من بعضهما. ويخاط الثوب العدني من الحرير أو القطن, ويحلى بحزام عريض يسمى «Nissaa نِسعة». ويتصل بهذا اللباس تزيين المرأة لرأسها بشال من الحرير الأحمر أو الأخضر, وغالبًا ما يسدل هذا الشال على جزء من وجهها عند الخروج.
ولم يكن الدرع الزي المتفرد في ملبوسات المرأة العدنية, فقد كانت الكرتة لباسًا مشهورًا, خاصة بين النساء الكبيرات في السن, وتقترب الكرتة من الثوب الطويل بأكمام قصيرة, يتوسطها قصة عند الخصر يلبس فوقها حزام. وكان للمرأة العدنية ثوب خاص بها, إذ كان يفصل بطريقة الثوب الطويل, ويتمشى مع ذوق النساء الصغيرات في السن, ويتميز بقصات على الخصر والصدر وهو يتقرب كثيرًا من الثوب الأوروبي الخاص بالسهرات.
ويتصل بهذا اللباس مكملات زينة أخرى, منها لبس المنديل الحرير المصنوع من الجورجيت المطبوع, ويستخدم كغطاء للشعر يلف إلى الخلف بربطة خاصة, بينما ترتدي المرأة غطاءً أكبر مصنوعًا من قماش الجورجيت الشفاف, على أن تتسق ألوان هذا الغطاء مع لون الفستان. ويجري استخدامه بلبسه من أعلى الرأس لينسدل على الكتفين والصدر, ويسمى هذا الغطاء بالمقرمة, ويتم استيراده من الخارج جاهزًا, وتعد الصين واليابان منطقتي استيراده الرئيسيتين. كما تعتبر الصديرية من أساسيات اللباس الداخلي للمرأة.
وتطرق الكتاب إلى ملابس الأفراح والأحزان, وإلى أدوات الزينة والعطور والتطيب, وفي هذه الأخيرة, تم التطرق إلى الخضاب والحنا والعطور والبخور والأطياب.
المصوغات الذهبية للمرأة :
يعد التزين بالذهب لدى المرأة العدنية تقليدًا أساسيًا تتوارثه الأسر العدنية, وتسعى المرأة من خلال استخداماتها المتعددة إلى تحديد هويتها الاجتماعية والاقتصادية.
وقد تعددت مظاهر التزين بالذهب ومصادر المصوغات المستخدمة منه, وذلك بسبب وفرة أسواق الصياغة من اليهود والهنود, الذين صنعت آلاتهم وإبداعاتهم أشكالًا مختلفة من حلي وزينة ومصوغات استخدمتها المرأة في زينتها. كما كانت صلة هذه المدينة بأسواق الذهب في الهند مؤشرًا آخرًا لغنى العلاقات الخارجية لعدن, وإثرائها للذوق الجمالي للمرأة.
ومن الملاحظ غلبة استخدام الذهب في مصوغات المرأة العدنية, على الرغم من اعتبار اليمن موطنًا للصناعات الفضية ومخزنًا للأحجار الكريمة. وربما يعود هذا الأمر إلى التأثير الهندي على عدن الذي بدت مظاهره واضحة على كل صور الحياة فيها.
ومن المصوغات الذهبية الرئيسية للمرأة: حلي الأذن, وحلي الرقبة والصدر, وحلي المعصم, ويحتل الحزام الذهب مكانه في دولاب كل النساء العدنيات, ويعد ركنًا مهمًا في زينة المرأة, وعادة ما يكون لبسه فوق الدرع أو الفستان كجزء مهم للباس المرأة, وبسبب حرص المرأة على ارتدائه, فقد أصبح جزءًا لا يُستغنى عنه.
والملاحظ أن تنوع حلي المرأة العدنية قد عكس ملامح الجمال وحسن الذوق وغنى المصادر المتأثرة بها عدن نتيجة احتكاكها بالذوق الهندي, كمصدر رئيسي في صناعة هذه الحلي.
وبعد,
فإن الوقوف أمام مكنون الموروث الثقافي للمرأة العدنية, كما تقول المؤلفة في خاتمة كتابها, قد كشف خاصية عدن الثقافية عبر العصور, ومن هنا جاء الهدف الأبعد, لهذه الدراسة مستهدفًا إبراز وجه جديد لعدن قبل أن تدفنه غبار النسيان.
وأسمهان عقلان العلس, دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر, بجامعة عدن, وباحثة في دراسات المرأة وحقوق الإنسان, وصدر لها عدد من الكتب منها: «التجارة في معاهدات الصداقة والتجارة بين بريطانيا وحكام جنوب اليمن», وهو إصدار مشترك, و«مفاوضات استقلال جنوب اليمن بين بريطانيا والجبهة القومية», و«أوضاع المرأة في ظل الإدارة البريطانية لعدن», إضافة إلى الكتاب المعروض هنا, والصادر عن الهيئة العامة للكتاب/ وزارة الثقافة اليمنية, 2010, ويقع في 176 صفحة من الحجم المتوسط.
*عن «الشارع».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.