هنالك نسق معرفي معتمد في الجامعات والمعاهد العالمية العليا تحت أسم "عالم الأحزاب السياسية المقارن"ينطلق الباحثون فيه من الصناعة. بأن ازدياد حجم المشاركة السياسية وتطوير أساليبها من خلال الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والأطر المدنية هو المدخل الصحيح اليوم إلى مواطنة صحيحة والى حياة وطنية ارقى وأشد تماسكاً. وخلاف ذلك يعني الحكم بالبؤس السياسي على المجتمع وتهمشه وتردي الشعور وبالانتماء والمسؤولية لدى الوطن. واشتراك الناس في السياسة تجعل الأحزاب السياسية بوصفها البؤر التي فيها طاقة الوعي والفعل السياسيين موضوعاً مركزيا لتحليلها إن دراسة هذه الأحزاب بنيتها الاجتماعية وطبيعتها الايدلوجية تتيح لنا إمكانية التنبؤ بالسلوك السياسي للمواطن إلى حد كبير. دوافعه ومقاصده. كما تتيح لنا إمكانية البحث عن البيئة السياسية النموذجية للمشاركة السياسية. وهكذا تلعب هذه المؤسسات دوراً كبيراً في توجيه السلوك السياسي للمواطنين ينبغي لها أن تستجيب لمصالح المجتمع الاكثر حيوية وإن حظرها ومنعها لقرار تعسفي من شأنه ان يخلق فراغاً سياسياً وأيدلوجياً يتعذر على الخطاب الايدلوجي للنظام السياسي أن يشغله بمفرده. وعلينا إلا نقلل من مخاطر مثل هذا الموقف إذ يخبرنا التاريخ القريب أن النظم السياسية التي صادرت أسس المشاركة السياسية الحرة والديمقراطية ووسائلها وقاومت مساهمة مردية أو جماعية للمواطنين مهدت بذلك الطرق لاكتساح أيدلوجيات في غاية التطرف سواء دينية كانت او طائفية أو عرقية ومن ثم عززت النزوع الارتدادي على انتماءات عضوية متخلفة عمقت من تفكك المجتمع المدى وأسست بالتالي للتناصر الداخلي بين مكوناته بعد أن أتلفت كل فضاء تواصلي بينها. الخلاصة: إن الانتقال من المساهمة السياسية الفردية إلى الشكل الحزبي الجماعي لها, هو الاسلوب العقلاني الحديث للممارسة السياسية الذي يلازم تحرر الفرد من أشكال الانتماء المجتمعي السابقة وترتيبها التي كانت تقيد الفرد وتلزمه بمكانة اجتماعية ووظيفية تحول دون اكتسابه صفة العمومية بوصفه مواطناً في مجتمع سياسي حديث.