يبدوا أن الحرب في اليمن ستستمر، سواء الحرب الداخلية، أو الحرب التي يشنها التحالف العشري على اليمن الذي تقوده الرياض منذ أكثر من شهر، فلا يبدوا أن أي من طرفي تلك الحروب –على تعددهم وتداخلهم- قادر على تحقيق حسم عسكري، ولا يُتوقع لأي طرف أن يحقق ذلك الحسم لعدة اعتبارات. أهم تلك الاعتبارات أن الحرب بدأت تأخذ أبعاداً غير سياسية بسبب سوء تصرف أطراف الحرب ولجوئها للعصبية الدينية أو المناطقية لحشد الأتباع والمقاتلين، وفي هكذا حروب من الصعب على أي طرف حسمها في بلد تتعدد فيه المذاهب والانتماءات المناطقية المحملة بإرث صراعي ماضوي، ومظالم بدأت تتقرح على وقع هذه الحروب، إضافة الى أن تلك الكتل التي تخوض الحرب وازنة ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز أي منها أو الحاق هزيمة ساحقه، به ما لم ترتكب حرب إبادة عبر أسلحة كيميائية أو قنابل نووية وهذا طبعاً من سابع المستحيلات، وأنا هنا أذكر من ينتظرون حسماً عسكرياً في مثل هكذا صراع، بأنه بعيد المنال بل وبات مستحيلاً بعد أن اكتسب الصراع تلك الابعاد الطائفية التي ستمده بمخزون هائل ومتواصل من المقاتلين الى ما لا نهاية. *** صحيح أن الحوثيون لا يستخدمون التحريض المذهبي ولا المناطقي لمحاربة خصومهم، وأن تحريضهم يقتصر على الجانب السياسي، لكن منطلقاتهم الدينية المذهبية الملتزمة بولاية الأمر الشرعية بحسب وجهة نظرهم المذهبية تشكل عامل حشد على هذا الأساس سواء أعلنوا عن ذلك أم لم يعلنوا، إضافة الى أنه يعطي بعض المبررات للأطراف الأخرى للتخوف من هكذا فصيل يتمدد على الساحة اليمنية ويسيطر على السلطة في الكثير من المناطق متسلح بأيدلوجيا مذهبية تتناقض مع قناعاتهم. كما أن تحالفهم الظاهر والغير مكتوب –تحالف أمر واقع افرزته المصالح المشتركة- مع الرئيس السابق صالح والمؤتمر الشعبي العام وان كان أضفى على الصراع بعداً سياسياً وخفف من بعده المذهبي بحكم تواجد المؤتمر في الكثير من المناطق، لكنه أضفى عليه كذلك مسحة مناطقية بحكم المنطقة التي ينتمي اليها الرئيس السابق والتي تبدوا هي المتحكم الأول في قرار الحزب. *** واذا ما انتقلنا الى الطرف الآخر من الصراع والذي تقوده السعودية وحلفائها من الإخوان والقبائل والجماعات الدينية التي عملت على تفريخها في اليمن خلال العقود الماضية بما فيها تنظيم القاعدة –منذ ارسال المجاهدين الى أفغانستان- فان الخطاب التحريضي المذهبي المناطقي واضحاً لا لبس فيه، ومن يتابع قنواتهم وعلى رأسها الجزيرة والعربية وكيف يتم استخدام لفظ المناطق السنية وتارة الشافعية لتحفيز العنصر المذهبي لدى أبناء تلك المناطق عبر تصوير أن مناطقهم تتعرض لغزو مذهبي. ذلك الادعاء بوجود حرب مذهبية يناقضه الواقع، فوحدات الجيش التي تقاتل الى جانب الحوثيين –وهي اغلب الوحدات الأمنية والعسكرية على مستوى اليمن- وان كان جزء مهم من اعدادها ينتمي الى الزيدية الجغرافية لكن غالبية أفراد تلك الوحدات ينتمون الى مذاهب محسوبة على المدرسة السنية، ونادراً ما يوجد بينهم من لا يزالون متمسكون بزيديتهم بعد التغيير المنهجي الذي طال مناطقهم خلال العقود الماضية، وهنا يظهر زيف ادعاء معسكر الرياض بوجود حرب لها بعد طائفي مذهبي، والبعد المناطقي قد يكون أقرب الى الواقع منه الى البعد المذهبي. *** في الجنوب يتم تحفيز الناس مناطقياً ومذهبياً لخوض الحرب، ويتم تصنيفها على اعتبارها حرب بين الشمال والجنوب، والمفارقة أن العناصر الذين ذبحهم تنظيم القاعدة في كل عمليات الذبح التي طالت الجنود هي لجنود محسوبين مناطقياً على الشمال لكنهم محسوبين كذلك وبنسبة 95% على مذاهب سنية، ومع ذلك يتم ذبحهم على اعتبارهم حوثيين، مع أن لا علاقة لهم مطلقاً بمذهب الحوثيين الديني، بل ان جزء مهم منهم من تعز واب والحديدة، لكن تنظيم القاعدة وبالأخص في الجنوب بات يرى كل جندي شمالي حوثي بغض النظر عن مذهبة ومنطقته في الشمال، وهنا يظهر الخلط بين الصراع المناطقي والمذهبي. في تعز يتم تحفيز الناس كذلك على أسس مذهبية ومناطقية، لكن باعتبارات مناطقية أخرى، فتعز شمالية، وبالتالي يتم تحفيز الناس عبر استحضار مظلومية تعز داخل الشمال، على اعتبار الحكم انحصر خلال العقود الماضية في المناطق الزيدية، سواء الزيدية المذهبية قبل عام 62م، أو الزيدية الجغرافية بعد عام 67م، بعد أن شرعت السعودية في تجريف الزيدية المذهبية حتى كادت أن تقضي عليها لولا ظهور حركة الحوثيين، لكن السعودية اعتمدت على الزيدية الجغرافية في الحكم ولم تثق أبداً في المنطقة الشافعية، لا الدينية ولا الجغرافية. *** نفس الوضع يتكرر اليوم في الرياض، حيث تسعى السعودية وبشتى الوسائل الى استمالة الجغرافيا الزيدية ومشايخها –الغير منتمين مذهبياً للزيدية بعد التجريف الذي تحدثت عنه- بأغلى الأثمان وتدفع الملايين كمرتب لبعض المشايخ، فيما لا تدفع السعودية لكل مرتزقتها من الجنوب والمناطق الشافعية نصف ما تعطيه لعلي محسن الأحمر مثلاً، وكشوفات المرتبات الحالية تؤكد ذلك التحليل، وهذا يدل على أن النسخة القادمة من حكم الوصاية السعودية على اليمن –في حال انتصر محورها وهذا مستحيل طبعاً- سيكون تكرار لنموذج حكمها خلال النسخة الأولى من الوصاية، وعلى من يحلم من الجنوبيين وبقية المناطق بأن تحقق السعودية حلمهم في دولة جنوبية، أو في دولة وطنية أن يراجعوا أحلامهم. *** استمرار الحرب تحت تلك العناوين، وذلك التداخل بين المناطقي والمذهبي والسياسي، وبين الشمال والجنوب، واشتراك الجماعات الإرهابية فيه، وسيطرتها في أحيان كثيرة على المناطق التي يخسرها الحوثيين والجيش الموالي لهم، وذلك التحريض الذي يتم تفصيله على كل منطقة على حدة بحسب مخاوفها ومظلومياتها التاريخية، إضافة الى غياب مشروع سياسي للحوثيين، وعدم وجود رؤية واهداف واضحة للحرب التي يخوضونها، كل ذلك يوضح وبشكل جلي أن لا أفق سياسي لعاصفة الحزم ولا لحرب الحوثي، وأن نتائجها ستكون كارثية على المجتمع ونسيجه الاجتماعي، وأن اليمن مقبل على نموذج سوري، إن لم تكن الرياض تسعى عن عمد للوصول اليه فهي تسعى اليه عبر غباء تعاطيها وتعاطي الاعلام المحسوب عليها وتعاطي خطبائها والدعاة الذين يحشدون المقاتلين، فخطابهم لوحدة كفيل بتحويل كل اليمنيين الذين يقاتلون في صفها الى دواعش، سيقاتلون الحوثيين ومن معهم، لكنهم سيتناحرون فيما بينهم فور سيطرتهم على أي منطقة، ويمكننا استحضار النموذج السوري وتناحر المجموعات التي مولتها الرياض وقطر وتركيا وكيف ذبحوا بعضهم في المناطق التي خسرها الجيش السوري. هل نتعظ نحن كيمنيين ونحاول إيجاد تسوية تخرج البلد من هكذا مصير محتوم؟، سؤال أوجهه لكل القوى السياسية، بما فيهم أنصار الله ومن في الرياض، علهم يفكرون قليلاً وبشكل موضوعي، قبل أن تضيع اليمن والى الأبد وتتحول الى أفغانستان أو صومال أو سوريا أو عراق جديد.