منذ أكثر من شهر ومناطق ردفان تعيش حصاراً ظالماً تفرضه قوات من الجيش والأمن بعد حادثة السادس عشر من ديسمبر الماضي والتي قتل فيها أربعة جنود وكذا عباس طمبح أحد نشطاء الحراك والذي تعده السلطات الأمنية من أبرز المطلوبين أمنياً. فبعد تلك الحادثة تسارعت الأحداث في ردفان وتطورت يوماً بعد يوم حتى وصلت إلى ماهي عليه اليوم , حصار مطبق على ردفان وقوات الجيش تحيط بالمنطقة من كل مكان وتنشر المدافع والدبابات والجنود في كل اتجاه وتقصف المناطق والقرى الآمنة.
وأما في الحبيلين – كبرى مدن ردفان- فالمدينة تشهد اشتباكات شبه ليلية بين الجيش – الذي يسيطر على كل مكان حول المدينة – والمسلحين الذين يتمركزون داخل المدينة الأمر الذي خلف عدداً من القتلى والجرحى في صفوف المواطنين أولاً ثم في صفوف الجيش والمسلحين ثانياً، كما تضررت عشرات المنازل والمحلات التجارية جراء القصف العشوائي للجيش وأصبحت الحياة شبه متوقفة في المدينة.
فبعد أن كانت الحبيلين مدينة حاضرة تعج بالمتسوقين من كل مكان ليلاً ونهاراً وتسهر حتى الصباح صارت اليوم مدينة شبه خالية وربما تتحول إلى مدينة أشباح عما قريب إذا استمر الوضع على ماهو عليه هذه الأيام.
فمعظم محلات المدينة مغلقة طوال اليوم وما يفتح منها يفتح على حذر وما يوشك أن يغلق مرة أخرى , مطاعم المدينة ومشاربها التي كانت تداوم طوال اليوم ليلاً ونهاراً صارت مغلقة , هذا في الصباح وأما بعد الظهر فالمدينة شبه خالية إلا من عدد قليل من المارة والسيارات , ليأتي المساء فتموت المدينة ولا ترى فيها شيئاً وكأنها مدينة أشباح.
مئات الأسر نزحت من المدينة جراء ما تتعرض له من قصف شبه ليلي.
بعد أن شعر كثير من السكان أنهم لن يستطيعوا البقاء والمدينة في هذا الوضع الصعب فضلوا الرحيل إلى القرى أو إلى مناطق أكثر أمناً كعدنولحج وغيرها وأما سكانها من أبناء المحافظات الشمالية فقد رحل معظمهم إن لم يكونوا قد رحلوا جميعاً بعد أن تعرض اثنان منهم للقتل من عناصر مجهولة في المدينة دون أي أسباب تذكر.
عدد من المنازل في المدينة تعرضت للنهب سيما المنازل التي نزح عنها سكانها دون أن يحملوا ما تحويه منازلهم، النزوح أيضاً شمل عدداً من القرى حول المدينة كقرى الجدعاء والحمراء والثمير وسليك والتي تضررت كثيراً من المنازل فيها بل وقتل البعض من سكانها وجرحوا وهم في منازلهم ففضلوا النزوح إلى أماكن أخرى أكثر أمناً، أصحاب المحلات التجارية يعانون كثيراً فهم لا يبيعون إلا شيئاً يسيراً من بضاعتهم كل يوم وتمر عليهم الأيام والأسابيع ومحلاتهم مغلقة، حتى إن بعضهم لم يستطع توفير إيجار المحل والبعض منهم فضل نقل بضاعته إلى مدن أخرى فاستأجر محلات في عدن أو تعز أو لحج ليتمكن من العمل.
توقف خدمة الهاتف المحمول عن المنطقة وإغلاق المدارس وتأجيل الامتحانات
مع اشتداد تأزم الأوضاع في مناطق ردفان قامت وزارة المواصلات بقطع خدمات الهاتف المحمول عن مديريات ردفان وبعض مديريات يافع منذ قرابة عشرين يوماً وحتى اليوم الأمر الذي قطع التواصل بين الناس حتى داخل المدينة نفسها وجعل تناقل الأخبار والمعلومات أمراً صعباً ولست أدري ما الفائدة من مثل هذا الإجراء الذي لا يضر إلا المواطن البسيط.
أشياء أخرى توقفت في المدينة فالمدارس مغلقة منذ أكثر من أسبوعين وامتحانات الفصل الأول تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى والحال نفسه انطبق على كلية التربية ردفان والتي لم تنتظم العملية التعليمية فيها خلال الأسبوعين الماضيين كما تم تأجيل امتحانات الفصل الأول فيها إلى 19 فبراير القادم , إثر الوضع السيئ للمدينة وكذا تضرر عدد من نوافذ قاعات الدراسة والسور الخارجي للكلية جراء القصف العشوائي على المدينة.
أزمة في الوقود تعيق حركة السيارات وتزيد أسعار الأجرة
منذ أن بدأ حصار ردفان والمنطقة تعيش أزمة في الوقود ((البترول والديزل )) فلا تكاد تجد شيئاً من الوقود في محطات المحروقات بردفان وماتجده من وقود يباع في السوق السوداء وبأسعار باهظة لأنه يأتي عن طريق التهريب وعن طريق دفع مبالغ كبيرة للنقاط التي يمر عبرها مهربو الوقود إلى ردفان.
أزمة الوقود هذه جعلت العديد من السيارات تتوقف عن العمل كما رفعت أسعار الأجرة من وإلى المنطقة.
ثمان نقاط للجيش بين الملاح والحبيلين في 12 كيلو متر فقط مدينتا الملاح والحبيلين هما مدينتان متجاورتان والمسافة بينهما لاتتعدى 12 كيلو متر ومع ذلك المار في الطريق بين المدينتين تصادفه ثمان نقاط للجيش ابتداءً من مركز مديرية الملاح إلى آخر نقطة للجيش بمنطقة الجدعاء على مشارف الحبيلين , وزيادة على تلك النقاط تجد المدافع والدبابات والمصفحات بالقرب من الخط العام بين المدينتين وكأن هناك حرباً بين دولة وأخرى , زد على ذلك المواقع التي يتمركز فيها الجيش في الجبال والتلال القريبة من الخط العام وكل نقطة للجيش أو موقع للجنود تجده أشد حرصاً على رفع علم الجمهورية حتى وإن كان في مكان لايراه فيه أحد وكأن الأمر كله مجرد رفع علم وكفى.
ماذا جنى الجيش من حصار ردفان حتى الآن؟وماذا سيستفيد لو دخل الحبيلين؟
منذ أكثر من شهر والجيش يحاصر مناطق ردفان وخاصة مدينة الحبيلين التي لم يدخلها حتى الآن ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي جناه الجيش من هذا الحصار ؟ وماذا سيستفيد لو سيطر على مدينة الحبيلين ؟ هل سيستطيع فرض هيبة الدولة بالقوة بعد إن فقدت هناك , هل يستطيع منع أنصار الحراك من الخروج في مسيرات تندد بسياسات السلطة وتطالب بفك الارتباط عنها ؟ , وهل يستطيع أن يعيد الحبيلين إلى حياتها الطبيعية كما كانت قبل سنوات ؟ هل .. وهل .. وهل ..
وبالمقابل إلى متى سيصمد المسلحون المرابطون في المدينة أمام قصف الجيش وقوته الضاربة ؟ وهل يستطيعون حفظ الأمن في المدينة إن لم يدخلها الجيش؟
موقف السلطة المحلية وموقف الحراك وموقف المشائخ إزاء ما يدور في ردفان؟
مواقف متباينة للسلطة المحلية والحراك الجنوبي بردفان إزاء مايدور في المنطقة فالسلطة المحلية تبارك دخول الجيش للمدينة معتبرة أن مصالح الناس تعطلت في ظل وضع كهذا وأن دخول الجيش سيعيد الأمور إلى نصابها هذا كما جاء على لسان مدير عام ردفان محمود مقبل سعيد.
وأما قادة الحراك فيرفضون دخول الجيش للمدينة معتبرين ذلك عار على أبناء ردفان , وحتى وإن كانوا يعلنون أنهم متمسكون بالخيار السلمي إلا أنهم دعوا في كثير من تصريحاتهم وبياناتهم للدفاع عن ردفان أمام ضربات الجيش معتبرين ذلك دفاعاً عن الكرامة جاء ذلك على لسان كثير من قادة الحراك منهم الدكتور ناصر الخبجي – رئيس مجلس الحراك بلحج – والذي دعا أبناء ردفان إلى مزيد من الصمود واعتبر من قتلوا خلال قصف الجيش لردفان أنهم سقطوا دفاعاً عن أرضهم وعرضهم وسجلوا صورة رائعة من صور الفداء والتضحية. وأما مشائخ ردفان فقد حملوا السلطة المسئولية عن ما تتعرض له ردفان من قصف عشوائي أدى إلى قتل الأطفال والنساء وتدمير المنازل وإغلاق المدارس وتشريد الأسر من منازلهم ونشر الرعب بين أوساط الناس , كما طالبوا بوقف العمليات العسكرية وسحب الجيش إلى مواقعه السابقة ورفع الحصار عن ردفان وتنفيذ الاتفاقات السابقة التي أصدرتها المجالس المحلية والمشائخ واللجنة الرئاسية في الأعوام 2008م و2009م جاء ذلك في بيان لهم صدر الاثنين الماضي.
من الرابح ومن الخاسر في أحداث ردفان؟
برأيي أنه لايوجد رابح فيما يدور من أحداث في ردفان لأن الكل خاسرون فالجيش يخسر جنوده ومعداته ويزداد كره الناس له وحقدهم عليه لاسيما من أصيبوا في القصف أو تضررت منازلهم أو محلاتهم أو أعمالهم والمسلحون يخسرون كذلك وأما الخاسر الأكبر فهو المواطن البسيط الذي يعيش في خوف وقلق ورعب أو من شرد من مدينته ونزح عنها مكرهاً لأن العيش فيها أصبح مستحيلاً والخاسر أيضاً صاحب المحل الذي تضررت تجارته إما بالإحراق أو التلف أو الكساد والطالب الذي توقف عن دراسته قسراً وكل صاحب مهنة أو حرفة توقف عن عمله وأصبح بلا دخل يعول به أسرته لأنه لم يستطع العمل في ظل الوضع الحالي الذي تعيشه المنطقة .