بوابة القانون والقضاء اليمني في الوقت الذي يُنظر فيه إلى القضاء على أنه الركيزة الأساسية لاستقرار الدولة وحماية حقوق المواطنين، يظل القاضي اليمني في موقع صعب يجمع بين التحديات المهنية والمشقة المعيشية والإهمال المؤسسي والاجتماعي. فبينما يتطلب منه القانون النزاهة والحياد والعمل الدؤوب لساعات طويلة، يعاني القضاة في اليمن من واقع يبعث على الأسف ويثير القلق على مستقبل النظام القضائي في البلاد. 1. الواقع المهني للقضاة القاضي اليمني مكلف بتطبيق القانون في بيئة معقدة، تشمل النزاعات المدنية والتجارية والجنائية، وأحيانًا القضايا الاجتماعية والقبلية التي تتجاوز القانون المكتوب إلى العرف والتقاليد. وهو يعمل ضمن محاكم ابتدائية ومحاكم استئناف ومحاكم عليا، غالبًا دون توافر بنية تحتية مناسبة، أو دعم إداري فعال، أو نظم معلومات قضائية حديثة. التحدي الأكبر يتمثل في كثافة الملفات القضائية وغياب أطر تنظيمية صارمة، ما يضطر القاضي إلى العمل لساعات طويلة دون توقف كافٍ للراحة أو الاطلاع على جميع المستجدات القانونية، وهو ما ينعكس على قدرته على اتخاذ قرارات دقيقة وعادلة. 1. الجانب المعيشي والاجتماعي والصحي رغم أهمية دوره، يعاني القاضي اليمني من ضعف الأجور والعلاوات مقارنة بمستوى المعيشة وبتضحياته المهنية ، الإضافة الى غياب التأمين الصحي لهم ولأسرهم، وهو ما يضطر بعضهم إلى ممارسة أنشطة جانبية لتأمين قوت أسرهم، الأمر الذي يربك استقلاليتهم المالية ويزيد من ضغوطهم النفسية. كما أن القضاة غالبًا ما يفتقرون إلى الحماية الأمنية، خصوصًا عند الفصل في قضايا كبيرة أو حساسة، إضافة إلى أن المجتمع في كثير من الأحيان لا يقدّر مهامهم بالشكل الصحيح، ويتعامل مع القضاة أحيانًا كخصوم أو عقبة أمام مصالحه الفردية، ما يزيد شعورهم بالعزلة. 1. المقارنة مع أوضاع القضاة في دول العالم عالميًا، يتسم عمل القضاة بالاحترام الاجتماعي والاعتراف المؤسسي. في دول مثل السويد وألمانيا وكندا، تُقدَّر رواتب القضاة بما يتناسب مع مسؤولياتهم، وتُوفَّر لهم برامج تدريب مستمرة، ودعم إداري متقدم، وحماية قانونية وأمنية كاملة. كما يحظى القاضي بالاستقلال المالي والمؤسسي، مما يتيح له التركيز على مهامه دون انحياز أو تأثير خارجي. في المقابل، يبقى القاضي اليمني مكافحًا في بيئة غير مستقرة اقتصاديًا وسياسيًا، مع غياب التقدير المعنوي والمادي، رغم أن جهده قد يفوق ما يبذله نظراؤه في كثير من الدول الأخرى. 1. الجهد المفرط وعواقبه القاضي اليمني يعمل ساعات تفوق طاقته، ويواجه ضغوطًا كبيرة من أطراف النزاع، أحيانًا تصل إلى التهديدات المباشرة، إضافة إلى نقص الموارد البشرية والفنية التي تزيد العبء عليه. هذا الوضع يؤدي في كثير من الحالات إلى إجهاد مهني، وتأخر البت في القضايا، وإحباط قانوني ونفسي، وهو ما ينعكس على جودة الأحكام وسرعة إنجاز العدالة. 1. دعوة للتقدير والإصلاح من الواجب على الدولة والمجتمع اليمني إعادة النظر في أوضاع القضاة، بما يشمل: تحسين الرواتب والعلاوات لتصبح متناسبة مع حجم المسؤولية. توفير حماية أمنية للقضاة وأسرهم. اعتماد تأمين صحي كامل لهم ولأسرهم. إنشاء نظم دعم إداري وفني حديث. تعزيز التقدير الاجتماعي والثقافة القانونية التي تحمي استقلال القضاء. دعم برامج تدريب مستمرة لإكسابهم مهارات متقدمة. إن تجاهل هذه الإصلاحات لا يضر بالقضاة وحدهم، بل يضعف الثقة في القضاء ويهدد استقرار الدولة ومصداقية القانون. خاتمة القاضي اليمني، رغم كل ما يبذله من جهد يفوق طاقته، يظل مهملًا على الصعيد المعيشي، الاجتماعي، والأمني. وفي المقابل، دول العالم تدرك أن احترام القاضي وتقدير جهده هو أساس العدالة واستقرار الدولة. الشكر والتقدير لا يكفي، بل يجب أن يقابله عمل مؤسسي حقيقي يرفع من شأن القضاء ويحميه، لضمان تحقيق العدالة المنشودة لكل المواطنين.