يتكرر حديث الاستثمار الممل ، المخاتل ، غير الناضج ، عن توا فر فرص ، ومناخات الاستثمار في البيئة الاقتصادية الاستثمارية اليمنية ، ويبدى هذا البعض استعداده المفتوح المغلف بالطيبة ، والسذاجة والسطحية لتقديم كافة أنواع الدعم ، والمساندة ، والتسهيلات المختلفة ، ويلح هذا الحديث الممجوج على دعوة المستثمرين وإغرائهم العاطفي بالقدوم ، وتحريضهم على المخاطرة ، والمقامرة بالاستثمار وكأن المستثمرين لا يدركون عظم مخاطر الاستثمار في اليمن ، ولا يقفون على بعد مخاطرها ، ومعوقاته ومدى افتقار البيئة الاستثمارية إلى معظم مقومات عناصر الاستثمار . وكأ ن مكونات ، ومقومات عناصر الاستثمار تقتصر فقط على مجرد الأماني ، والوعود والوعظ، والتغرير والمقامرة وركوب الصعب ، والتجريب الساذج والاعتماد على لفظ القول ، ولغو الخطاب والعزف على معسول وعود التسهيلات البراقة غير المجدية ولا النافعة فتيلا ، وان ذلك المسلك الملتوي والغامض والفارغ أمور تكفي وحدها لتوفير مناخات الاستثمار ، وجذب الأموال ، وإقناع المستثمرين ، ومن ثمة يكفي ذلك اللغو لإسدال ستار كثيف من حجب الصمت ، والسكوت ، والغفلة ، والتجاهل على واقع الاستثمار الفقير المتردي العناصر والمعدوم للعوامل الإنتاجية ، المفتقر للمقومات الاقتصادية المحفزة للاستثمار . تكفينا الإشارة هنا إلى خطأ لغو الخطاب الاستثماري الفارغ المضمون ، ومدى تجاهله للشروط والمقومات الاستثمارية والمتطلبات الاقتصادية ، والمالية ، والتشريعية ، ومدى توافر عناصر الإنتاج الضخمة في البيئة الاستثمارية والاقتصادية الإقليمية المنافسة .وان مثل هذا السعي الخواء للحديث عن الاستثمار ، والتسهيلات الواعدة خارج نطاق مقومات ومتطلبات الاستثمار الاقتصادية ، المادية والقانونية ، والإدارية والعمالية والأمنية ، ينطوي على مغالطة مفضوحة وجهل مفرط ، وسذاجة طفولية وقفز على الواقع ، وهروب من التصدي للمشكلات التي تعضل المناخ الاستثماري ، وتشقيه وتنفر المستثمر منه . وان التعويل على الرغبات والأمزجة الشخصية ، والدور الفردي ،في إطار شخصي من الضمانات والكفالات الذاتية ، والمصالح الخاصة وأساليب المقاولات ، والعمل من الباطن والمشاركة المجانية في المشروعات إنما هي أمور وتصرفات تصب جميعها في طاحونة الفساد ، وتشجع عليه وتحميه . بل إن مثل تلك الدعوات تشكل في جوهرها كامل المخاطر الاقتصادية ، والقانونية والمالية على حقوق المستثمر وتضعه على أبواب مصير مجهول من الاجتهاد الفردي كما تنطوي على احتمالات مخاطر الفساد والضياع وتلك لعمري شروط ذاتية لا يعول عليها ، ولا تغني فتيلا عن مقومات الاستثمار الحقيقية من طاقة ، وبنية اقتصادية تحتية ، ونظام مصرفي ممول للاستثمارات ، وتشريعات قانونية تحمي الحقوق والتعاقدات وتوفر الضمانات القانونية ، إلى جانب توافر عوامل الاستقرار ، والأمن . إن الحديث عن البيئة الاستثمارية الاقتصادية الصالحة المغرية ، والدافعة للاستثمار خارج نطاق مقومات الاستثمار ومتطلباته إنما هو حديث لغو ، ولجاجة ، وهرطقة فارغة المضمون ، تدل على ان أصحاب تلك الدعوة يتمتعون بقصر نظر ويفتقرون إلى الإدراك ، والفهم ، والفكر الاقتصادي ، ويجهلون مقومات الاستثمار، والمنافسة الحقيقية في البيئات الإقليمية المجاورة المتوفرة بأكثر مما يجب . أيها السدة الحالمون المسوقون لأوهام الاستثمار في اليمن ، افيقوو من غفلتكم ، وأصحو من سهوكم واعلموا أن مقومات الاستثمار في اليمن ليست كفالات ، وضمانات وتسهيلات قانونية فقط وشخصية ووعود في الهواء يكذبها الواقع ، ويدحضها الغياب شبه الكامل لمقومات عناصر الاستثمار الأمن فقانون الاستثمار الذي حصر كافة الاعغاءات والضمانات القانونية ، والتسهيلات ، لكن ذلك لا يشكل وفقا لمعايير الاستثمار الكاملة لا يشكل في درجة الأهمية النسبية غير 15 % من إجمال المتطلبات والشروط الاستثمارية وان تلك الشروط ، إنما هي منظومة من المكونات والعناصر ، والحقائق المادية والمعنوية ، والقانونية ممثلة بعضها في سلامة ، واستقرار السياسات الاقتصادي الكلية ، التي تضمن الأمن والاستقرار الاقتصاديين وتكفل تحقيق معدلات نمو عالية ، تحقق للفرد متوسط دخل يسمح له بزيادة الادخار ، والاستهلاك ثم الاستثمار وفي زيادة معدلات الإنتاج شرطا لدفع وتحريك الدورة الاقتصادية على قاعدة النمو ، والتطور الدائمين . ثم أن التضخم ومعدلاته المرتفعة في الاقتصاد اليمني تمثل أكثر عناصر المعوقات السلبية للاستثمار فحيث يحل التضخم ضيفا ثقيلا على الاقتصادية ، وسيفا مسلطا قاطعا على حدود النمو ، ومنطلقاته . فانه يدمر الاقتصاد ويعصف بأسعار صرف العملة ، وينسف قوتها الشرائية ، ويضعف القوة الشرائية للمستهلكين ، ويخفض دخلهم المادي ويعرضهم لمزيد من الفقر والبؤس ، والمسغبة ، وبالتالي تضييق أكثر على الاستثمار ، والإنتاج ومن جانب أخر يرفع تكلفة التمويل الاستثماري ويرفع من معدلات الفوائد المدينة ، والدائنة ، ويعيق دور النظام المصرفي في لعب دوره الاقتصادي ، والاستثماري التمويل ومن ناحية أخرى ثالثه فان التضخم يرفع من تكلفة الإنتاج ويصعب من احتساب الكلف الاستثمارية ، والإرباح والعوائد الأخرى ، الأمر الذي يدفع المستثمرون إلى الإحجام ، والنفور والتوقف والابتعاد عن معقل ونطاق هذا المناخ الاستثماري الطارد ، فيولون للاقتصاد الوطني ظهورهم ويتجهون بأموالهم شطر الخارج حيث يسود مناخ الاستثمار وتتوفر فيه فرص الاستثمار الفضلى وهذه المعوقات هي عين ما يعاني منه الاقتصاد اليمني ، من تضخم مرتفع المعدلات تصل سنويا بين 15 % إلى 25 % . تدفع بالاقتصاد إلى قعر هوة من الكساد ، ومضاعفاته البائسة الخطيرة ، فضلا عن جملة المعوقات الأخرى مثل البطالة ، والفقر ، وانهيار سعر العملة ، وعجز الميزانية وضعف كفاءة الإدارة ، وفسادها ،وفساد القضاء ، وشيوع مظاهر السلاح في قلب الدن والعواصم ، وقطع الطرقات ، واختطاف السواح . ومن مقومات الاستثمار استقرار قيمة العملة الوطنية ، وثبات أسعارها التبادلية في الأسواق التجارية والنقدية والمالية واحتفاظها بقيمتها كمعيار للقيم ومخزن للثروة ، مما يطمأن المستثمر على قيمة استثماراته ، ويساعد على ثبات احتساب الكلف والفوائد ، والإرباح، والعوائد والتمويل ، وحوافز الادخار والاستثمار ، ويمكن المواطن المستهلك من زيادة معدلات استهلاكه وذلك ما يفضي إلى زيادة الاستثمار والإنتاج ، والنمو ، والازدهار الاقتصاديين . وما نراه على ارض الواقع النقدي والاقتصادي ونشاهده ، ونعيشه ، ونحترق بنيرانه يكذب تلك الدعوات الماكرة الخبيثة ، المغالطة . إن سعر الريال قد تعرض لموجات متلاحقة قاهرة من موجات التضخم السنوي ، والى ذلك الحد الذي خفض قيمة العملة بأكثر من 1200 % منذ عام 1994 م . وفي واقع الآمر وبحسب القياس ، والتقييم الاقتصاديين للريال ، فان قيمته قد تلاشت واندثرت ، ولم يعد الريال الحالي ذا قيمة تذكر ، وغير صالح للاحتساب كوحدة نقدية للتبادل وكمقياس للقيم .ويجب الاستعاضة عنه بوحدة نقدية جديدة . أما للنظام المصرفي الذي يعول عليه في جمع المدخرات وحشدها ، وإعادة استثمارها اقتصاديا سنحد أن هذا النظام بات عاجزا عن القيام بدوره الاقتصادي في تمويل التنمية ، نظرا لضعف حجم رأسماله من ناحية وطبيعة الملكية والإدارة الفردية فيه من ناحية ثانية ، مما جعل النظام يخرج عن وظيفته التقليدية والحديثة والمعاصرة ، ويعجز عن عرض ، وابتداع وتطوير أوعية ادخارية وأدوات استثمارية قادرة على تمويل الاقتصاد ، وتنميته ، بل اقتصر دور النظام المصرفي على المضاربة والمغامرة ، في شراء أذون الخزانة والمتاجرة بالعملات الأجنبية ، وما برح لتلك الأسباب يشكل عبئا على الاقتصاد من حيث استيلاؤه على فوائض الادخار ، واستغلالها لإغراض تعظيم ، وتنمية مصالح الملاك . فمن أين سيأتي المستثمرون الذين لا يجدون موارد مالية كافية لاستثماراتهم ، وان حصلوا على بعضها فذلك مقابل فوائد ذات معدلات إقراض عالية ، لا تقل معدلاتها عن 15 - 20 % ، في ظرف يعاني المستهلك من تدني حاد في متوسط دخله ، ويعاني الاقتصاد من انكماش حاد ، وتضخم مرتفع ، وبطالة عالية ، وتهريب مفتوح . إما الحديث عن البنية الاقتصادية التحتية باعتبارها المعظم لإرباح المستثمرين ، سنجد الطرقات مدمرة بائسة صعبة الارتقاء اقتصاديا ، و وذات تعرفه نقل تعد من أكثر التعرفات ارتفاعا ، وطاقة كهربية لا تغطي حاجة 45 % من السكان ومثلها المياه النادرة ، والمجاري المعدومة . فهل على المستثمر أن يأتي بمثل هذه العناصر، ويوفرها ويقيمها جزء من مشروعه ، ما يرفع من تكاليف منتجاته ، وخدماته بحيث لا يستطع المستهلك شراؤها .!!! وإذا ماتعرضنا للادراة ، والعمالة الفنية الماهرة فسنجدهما غائبين ، إلا في ما ندر ، أدارة تتسم بالأمية الإدارية العلمية التخصصية ، وبالفساد ، وبالبيروقراطية ، والروتين ، والتسيب ، وعدم الانضباط وإهدار الموارد والوقت ولا تحسب للإنتاجية حسابا . وما يدير القطاع الخاص في اليمن هم في معظمهم من العرب والأجانب ، بينما يمثل سوق العمل نسبة 88 % من الأميين وأشباه الأميين . وأخيرا إذا ما استعرضنا موقف القضاء المختل ، الفاسد ، والآمن المضطرب ، وفساد العديد من عناصر من هذا الأجهزة ، وغلبة التهريب الجمركي ، والتهرب الضريبي ، واحتكار السوق ، وتغليب مصالح القوى المتنفذة وغيرها من العوامل المحبطة ، والمعيقة للاستثمار ، وتهميش دور القطاع الخاص والإصرار على استغلاله فقط ، وتراجع دور الدولة الاقتصادي ، إلى جانب متطلبات ، وعوامل أخرى فماذا يبقى للمستثمر حتى يطمأن على أمواله واستثماراته حتى يفد ويقدم إلى اليمن ويغامر !!! إذن على الخطاب الإعلامي ، والسياسي أن يقلع عن الإفراط في الجهل الاستثماري ، والمغالطة الفنية وتجاهل حقائق الواقع المعاش ، وعليه أن يركز على الدعوة إلى توفير مقومات الاستثمار ، واستكمال المتوفر منها ، وان يولي تأمين الإستراتيجية الاقتصادية ، والاستثمارية عناية فائقة بدلا من إهدار الوقت وتجاهل مناخات الاستثمار في الدول المجاورة .