كشف موقع "رأي اليوم" عن مؤشرات لامتعاض مغربي من تعاطي السعودية مع قضية استرجاع الطيار ياسين بحتي الذي قتل في اليمن، و دفن الأربعاء بعد ماراثون من المفاوضات قاده المبعوث الدولي السابق لليمن المغربي جمال بنعمر. و حسب الموقع، صدر آخر تلك المؤشرات عن القناة الثانية المغربية (رسمية) التي بثت يوم الأربعاء تقريرا من تسعين ثانية يقول إن “العدوان مستمر على أرض اليمن” في إشارة إلى تواصل عمليات القصف الجوي بقيادة السعودية على مناطق يمنية عدة. و فضلا عن لهجته المفاجئة، أعطى التقرير الكلمة بشكل غير مسبوق للحوثيين من أجل التنديد ب"ما يسمى مؤتمر الرياض" - حسب صيغة التقرير- وإدانة ما يصفونه بالحصار المفروض على الشعب اليمني. و تذكر هذه الحادثة بتقرير مماثل بثته القناة الأولى المغربية مطلع شهر يناير الماضي للحديث عن “الآثار السياسية للانقلاب العسكري في مصر”. حيث فصل التقرير حالة “الفوضى والانفلات الأمني” التي تعيشها مصر مند “الانقلاب الذي نفذه المشير عبد الفتاح السيسي”. و هو ما اعتبر في حينه إشارة غضب من السلطات المغربية التي لم تعد تقبل بتجاوزات سياسية وإعلامية مصرية متواترة ضد المغرب ومؤسساته وقضية وحدته الترابية. و تأكد ذلك لاحقا من خلال مسارعة القاهرة إلى الاعتذار واحتواء الموقف بعد وساطة نشيطة قامت بها دولة الإمارات العربية المتحدة. و رغم أن القناة الثانية اعتذرت ليلة الأربعاء عما ورد في التقرير بالقول إن “تعبير عدوان أتى في غير محله” وأنه “خطأ من الصحفية كاتبة التقرير”، إلا أن إعلاميا مغربيا سبق له العمل لسنوات في القناة الثانية استبعد أن تكون المسألة مجرد هفوة قائلا إنه “لا يمكن لأي صحفي كان أن يخطئ في توصيف حرب يشارك فيها بلده بست طائرات. و لا يمكن لعارف بدهاليز الإعلام الرسمي المغربي أن يصدق أن خطأ مثل هذا لم يرتكب خلال ثمانية أسابيع من القصف ثم ارتكب في يوم جنازة الطيار المغربي الذي قتل في اليمن”. و حسب الموقع، رجح الإعلامي المغربي الذي فضل عدم الكشف عن هويته أن “السلطات المغربية أرادت أن تغمز السعوديين بعدم رضاها ولكن اختارت الوسيلة التي تعبر عن مستوى انزعاجها دون الدفع باتجاه تأزيم الأمور. و كونها فعلت ذلك من خلال القناة الثانية وليس القناة الأولى إنما هو مؤشر على أن مستوى انزعاج الرباط من الرياض لا يرقي لمستوى غضبها من القاهرة في يناير الماضي مثلا. كما أن مسارعة القناة الثانية للاعتذار هو دليل على أن الرسالة وصلت وأن السعوديين استوضحوا وربما استرضوا حلفاءهم المغربة”. و تواترت في الأسابيع الأخيرة إشارات كثيرة من الرياض اعتبرتها الرباط سلبية. و نقلت "رأي اليوم" عن مصادر دبلوماسية غربية، إن أخطر تلك الإشارات في تقدير المغاربة كان “استقبال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للأمير مولاي هشام”، ابن عم ملك المغرب المعروف بمواقفه التي تنتقد كثيرا مما يجرى في “المملكة الشريفة”. و رغم أن مولاي هشام زار الرياض على الأرجح معزيا في وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز ومهنئئا أخاه سلمان بتوليه الحكم، إلا أن السلطات المغربية “لم تفهم المغزى من استقبال شخص لا يشغل أي منصب رسمي في المغرب من قبل أعلى سلطة في السعودية”. و لم تستبعد المصادر أن يكون هذا الأمر وراء تغيير الموعد الأصلي لزيارة العاهل المغربي للرياض وتفضيله البقاء في أبو ظبي حيث كان في زيارة خاصة. أضف إلى ذلك، الغبن الذي يشعر به المغرب، شأنه شأن بلدان أخرى مشاركة في التحالف الذي يخوض الحرب في اليمن مثل مصر والإمارات. و هي دول تشكي جميعها من ضعف التنسيق، وعدم مشاركة المعلومات، وغياب الرؤية السياسية التي يفترض أنها تسير في خط متواز مع الحرب، وطول العمليات العسكرية دون أفق للحل. ثم جاءت قضية الطيار المغربي ياسين بحتي الذي حظيت باهتمام أعلى سلطة سياسية في المغرب ممثلة في الملك محمد السادس باعتباره قائدا أعلى للقوات المسلحة، لكنها لم تلق بالا من السعوديين كما أشرنا إلى ذلك يوم أمس . حيث تلكأت الرياض في التعامل مع جهود المغاربة لاستعادة جثمان الطيار، بينما صدرت عن الناطق باسم التحالف أحمد عسيري تصريحات مناقضة للبيانات الرسمية المغربية. و هو ما دفع الرباط في الأخير إلى الاستغناء عن الرياض والاستعانة بمواطنها جمال بنعمر لإعادة جثمان الطيار ودفنه في مسقط رأسه. و قبل هذه التطورات، حفلت موقع التواصل الاجتماعي المغربي بالحديث عن “الهفوات البروتوكولية” التي رافقت زيارة الملك محمد السادس للرياض. حيث صورت الكاميرات رئيس المراسم الملكية محمد الطبيشي وهو يصفع مصورا صحفيا مرافقا للوفد المغربي، كما رصدت مسؤولا في الحرس الملكي السعودي وهو يجذب مولاي رشيد، شقيق ملك المغرب، من جلبابه بشكل غير لائق. و رغم هذه السلسلة “السوداء” من المواقف ومن حوادث سوء الفهم بين المملكتين، إلا أن المراقبين يستبعدون أن تذهب الأمور أبعد مما وصلت إليه. و تقول المصادر الدبلوماسية إن “الرباط لم تبن موقفا متسرعا من الرياض بعد استقبال مولاي هشام. بل فضلت الحديث بلغة الإشارة والعتاب معولة على أن الحليف السعودي لبيب بما يكفي ليلتقط الرسالة”. و أبانت الرياض أنها تحسن لغة الإشارة كذلك وردت بإعلان الطيار المغربي القتيل شهيدا سعوديا وتمتيع عائلته بكل حقوق ومزايا الشهداء. و رغم أن هذه الالتفاتة السعودية استقبلت بشكل إيجابي في الغالب، إلا أن هنالك – يقول مصدرنا الإعلامي المغربي- من يراها “محاولة للتعويض عن التقصير في استعادة جثمان ياسين بحتي. كما أن هنالك من يعتبرها تجسيدا للنموذج السعودي النمطي الذي يعتبر المال وسيلة لإصلاح كل شيء، وهذا ما لم ينجح هذه المرة بدليل التقرير/الرسالة الذي بثته القناة الثانية”. و يرى الصحفي المغربي أن العفو الملكي السعودي الذي صدر ليلة الأربعاء بحق مغربي يدعى محمد إدباروش كان يواجه حكما شرعيا بقطع يده “سيلقى استحسانا أكثر لأنه مجدر من أي حسابات ويقع خارج ثنائية سوء الفهم ومحاولات الترضية التي تلاحق العلاقات المغربية السعودية هذه الأيام”.