الأخبار القادمة عن تطورات الحرب في اليمن باتت روتينية ومكررة، و من الصعب إيجاد زاوية جديدة يمكن أن تضيف معلومة للقارئ الذي بدأ يملّ بدوره من المتابعة، فبعد ثلاثة أشهر من القصف الجوي المتواصل لطائرات “عاصفة الحزم” لم يستسلم التحالف “الحوثي الصالحي” ولم يرفع الراية البيضاء، ولم تتعب طائرات “العاصفة” من القصف حتى بعد انتهاء “بنك الأهداف”، فالمخازن السعودية طافحة بالقذائف والصواريخ من كل الأحجام. بالأمس جرى كسر هذا الروتين “القاتل”، و حملت وكالات الأنباء العالمية تطورين يثيران لعاب أي كاتب يبحث عن جديد ينقله إلى قارئه المتعطش والنهم: الأول: بيان رسمي سعودي يعترف بمقتل ثلاثة جنود سعوديين من جراء سقوط قذيفة أطلقها التحالف اليمني في الجانب الآخر من الحدود، و جندي إماراتي آخر في اشتباكات في منطقة عسير مع الحوثيين. الثاني: تأكيد السيد إسماعيل ولد الشيخ احمد المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن بأن البلاد باتت على حافة المجاعة، بسبب نقص المواد الأساسية الغذائية، نتيجة للحصار المفروض على الموانئ، و الحظر الجوي، واستمرار إطلاق النار، و فشل المساعي للتوصل إلى هدنة رمضانية. مقتل جنود سعوديين على الحدود مع اليمن ليس خبرا، ولكن مقتل جندي إماراتي هو الخبر، فقد كان الانطباع السائد يفيد بأن مشاركة دول الخليج في الحرب السعودية على الحوثيين و أنصارهم في وحدات الجيش الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح تقتصر على العمليات الجوية، وهذه هي المرة الأولى، ربما التي يتبين فيها أن هناك قوات إماراتية مسلحة ترابط في الجانب السعودي من الحدود الجنوبية مع اليمن. أما النقطة الثانية، أي حديث السيد ولد الشيخ عن وقوف اليمن على حافة المجاعة، فهي مثيرة للاهتمام، لأنها تصدر عن وسيط دولي، ولكن السيد ولد الشيخ قال نصف الحقيقة فقط، فاليمن دخل دائرة المجاعة منذ أسابيع، ولم يعد لديه ما يأكله بسبب الحصار المفروض عليه، فهذا الشعب جائع وفقير ومعدم حتى قبل بدء الحرب، فما بالك بعد استمرارها لما يقرب من الثلاثة أشهر، و فرض حصار جوي وبحري وبري خانق على جميع موانئه ومطاراته ومنافذه الحدودية من قبل أصحاب “عاصفة الحزم”؟ الحوثيون، و مثلما علمت هذه الصحيفة “رأي اليوم” من مصادرها يراهنون على حرب استنزاف طويلة للسعودية، و يعتقدون أن جبهة هذه الحرب هي الحدود الشمالية بالنسبة لليمن، و الجنوبية بالنسبة إلى السعودية، فطالما أن صواريخهم البدائية عاجزة عن إسقاط الطائرات السعودية الحديثة جدا، فلتوجه إلى القرى و المدن الحدودية السعودية و تسقط جنودا، و هكذا كان. الحرب البرية هي التي يجيدها الحوثيون و حليفهم الرئيس السابق صالح، أو على الأقل يستطيعون الصمود فيها، فليس لديهم الكثير الذي يمكن أن يخسروه، ف"صعدة" مدينتهم أو عاصمتهم بالأحرى، جرى تدميرها بالكامل، و كذلك جارتها عمران، و معهما كل البنى التحتية اليمنية، بما في ذلك ملاعب كرة القدم التي قيل أنها تحولت إلى مخازن للأسلحة. الحوار الدائر حاليا في أوساط الحوثيين هو حول نقطتين أساسيتين، وهما: الاستمرار في القصف بصواريخ الكاتيوشا والغراد، أم اللجوء إلى صواريخ “سكود” الأبعد مدى، والأكثر تدميرا، ثم كيف سيكون رد السعوديين في الحال الثانية، و هناك نقطة أخرى متفرعة، وهي عما إذا كان من المفيد التقدم في عمق الأراضي السعودية و احتلال قرى و مدن على غرار ما تفعل “الدولة الإسلامية” في العراق و سورية رغم القصف الجوي الأمريكي؟ و كيف سيكون رد السعودية في هذه الحالة؟ لا نعرف في هذه الصحيفة ما يمكن أن تتمخض عنه هذه الحوارات، و ما هو القرار النهائي للحوثيين و حلفائهم، و لكن ما نعرفه أن حرب الاستنزاف البرية على الحدود السعودية اليمنية ستتصاعد، و أعداد القتلة في الجانبين أيضا، مثلما نعرف أيضا أن الشعب اليمني الكريم الصابر الشهم لم يعد أمامه إلا احد خيارين: إما الموت بالقصف، أو الموت جوعا، أو الاثنين معا. افتتاحية رأي اليوم