المكان: السمسرة - مديرية المعافر – محافظة تعز. الزمان: ليلة الاثنين 17/10/2010م الحدث : الأطفال يحثون الخطى نحو مدارسهم. العمال والمعلمون كل يتجه صوب عمله، ومع الإشراقة الأولى للشمس دوت صرخة في فضاءات ذلك الصباح ليتوقف الجميع على نبأ مفزع. الكل هرول نحو شجرة، وما أدراكم ما في تلك الشجرة؟ إنه شاب في مقتبل العمر يتدلى على حبل مربوط في عنقه وقد فارق الحياة، ربما منذ ساعات، ولم يعد هناك جدوى من انقاذه. مسرح الجريمة مروع.. هناك أكثر من محاولة انتحار، حبل آخر معلق على الشجرة، ما الذي جرى في هذا المكان؟ وماذا عملت هذه الشجرة؟! في البداية حاول الناس التعرف على هوية الجسد فعرفوا أنه (وضاح أ . ع) الجوهري، فزفر الحاضرون نهدات الألم حسرة على هذا الشاب الذي مر بظروف قاسية ومريرة لم يستطع تحملها ومن المؤكد أنها كانت السبب وراء قيامه بهذا العمل ليودع الحياة غير آسفٍ عليها. نعم إنه شاب لديه مؤهل دراسي لكنه عاطل عن العمل.. متزوج وأب لطفلين بالإضافة إلى بقية أفراد أسرته الآخرين. وضاح تعلم مهنة الخياطة لكنه كان لا يجد عملاً في هذه المهنة إلا في مناسبات الأعياد كما سبق ووضع ملفه في الخدمة المدنية وفي كل عام يقف أمام كشف التوظيف ولا يجد إلاّ جواباً، مكرراً .. جدد القيد يا وضاح. فيعود إلى قريته بخطوات متثائبة.. وضاح كان قد قال لزملائه الخياطين شوفوا لي عمل وإلا سوف أنتحر، وكان هذا البلاغ من وضاح بعد خلاف مع والده الذي كان دائماً ما يطالبه بإيجاد حل لنفسه ووضعه. وضاح بسبب قسوة الحياة وعدم تقدير الآخرين لظروفه كان يسترق اللقاء بزوجته خلسة في جنح الليل ويغادرها مودعاً في أغلب الأحيان بدموع منكسرة قبل طلوع الفجر.. خوفاً وهروباً من التأنيب العنيف ممن لم يراعوا وضعه.. كما أن لديه طفلين كان لا يراهما إلا وهما نائمين فيطبع قبلاته على خديهما قبيل مغادرته دون أن يتمتع باحتضانهما وهما أيضاً لم يشعرا بدفء حنانه . ست سنوات والخدمة المدنية لم تنظر إلى ملف هذا الشاب.. ست سنوات عانى فيها وضاح الذي يشهد الجميع بسمو أخلاقه وعزة نفسه والذي كان عندما تحاصره الأزمات وتشتد المطالب يأوي إلى (ديمة) للحيوانات.. فيقضي بها ليلته بعيداً عن زوجته التي كان يشهد لها بالصلاح ووقوفها المستميت معه. هذه الزوجة التي رغم قسوة الحياة وضعف حال وضاح الاقتصادي إلا أنها كانت تبتلع الغصص الواحدة تلو الأخرى وتشد من أزر زوجها وتمنحه لمسة الحنان التي كانت تزوده بالصبر ليواصل سيره على الأشواك لكن يبدو أنه في ليلة الاثنين الماضي ضاقت الآمال أمامه وأغلقت كل نوافذ الحياة فقرر التوقف وإيقاف عداد عمره عند سبعة وعشرون سنة عندما لجأ إلى شجرة سامقة وربط عليها الحبل ووثق الخناق على رقبته ورمى بنفسه لكن الحبل كان رحيماً به وأراد أن يعطيه فرصة أخرى للتفكير فلعله يتذكر زوجته وطفليه في قرية العجيلة بني حماد ويتراجع عن قراره.. لكن وضاح كان قد أتخذ قراره ولم يكترث بالموت ولم يتراجع ولم ييأس وواصل المهمة بإصرار مقرراً عدم العودة إلى الحياة مرة أخرى فقام بخلع (معوزه) الذي يرتديه وواصل المعوز بالحبل وربطهما بإحكام وأعاد المحاولة مرة أخرى ليتدلى ويغادر دنيانا ولم يعرف أحد بعملية وضاح الانتحارية سوى صباح اليوم التالي لتكون فاجعة لا ينفع بعدها الندم.