فرحة عارمة تجتاح جميع أفراد ألوية العمالقة    الحوثيون يتلقون صفعة قوية من موني جرام: اعتراف دولي جديد بشرعية عدن!    رسائل الرئيس الزبيدي وقرارات البنك المركزي    أبرز النقاط في المؤتمر الصحفي لمحافظ البنك المركزي عدن    خبير اقتصادي: ردة فعل مركزي صنعاء تجاه بنوك عدن استعراض زائف    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    مع اقتراب عيد الأضحى..حيوانات مفترسة تهاجم قطيع أغنام في محافظة إب وتفترس العشرات    هل تُسقِط السعودية قرار مركزي عدن أم هي الحرب قادمة؟    "الحوثيون يبيعون صحة الشعب اليمني... من يوقف هذه الجريمة؟!"    "من يملك السويفت كود يملك السيطرة": صحفي يمني يُفسر مفتاح الصراع المالي في اليمن    تحت انظار بن سلمان..الهلال يُتوج بطل كأس خادم الحرمين بعد انتصار دراماتيكي على النصر في ركلات الترجيح!    الهلال بطلا لكأس خادم الحرمين الشريفين    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    براندت: لا احد يفتقد لجود بيلينغهام    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    تعز تشهد مراسم العزاء للشهيد السناوي وشهادات تروي بطولته ورفاقه    مصادر دولية تفجر مفاجأة مدوية: مقتل عشرات الخبراء الإيرانيين في ضربة مباغتة باليمن    المبادرة الوطنية الفلسطينية ترحب باعتراف سلوفينيا بفلسطين مميز    شاب عشريني يغرق في ساحل الخوخة جنوبي الحديدة    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    عاجل: البنك المركزي الحوثي بصنعاء يعلن حظر التعامل مع هذه البنوك ردا على قرارات مركزي عدن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و284 منذ 7 أكتوبر    الحوثي يتسلح بصواريخ لها اعين تبحث عن هدفها لمسافة 2000 كيلومتر تصل البحر المتوسط    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    لكمات وشجار عنيف داخل طيران اليمنية.. وإنزال عدد من الركاب قبيل انطلاق الرحلة    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    حكم بالحبس على لاعب الأهلي المصري حسين الشحات    النائب العليمي يؤكد على دعم إجراءات البنك المركزي لمواجهة الصلف الحوثي وإنقاذ الاقتصاد    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    الإخوان في اليمن يسابقون جهود السلام لاستكمال تأسيس دُويلتهم في مأرب    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    جماهير اولمبياكوس تشعل الأجواء في أثينا بعد الفوز بلقب دوري المؤتمر    مليشيا الحوثي تنهب منزل مواطن في صعدة وتُطلق النار عشوائيًا    قيادي في تنظيم داعش يبشر بقيام مكون جنوبي جديد ضد المجلس الانتقالي    بسبب قرارات بنك عدن ويضعان السيناريو القادم    تقرير حقوقي يرصد نحو 6500 انتهاك حوثي في محافظة إب خلال العام 2023    لجنة من وزارة الشباب والرياضة تزور نادي الصمود ب "الحبيلين"    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    الامتحانات.. وبوابة العبور    رسميا.. فليك مدربا جديدا لبرشلونة خلفا للمقال تشافي    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    حكاية 3 فتيات يختطفهن الموت من أحضان سد في بني مطر    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    وزارة الأوقاف تدشن النظام الرقمي لبيانات الحجاج (يلملم)    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    اعرف تاريخك ايها اليمني!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    رسالة غامضة تكشف ماذا فعل الله مع الشيخ الزنداني بعد وفاته    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن ليست توكل كرمان ومصر ليست اليمن!
نشر في يمن لايف يوم 19 - 07 - 2013

اليمن ليست مصر. هذه هي الحقيقة المتبصّرة، المتحررة من العاطفة والمتحرية الموضوعية والنزاهة. كما إن الثورة الشبابية اليمنية التي تم احتوائها، وإخماد روحها الثورية، بالمبادرة الخليجية ليست بأي حال من الأحوال، كثورة 25 يناير ولا كثورة، أو انتفاضة، أو حتى انقلاب!، 30 يونيو.
عدا ذلك، وإضافة إليه، فإن إخوان مصر ليسوا كإخوان (إصلاح) اليمن لا في ماضيهم ولا حاضرهم. كان الاخوان المسلمون كتنظيم عالمي يواجهون على الدوام، الجحيم في مصر والنعيم في اليمن. قُمٍعوا في مصر وكانوا هم على العكس أداة القمع في اليمن.
هذه القراءة تقدم تحليلاً تاريخياً معمقاً، ووجهة نظر شخصية طبعاً، من خلال صورة مكبرة للمشهدين اليمني والمصري منذ ستينات القرن الماضي حتى انتفاضة 30 يونيو وتداعايتها.
** **
اليمن ليست مصر.
بينما كان حبل المشنقة يلفّ حول عنق سيّد قطب، الكاتب الفذُّ الذي تؤلمني نهايته وأُجرّم إعدامه، كان الإخوان المسلمون يستولون على الحكم في اليمن بانقلاب أغسطس 1967م، المدعوم سعودياً، الذي أوصل إلى الحكم القوى التقليدية، المناهضة للوجود المصري، من شيوخ القبائل ورجال الدين مقوضاً ثورة 26سبتمبر 1962م.
وبينما كان معظم إنتاج السينما المصرية (أفلام عادل إمام مثلاً) يصور الإخوان المسلمين كجماعة متشددة تعتنق العنف وتعتزل عن المجتمع إلى السراديب المظلمة، كان الشيخ عبد المجيد الزنداني يؤلّف كتاب التوحيد المقرر ضمن المنهج التعليمي على جميع طلاب التعليم الأساسي في اليمن ويسهم في صياغة عقول النشء والأطفال عقائدياً،
وحتى عندما قام الرئيس علي عبدالله صالح بإغلاق المعاهد العلمية، التي كانت بمثابة مضخة للفكر الإسلامي في المجتمع، كان الآلاف من كوادر الحركة الإسلامية الخام، سلفيين وإخوان، يتخرجون سنوياً من جامعة الإيمان، التابعة للشيخ عبد المجيد الزنداني.

يمكن سرد العشرات من الأمثلة:
فيبنما كان الرئيس جمال عبد الناصر يتهكم في خطاباته من مرشد الإخوان المسلمين، والرئيس السادات يحذر منهم ويحرّض عليهم، بلغة متشنجة، في خطابات رسمية تنقلها كل الإذاعات والصحف والقنوات الفضائية إلى كل بيت في مصر، كان الإخوان في اليمن هم من يقررون ما الذي يقال للشعب وما لا يقال. والفترة الوحيدة التي شعروا بالتهديد، أو بخطر المنافسة، كانت بين 1990م و1994 قبل إقصاء شريك الوحدة الاشتراكي.

كان قادة إخوان مصر قابعون في سجون أمن الدولة المصرية بينما كان محمد اليدومي، رئيس كبرى الأحزاب الإسلامية، يزرع خلايا التنظيم في جهاز الأمن السياسي.

وبينما كان الرئيس مبارك وحبيب العدلي منهمكان في حملة اعتقالات واسعة لكوادر الإخوان عقب آخر انتخابات برلمانية كان الرئيس علي عبدالله صالح يبشّر بتأسيس هيئة الفضيلة ويفتح القصر الجمهوري لاستقبال الشيخ الحزمي والذارحي وقيادات التنظيم المحلي.

وفي حين حافظ الجيش المصري على بناءه المؤسسي وولاءه الوطني، رغم محاولات مبارك تدجينه، جرت أخونة الجيش اليمني بالتدريج على يد اللواء علي محسن الأحمر الذي عاش وتقوى على إشاعة أنه أخ الرئيس السابق غير الشقيق ل32 عاماً، ثم عاش وتقوى من جديد على أنه خصمه اللدود وحامي الثورة عليه منذ 21/4/2011م فما فوق! (نجح في الحالتين!)

وبعد، يمكن القول إن تنظيم الإخوان المسلمين واجه على مدى نصف قرن الجحيم في مصر، والنعيم في اليمن. ويكفي أن مرشد الإخوان المسلمين الحالي محمد بديع كان السجن في انتظاره في مصر، أو التضييق والمراقبة على الأقل، بينما كانت في انتظاره في اليمن كلية الطب البيطري التي أسسها هو بنفسه مضيفاً إلى سيرته الذاتية إنجازاً شخصياً في بلد يشعرك كما لو أنه لم ينجب طبيباً بيطرياً واحداً جديراً بتأسيس كلية!

باختصار اليمن ليست مصر، أقول للحالمين بالتغيير والخائفين منه، وإن كانت اليمن تكرر، على الدوام، تجارب مصر بنسخ أقلّ كفاءةً وأكثر انحرافاً وتشوهاً. وهذه هي الأسباب:
** **

اليمنيون يهربون من إخفاقات الداخل إلى ملاهي الخارج!

اليمنيون من كوكب آخر. يناقشون أزمات العالم والكهرباء طافية في بيوتهم، بالساعات والأيام، وليس في مصر ولا أفغانستان ولا حتى سوريا!

اليمنيون غير.
نتحدث عن ناطحات السحاب من داخل حفرة! وندعو العالم إلى احترام إرادة الشعوب وإرادتنا كشعب مصادرة ودولتنا بلا سيادية ولا استقلال ولا قانون. كيف نجرؤ على إدانة تدخّل دول الخليج في تقرير مستقبل مصر واليمن محكومة أصلاً بالمبادرة الخليجية والدستور معطل؟ وكيف نتباكى على سيادة مصر أو سوريا بينما بوارج العالم كله مقيمة في مياهنا الإقليمية، والطائرات الأمريكية من دون طيار تحلق في سماءنا كما لو أنها من الطيور اليمنية الأصلية!

والشباب اليمني المستاء من تعيين حازم الببلاوي رئيساً لوزراء مصر لكونه كبير السن كأنما نزلت عليه صاعقة حتى غفل، أو تغافل، عن أن رئيس وزراء ثورة الشباب محمد باسندوة كان أحد مفاوضي الاحتلال البريطاني في 1967م، وأن عبدالكريم الإرياني، المعمّر الآخر، رئيس مؤتمر الحوار الوطني كان وزيراً وسياسياً بارزاً قبل وفاة جمال عبدالناصر (وما يزالان صالحان للاستخدام حتى اليوم مع أن أنسب مكان لهما هو المتحف)! يسري ذلك أيضاً على جميع أمناء الأحزاب ومعظم النخب السياسية حسب مقال للزميل Sami Ghaleb.

ولا فرق بين مؤيد ومعارض. فاليمنيون الذين يلعنون، أو يثنون على، حكم العسكر في مصر هم ذاتهم الذين نصبوا رئيساً للجمهورية من العسكر! والذين يشتمون الفريق عبدالفتاح السيسي بحماسة هم أكثر من امتدح اللواء المنشق علي محسن مع أن الأول، رغم تحفظي على المقارنات التبسيطية، لم يخض ثلاث حروب أهلية كالأخير الذي لا يحسن نطق أربع جملة بعربية صحيحة! ثم هل من النزاهة الموضوعية بأي حال من الأحوال تجاهل الفروق الجوهرية بين المؤسسة العسكرية المصرية، التي وطدها عبد الناصر وأسسها عرابي، بولائها الوطني ب"المؤسسة" العسكرية اليمنية ذات الولاءات القبلية والعشائرية والعائلية؟
هيهات
واليمنيون الساخطون من التدخل السعودي في الشأن المصري، أو المباركون له، كأنما لا يشعرون بالإهانة ولا يجرح كبرياؤهم وهم يرون بلادهم حديقة (إن لم تكن حظيرة) خلفية للسعودية! على الأقل قدمت الرياض دعمها المتمثل بخمسة مليار دولار للدولة المصرية ومؤسساتها الرسمية بينما تقدم دعمها في اليمن، وهو أقل بخمسة أضعاف، ليس للدولة ولا لأي من مؤسساتها الرسمية وإنما لمشائخ الدين والقبيلة وكل القوى الخارجة عن الدولة والمقوضة لسلطتها عبر اعتمادات اللجنة الخاصة.
لماذا؟
لأنه لا توجد في اليمن دولة ولا مؤسسات راسخة تخشاها الرياض ولا رأي عام ضاغط، ولا مزاج شعبي متقلب يصعب توقع ردة فعله. وإذن فالأولى باليمنيين الساخطين من السعودية في مصر، أن يتخذوا موقفاً شجاعاً ولو لمرة تجاه السعودية وهي تنكلّ بالمغتربين، وتتعسف بحق العمالة اليمنية مرحلة عشرات الآلاف منهم بإذلال ومهانة!

ولا فرق بين من ينعتون 30 يونيو ب"الانقلاب" أو يصفونه أنه "ثورة" (وأنا أحدهم). فالمعجبون بالهوية الجامعة للشعب المصري وحبهم الأسطوري لبلدهم هم في اليمن ممزقون كل ممزق: طائفيون وعصبويون، سادة وقبائل، حاشد وبكيل، ومطلع ومنزل، حوثي وحراكات وإقليم تعز وزيود وشوافع، بل وجماعة تصوم خارج دار الإفتاء وقبل سائر الشعب بيوم. نحن، ويؤلمني قول ذلك، لسنا شعباً بل جزراً ممزقة إلى هويات صغيرة!

والمنقسمون، تأييداً أو رفضاً، لحشود 30 يونيو المبهرة هم في اليمن لا يؤمنون بمشاركة المرأة في المظاهرات، وهم ضد الاختلاط، ولا يؤمنون بالحرية، لا الاعتقادية ولا على مستوى السلوك الفردي. حتى النخب السياسية التي أعلنت تأييدها ل30 يونيو كالحزب الاشتراكي، أو رفضها ل30 يونيو كحزب الإصلاح "الاخواني"، كلاهما في اليمن على نقيض جبهة الإنقاذ من جهة الاشتراكي، أو العدالة والبناء كمرادف للإصلاح. فالقصر الجمهوري ما يزال في عهدة الفلول وفق لغة الشارع المصري. والقابع فيه أحد رجال الرئيس السابق والحزب الحاكم السابق "المؤتمر الشعبي" المعادل اليمني للحزب الوطني في مصر وكأن ثورة لم تقم في اليمن بعد في الوقت الذي أنجز المصريون ثورة ثانية.
** **

لهذه الأسباب: ثورة سبتمبر أعظم من ثورة المبادرة الخليجية


عدا ذلك، وإضافة إليه، إليكم جملة من الحقائق الصادمة التي تقوض أي إسقاط أو مقارنة سطحية بين مصر واليمن:

لنعد إلى الوراء قليلاً.
أثناء الانتخابات الرئاسية المصرية قبل عام كان كثير من اليمنيين ينتقدون أحمد شفيق بوصفه "فلول". وفق معيار أن كل من عمل مع الرئيس السابق فلول بوسعنا القول، مطمئنين، أن كل النخب السياسية اليمنية، مع استثناءات طفيفة، فلول بامتياز. فالرئيس الحالي كان نائباً للرئيس السابق 17 عاماً، فيما كان رئيس الوزراء مستشاراً للرئيس السابق، وما زال رئيس جهاز القمع السياسي في منصبه منذ 34 عاما ولم تزحزحه الثورة سنتمتراً عن منصبه، ورئيس البرلمان ونائبه أيضاً من رجال النظام السابق، حتى حميد الأحمر الملياردير الاخواني والمعارض الشهير لصالح، منذ 2006م على الأقل، كان في منتصف التسعينات حارساً شخصياً للرئيس السابق كما اعترف هو ذاته في مقابلة على قناته سهيل. ورئيس أكبر أحزاب المعارضة الإصلاح (الاخوان) كان حتى مطلع التسعينات نائباً لمدير جهاز الأمن السياسي في الأمانة..
بل يكاد يكون القاسم المشترك الأبرز بين النظامين السابق والحالي، وبين الثوار والفلول، على حد سواء، أن كل صناع القرار الفعلين في اليمن هم بالضرورة من رجال السعودية ومخزونها الاستراتيجي حسب تعبير الليموند الفرنسية.

بالمقابل ثار المصريون على رئيس جديد كان سجيناً عند اندلاع ثورة يناير وصل إلى الحكم بانتخابات تنافسية نزيهة وليس انتخابات ليس فيها إلا مرشحاً واحدا نافس نفسه كما هي حالنا!

وبينما كان مبارك مرمياً ونجليه في سجن طرة كان علي عبدالله صالح يحاضر في ميدان السبعين كأنه مانديلا!

أليس هذا كافيا لنكف عن المقارنة التسطيحية بين البلدين وثورتيهما؟
لا أريد التقليل من بلدي وشعبي وقدراته ولكني لا أقبل تزوير الوعي الجمعي والقفز على الواقع! على اليمنيين أن يواجهوا واقعهم أولا وأن يدركوا جيدا أن اليمن ليست مصر، وأن ثورة الجامعة ليست كثورة يناير ولا كانتفاضة 30 يناير!

إليكم مقاربةً إضافية أشد وضوحاً وأقل إثارة لحفيظة اليمنيين:
لم تعترف السعودية بالجمهورية المعلنة في 1962م إلا بعد 7 سنوات من الصراع الشديد بين صنعاء والرياض أو بالأحرى بين الرياض والقاهرة فقد كانت ثورة سبتمبر "ثورتنا" كما كان الرئيس جمال عبد الناصر يقول. أما "ثورة الشباب" 2011، فإنها لم تعلن عن جمهورية ثانية أصلا كما لم تواجه السعودية أي حرج للاعتراف بها، أو تحذير شعبها منها، فقد حزم اليمنيون حقائبهم وذهبوا كبائسين أنهكم الصراع إلى مملكة آل سعود ووقعوا المبادرة الخليجية بين يدي الملك عبد الله بوصفه راعيا لليمنيين ومقررا لأرزاقهم، وحكما لخلافاتهم..
ما يعني ببساطة شديدة، ودون غنائيات حماسية، أن ثورة 26 سبتمبر، التي كان قادتها يهددون المملكة بالزحف إلى الرياض، مسندوين من جمال عبدالناصر، كانت متقدمة على "ثورة المبادرة الخليجية" التي انتهت بقطبي الثورة والنظام لنيل رضا الرياض ومباركتها.

بعبارة أخرى كانت ثورة سبتمبر 1962 تعبيراً شعبياً عن الرفض للوصاية السعودية والأذية النفسية الهائلة التي ألحقتها بالشعب اليمني معاهدة الطائف والهزيمة العسكرية ثم، بعد ذلك، اقتطاع ثلثي مساحة اليمن ممثلة بجيزان ونجران وعسير.

ثورة فبراير 2011، بخلاف سبتمبر، هي بامتياز ثورة رجال السعودية المضادة على الربيع اليمني الذي بدأ شبابياً وشعبياً وانتهى إلى أحضان رجال السعودية الممولين بالمال والسلاح والنفوذ التاريخي.

باختصار اليمن ليست مصر. ولا مجال للمقارنة بين بلد الصوت الأعلى فيه للإعلام والفن والفكر، ببلد لا يفتح آذانه إلا لرجال الدين وأمراء الطوائف كاليمن. حتى على مستوى البنية التحتية. كانت مصر قد قطعت مؤسسياً ما لم تقطعه دولة عربية في عهد محمد علي باشا فأين كنا وقتها وفي أي جهل وتخلف إمامي؟

وعندما كان المصريون يشيّدون مثلاً كوبري أبو العباس سنة 1906 كان اليمنيون يتنلقون وقتها بالحمير والدواب!

ينبغي أن نواجه أنفسنا ونقف على حقيقة الواقع اليمني:
كم عدد الكتب المترجمة في اليمن؟
كم مبيعات تذاكر السينما؟
كم نسبة الأمية؟
كم مشترك في اليوتيوب؟
لقد سجل تصريح البلتاجي حول الأعمال المسلحة في سيناء أكثر من نصف مليون مشاهدة في موقع يوتيوب خلال أسبوع واحد بينما مكالمة علي محسن وحسن أبكر، على خطورتها، المتعلقة بالافراج عن أحد المتهمين بقتل متظاهري جمعة الكرامة لم تسجل سوى بضع آلاف من المشاهدات خلال 7 أشهر!

كم عدد المشتركين في أكبر مجموعة يمنية ب"فيسبوك"؟
عشرة ألف. هل يقارنون ب5 مليون مشترك في خالد سعيد المصرية؟

باختصار اليمن ليست مصر وإذا ما كنتم تطمحون إلى إنجاز فعل تغيير كالذي يتخلق في مصر، أو تخشون منه، فواجهوا أولاً مشاكلهم الداخلية قبل التورط في أي حلم ينتهي إلى كابوس، أو كابوس لا يؤدي إلى حلم!
** **

أمّ اليمنيين تتصرف كزوجة أبيهم!

أقول كل هذا وأنا أستحضر منشورات الزميلة توكل كرمان التي تحولت 360 درجة خلال أسبوع واحد وكنت لأقول إنه حقها في التناقض مع نفسها، لو لم تثر منشوراتها المتشنجة موجة استياء وغضب عارمين لدى الشعب المصري أخذت طابع المواجهة بين الشعبين المصري واليمني اللذين تربطهما أمتن صلات تاريخية ومشاعر حب وود عميقين وقاتلا جنباً إلى جنب، ذات يوم، وروى بدمائهم النقية تراب اليمن، وكان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يقول بكل صدق واعتزاز وكما لم يقل أحد: "الثورة اليمنية ثورتنا".

إنني أخشى أن تتسبب آراء توكل، بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا معها، في موجة كراهية وعداء لكل ما هو يمني شعباً وبلداً.

إن قراءة سريعة لردود الفعل في مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أسوأ المخاوف ويبدو أن توكل غير مكترثة كعادتها ما دامت تسجل بطولات شخصية، والخوف كل الخوف أن ينعكس الجنون الشعبي، الذي لا يكبحه عقل ولا يردعه حِلم، على آلاف اليمنيين المقيمين في مصر أو قاصديها من اليمنيين المرضى وهم بمعدل طائرة ممتلئة أسبوعياً.

أرجوك يا توكل توقفي.
أنت تحملين جائزة تجعلك تنتمين إلى الإنسانية كلها فلا تحبسي نفسك في جماعة مترينXمتر!

لا تفعلي ذلك من أجلنا نحن، ولا توسوس لك النفس الأمارة بالسوء أن أي تراجع منك، أو استراحة، أو تخفيض سقف، هي استسلام منك للانقلابيين، كما صرتي تسمينهم، مع إعلان موقف مجلس حقوق الإنسان وبعض الجهات الدولية! أرجوك. فكري باليمنيين الذين يمرون يومياً من مطار القاهرة.

كان المصريون في السابق يستقبلون طائرة اليمنية بالتهكم الودود فيتحدثون عن "طيارة العيانين" وشعب عبدالله صالح، كما يقولون، وشعب القات. أظنك سمعت عن العدائية التي بدأت تتفاشى حتى انعكست على طريقة استقبال اليمنيين "المتخلفيين" (هكذا قيل لعدة مسافرين بلا سبب) في مطار القاهرة. وكل هذا تزايد بعد منشوراتك المقدسة (لدي أقارب سافروا منذ أيام وبوسعك استقصاء مشاعر المصريين لا من مواقع التواصل الاجتماعي فحسب وإنما من الطلاب اليمنيين المقيمين بمصر).
ثم هل عليّ أن أذكرك بما قالته العرب قديماً:
كتاركة بيضها في العراء وملبسة بيض أخرى جناحاً.

يا أخت توكل أقسم بالله إنك تستطعين بالجائزة التي حزتها، وشرفنا جميعاً بها، أن تصنعين معجزات حقيقية في اليمن، معجزات صناعية واقتصادية تصل إلى كل ريف وكل قرية لا أن تُقفِّصي طموحك وتختزليه في مقرٍّ من دورين لمجلس شباب ثورة، هو واحد من عدة كيانات سبق لك أن أنشأتها، وكنت ألاحظ الإعلان المدفوع للمجلس حاضراً على يسار شاشة فيسبوك (بصورتك) أثناء ما كنت معترضة على الحوار الوطني، ثم إن الإعلان اختفى، أو لنقل تناقصت نشراته ولم تعد فيه صورتك وإنما شعار المجلس، مع "قبولك" تكليف رئيس الجمهورية وعودتك للحوار!

فكري في معاناة اليمنيين وتصرفي بسلوك من تدعي أنها أمّ اليمنيين لا زوجة أبيهم!

وللمصريين أقول: نحن نحب مصر بذات القدر الذي نحب اليمن، ونحترم خياراتكم أيا كانت. بل إن من الجحود وذهاب البصر والبصيرة ألا ننظر كيمنيين بإعجاب وانبهار الى تلك الحشود المليونية التي لم يسبق لها أن خرجت من قبل 30 يونيو على مستوى العالم. بوركتم. تحيا مصر أم الدنيا.

(هل أقول تحيا اليمن) للأسف لم نتعود عليها كالمصريين!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.