1- الفرق كبير بين المذاهب، وبين الجماعات المذهبية المسلحة، ورفض سلاح ومليشيات جماعة مذهبية معينة لا يُمكن أن يُؤخذ باعتباره رفضاً للمذهب الذي تنتمي إليه هذه الجماعة. 2- ينطلق عدم التفريق بين المذاهب، وبين الجماعات المذهبية المسلحة، من هوية وطنية مأزومة لا ترى هوية المجتمع في تعدده وتنوعه المدني، بل في حضوره العصبوي المسلح. 3- تمسك أي جماعة، مذهبية أو طائفية، بالسلاح يدفع المجتمع إلى حرب/ حروب أهلية، لهذا لا يُمكن التعامل مع أي جماعة تمتلك السلاح والمليشيات إلا باعتبارها تهديداً مباشراً للدولة، وللمجتمع، وللهوية الوطنية. 4- بالضرورة، تكون الجغرافيات المذهبية والطائفية أكبر من جماعاتها العصبوية، لهذا عادة ما يبدأ الصراع داخل الجماعات العصبوية المنغلقة، لأن السيطرة على الجماعة مقدمة ضرورية ولازمة للسيطرة على ما خارجها: الوطن. وجميعنا يتذكر المجازر التي ارتكبها بشير الجميل، بعد انطلاق الحرب الأهلية في لبنان، تحت راية توحيد البندقية المسيحية.. كما نتذكر المواجهات التي حدثت بين حركة أمل وحزب الله خلال تلك الحرب. 5- عندما تتراجع الهوية الوطنية لصالح الهويات العصبوية الضيقة يتحول التعدد والتنوع المذهبي والطائفي من ميزة مجتمعية إلى خطر يتهدد الدولة والهوية الوطنية، وتصبح، بالضرورة، التعبيرات المذهبية ذات النزوع العصبوي المنغلق، جماعات غير وطنية؛ من حيث تحولها إلى خطر فعلي يُهدد الوطن، وهويته وسلمه الاجتماعي. 6- في الغالب؛ تدفع محاولات احتكار التمثيل المذهبي والطائفي بجماعات البؤرة إلى إقصاء وتهميش التعبيرات العصبوية المنافسة. وقد لاحظ أحد الأصدقاء كيف أن قائمة جماعة الحوثي بممثليه في مؤتمر الحوار لم تتضمن أياً من أبناء الأسر الزيدية المشهورة في صنعاء. والمعنى هو أن عملية الإقصاء لا تم فقط للمنافسين المحتملين الذين يمتلكون الشروط الموضوعية للمنافسة (القوة)، بل تصل إلى التعبيرات الأضعف ذات الإرث التاريخي المرتبط بالقيادة. 7- رفض الحضور المسلح للجماعات المذهبية والطائفية ليس رفضاً للتعايش، أو عدم قبول بالآخر، بل هو رفضاً لهيمنة خيار القوة والعنف على الحياة العامة. وفي العادة، يُطالب الناس بنزع أسلحة هذه الجماعات لا التعايش معها. 8 - جميع علماء الاجتماع والسياسة يتعاملون مع الجماعات المذهبية والطائفية والعرقية والإثنية كبور صراعية محتملة تصبح خطرة، ومهددة للسلم الاجتماعي، عندما تتجه، جميعها أو إحداها، نحو تسليح نفسها وبناء حضورها العام على منطق القوة والسلاح، عندها لا يصبح التنوع فضاءً إنسانياً للتعدد البناء، بل وسيلة للتحشيد بحثاً عن مقاتلين. 9- أهم ما يُميز الدول هو احتكارها للعنف (القوة العسكرية والأمنية)، لهذا فامتلاك أي جماعة، مذهبية أو غيرها، للسلاح والمليشيات المنظمة هو تهديداً مباشراً لوجود الدولة، وللسلمي الاجتماعي، وللهوية الوطنية. 10- ولأن هذه الجماعات تعمل على إنتاج الأزمات، وتهديد استقرار الوطن وهويته، تصبح، بالضرورة، جماعات غير وطنية. 11- تعمل هذه الجماعات على إعادة فرز المجتمع وتقسيمه إلى أتباع، وجماعات مصمتة (محايدة)، وأعداء مفترضين يجري خلقهم ضمن معسكر "الآخر" المذهبي أو غير المذهبي، ثم يتم الدفع نحو تحويل الوجود الاجتماعي لهؤلاء الأعداء المفترضين إلى مشكلة تُهدد مذهب وهوية الجماعات العصبوية، التي تصبح حروبها "حروباً بطولية مقدسة"! 12- بشكل مستمر، يتم تحويل كل ما هو "آخر" إلى عدو مفترض، وهؤلاء "الأعداء"، الذين يتم اختلاقهم وصناعتهم، يضفون حالة من "الشرعية" على وجود الجماعات العصبوية المسلحة، التي تعمل، بشكل تدريجي، على تحويل التكوينات المذهبية والطائفية الأخرى في المجتمع إلى مُعسكرات عامة للأعداء. 13- تتحول عملية صناعة وخلق الأعداء، عبر تحويل كل ما هو "آخر" إلى عدو مفترض، إلى آليات واعية وغير واعية مرتبطة بوجود ومستقبل الجماعات العصبوية المسلحة، التي تستخدم هذه الآلية لفرض هيمنتها على محيطها المذهبي أو الطائفي كمقدمة للسيطرة على "الآخر"، وإخضاعه. 14- مع الوقت، تتحول قيادات هذه الجماعات من "زعامات مذهبية" ذات تعبيرات "بطولية" إلى زعامات ميليشوية. وتؤكد تجارب التاريخ أنه عندما تفشل قيادات الجماعات المسلحة في توفير الاحتياجات الأساسية لمقاتليها يتحول هؤلاء إلى عصابات لممارسة العسف والظلم الاجتماعي.