مناقشة استعدادات القطاع الصحي للاحتفاء بذكرى المولد النبوي    وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في مركز بعله الصحي بذمار    وجع بحجم اليمن    رامي المحمود وفعل الإدارة الوطنية للإفراج عنه    فعالية لشركتي النفط والغاز بذمار بذكرى المولد النبوي    هل ينجح برشلونة في تجاوز حاجز ال100 هدف في الليغا؟    تقرير أممي: نزوح داخلي لعشرات الأسر اليمنية لاسباب متعددة    الاصاد يحذر من أمطار رعدية مصحوبة بحبات البرد على 9 محافظات خلال الساعات القادمة    جلسة عاجلة لمجلس الأمن لبحث خطة إسرائيل لاحتلال غزة    روسيا تحذر إسرائيل من عواقب وخيمة بعد قرارها احتلال غزة    شكراً للفريق السامعي الذي ألف بينهم    أحمد سيف.. الذاكرة التي لا تغيب وصوت الدولة المدنية    أسعار الصرف مقابل الريال اليمني الأحد 10 أغسطس/آب 2025    الدكتورة زايد : هذا ما يحدث للإنسان عند فقدان أحد الأسنان    بعد محاولة اختطاف طفلة في ذمار .. ظاهرة اختطاف الأطفال يعود إلى الواجهة    البيض ماذا يريد بالضبط؟؟    رسميا.. النصر يضم مدافع برشلونة    علماء يكتشفون أن نقص عنصر غذائي "شائع" قد يسبب الزهايمر    فوائد صحية لتناول القرفة لا يعرفها كثيرون    المناظرة اليتيمة التي طأطأت رأس الإمامة في التاريخ!    مأرب بلا كهرباء.. الفساد يلتهم جزء من موازنة المحطة الغازية ويخرجها عن الخدمة    تراجع حوادث الدراجات النارية بنسبة 65%    وزارة التربية والتعليم تعلن نتيجة الدور الثاني لاختبارات الشهادة الأساسية    مقتل 3 مسلحين وشرطي في هجوم على قوات الأمن في إيران    مواصفات حواسب Galaxy الجديدة من سامسونغ    عودة 6 صيادين بعد أشهر من الاختطاف في سجون العدوان السعودي    جيولوجيون يعثرون على آثار كارثة كونية في قاع المحيط    بالعلامة الكاملة.. نيوزيلندا في ربع النهائي    موريتانيا تنعش آمالها في بلوغ ربع نهائي كأس إفريقيا للمحليين    مواجهة نارية مساء اليوم بين ليفربول وكريستال بالاس    مركز الراهدة الجمركي يحبط عمليتي تهريب كمية من الأدوية والإلكترونيات    لماذا تتجعد أصابعنا في الماء تفسير طبي    الدكتور عبدالله العليمي يعزي أمين عام محلي شبوة عبدربه هشلة في وفاة شقيقه الشيخ محمد هشلة    البرازيلية ألين تنتقل من الهلال إلى العلا    وقف صرف مرتبات المسؤولين بما فيهم أعضاء مجلس الرئاسة بالعملة الأجنبية    الانفصال الذي يسوّقه إخوان اليمن على مقاسهم    لا للمنطقة العسكرية الاولى ولا للكلاب الحمر و للجرو الرضيع من ثديها    السكوتر ينقذ مدرب جوام    شباب المعافر يخطف نقطة ثمينة من شباب المسراخ في بطولة بيسان    إصلاح المهرة ينفذ برنامجاً تدريبياً لتعزيز قدرات كوادره في الإعلام الجديد    الإعلام والمسؤولية الوطنية    امن ذمار ينظم فعالية خطابية احتفاء بذكرى المولد النبوي    وزير الثقافة والسياحة يؤكد على أهمية الدور التنويري للمثقفين والأدباء    الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية وهبوب رياح شديدة السرعة    رحلة في متاهات الوطن    انتقالي حضرموت يشارك في ختام مهرجان خريف حجر السنوي ويطّلع على أبرز فعالياته    انتقالي الضالع يدشن المرحلة الثالثة من تمكين المرأة اقتصادياً    تعز.. نقطة عسكرية تحتجز نائب مدير موانئ الحديدة وأسرته والمحور يرفض توجيهات المحافظ    استئناف أعمال الترميم والصيانة في قلعة القاهرة التاريخية بتعز    فؤاد الحميري، له من اسمه نصيب    هل هما شخص واحد.. الشبه الكبير بين البغدادي والشيباني    عشر سنوات من العش والغرام واليوم فجأة ورقة طلاق    لهايات للبالغين تنتشر في الصين لتخفيف التوتر والإقلاع عن التدخين    بيت هائل.."نحن الدولة ونحن نقود البلد وهم يتبعونا!!"    مهرجان القاهرة السينمائي يطلق «CAIRO'S XR»    المدرسة الديمقراطية تكرم الصحفي حسن الوريث    في تريم لم تُخلق النخلة لتموت    من أين لك هذا المال؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآن وتجديد القراءة
نشر في يمن برس يوم 25 - 02 - 2016

كيف نقرأ القرآن؟ سؤال نتجت عنه أسفار ضخمة على طول تاريخ المسلمين، في محاولات للوصول إلى قراءة النص القرآني القراءة المنسجمة مع خصائص النقل وثوابت العقل، أو القراءة التي تأخذ بالسياقين التاريخي والمعاصر لهذا النص.
النص القرآني نص ديني يدخل ضمن دائرة «النصوص المكثفة/Intensive text»، التي تحتاج إلى عمليات عقلية مستمرة للغوص في طبقات كثافتها للوصول إلى دلالات النصوص ومآلاتها. وأي نص يحتاج إلى تأويل هو بالضرورة نص مكثف، كالنصوص الشعرية والأدبية التي تستعمل فيها اللغة استعمالاً مجازياً غالباً. والتأويل هو أداة «القراءة النصية» التي تتوخى النظر إلى النص باعتباره «كتلة لغوية»، تتم مقاربتها بعملية معقدة تتداخل فيها عوامل كثيرة فكرية وفلسفية وعاطفية ووجدانية، كما تدخل فيها العوامل النصية والسياقية والاجتماعية المختلفة، ولذا اختلفت التأويلات للنصوص الدينية المختلفة، ومنها النص القرآني، باختلاف تلك العوامل التي تشكل مرجعيات أو محددات التأويل.
لدى الفيلسوف الألماني هانز جورج غدامر (توفي 2002)، مصطلح حاول به تلخيص منهجه في التعامل مع النصوص، وهو ما أطلق عليه «دمج الآفاق». وفي شرح المصطلح يتعرض غدامر لقضية تأويل النص، ويذكر أن هناك من يتناول النصوص من منطلق ظروفها التاريخية والسياقية التي رافقت ميلادها، بينما يرى آخرون ضرورة التركيز على ضرورة تأويل النصوص بالنظر إلى الواقع التاريخي للقراءة، أي بمعنى تأويل النصوص وفقاً للظروف التي تحيط بالمؤوِّل/القارئ، لا بالظروف التاريخية التي رافقت نشأة النصوص وتولدها. وفي محاولة للجمع بين المدرستين حاول غدامر أن يقول بضرورة مراعاة الماضي والحاضر في تأويل النصوص، مراعاة الظروف التاريخية المحايثة التي ولد فيها نص ما، مع الظروف التي تحيط بالمؤولين، حتى لو كان الفاصل بين ظروف الماضي وظروف الحاضر آلاف السنين.
وبالعودة للنص القرآني فإن تأويله يصح أن يقوم على أساس من دمج أفقي القراءتين التاريخية والمعاصرة، على أن تسير القراءة وفقاً لمحددات الدلالة في النص باعتباره إشارة لغوية أولاً، ثم التركيز على غيرها من الإشارات السياقية التي حايثت هذا النص. النص القرآني «كتلة دلالية»، ينبغي أولاً تحليلها على أساس أنها مجموعة من «الدَّوال اللغوية»، ومن ثم النظر إلى السياقين: التاريخي والمعاصر لهذا النص. ولا شك أن التركيز على السياق التاريخي للنص القرآني مهم، لأنه يكشف لنا بواعث هذا النص وجانباً مهماً من دلالاته، كما أن الانتباه إلى الظروف المعاصرة للمؤوِّل/القارئ مهم، لأنه يعطينا المجال لعملية إسقاط ناجحة للنص على الواقع المغاير للواقع الذي نشأ فيه النص موضع القراءة.
كنت مرة في حلقة نقاش في لندن حول تواتر النص القرآني، فقال أحد الطاعنين في «موثوقية النص»، إن «النص القرآني الذي بين أيدينا «مزور» لأنه يحوي كماً هائلاً من الأخطاء الإملائية». تمالكت نفسي كي لا أضحك، وأنا أحاول تنبيه «صاحب نظرية الأخطاء الإملائية» في القرآن، إلى أن القرآن كتب على أساس قواعد الإملاء القديمة في عهد عثمان، وهي مختلفة بشكل كبير عن قواعد الإملاء المعاصرة في اللغة العربية. أضفت أن ما يعده دليلاً على «التزوير»، هو دليل «التوثيق»، لأن بقاء النص على قواعد الإملاء القديمة، يدل على أنه ظل محتفظاً حتى ب«الشكل الكتابي»، الذي كان عليه منذ عهد الخليفة عثمان، وإلى اليوم بدون تغيير.
وإذ يظهر الخطأ المنهجي الذي وقع فيه من يقول ب«أخطاء إملائية في القرآن»، خطورة عدم أخذ السياقات التاريخية للنص بعين الاعتبار، فإن إغفال بعض الجماعات الإسلامية اليوم للقراءة من منظور معاصر، وإغفال السياقات الحديثة، والشروط النفسية والاجتماعية السائدة في عالم اليوم، وإغفال «سياقات التلقي»، يشكل كارثة على مستوى توجيه الدلالات في نصوص القرآن.
يقف خطيب جمعة على منبر ما في مكان ما، ويقول حرفياً «الكفار يقولون عنا إننا إرهابيون، وأنا أقولها بكل صراحة: الإرهاب من الإسلام، لأن الله أمر به في قوله تعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم...». وهنا تكمن إشكالية القراءة، ومشكلات التأويل، وذلك بخلط الدلالات، وعدم التنبه إلى السياقات. والواقع أن كلمة «ترهبون» الواردة في النص القرآني، تنفتح دلالياً على تأويلات لا علاقة لها إطلاقاً بالدلالات التي تنفتح عليها كلمة «Terrorism إرهاب» في سياقاتها المعاصرة.
«ترهبون» تنصرف إلى دلالات بث الرعب في قلوب العدو الذي يحمل السلاح، والذي تهيأ لغزو مدينة الرسول، فالإرهاب المقصود في الآية يستهدف جماعة عسكرية لا مدنية، ثم إن الغرض منه كذلك منع تلك الجماعة المسلحة من مهاجمة المدينة، وبالتالي منع وقوع الحرب من أساسها. وبذا تنفتح المفردة «ترهبون» في سياق النص، على إيحاءات إيجابية، لا توجد إطلاقاً في الدلالات التي تنفتح عليها مفردة «إرهاب» في سياقاتها المعاصرة، لأن الأخيرة تنفتح، غالباً، على دلالات «استهداف المدنيين، لتحقيق أهداف سياسية»، وهي غير الدلالات التي تؤول إليها المفردة القرآنية «ترهبون»، في الآية السابقة.
لا بد، في تصوري، للمسلمين للخروج من الإشكالية المفاهيمية التي يعيشونها اليوم، من الخروج إلى أفق قراءة قرآنية أوسع من تلك الآفاق المحدودة من القرءات الأحادية التي تركز في مجملها على السياقات التاريخية، مغفلة السياقات المعاصرة، أو تلك التي تريد أن تنسى تماماً السياقات التاريخية، لتعيد تأويل النص القرآني وفقاً للشروط المعاصرة، مع إغفال الجانب السياقي التاريخي لهذا النص. وقبل كل ذلك ينبغي إيلاء المناهج النصية الحديثة أهمية قصوى في مقاربة القرآن اليوم، لأن تلك المناهج تساعد على الغوص في كثافة النص القرآني للوصول إلى قراءة متوازنة، تراعي سياقاته الماضوية، وتنفتح على سياقات التأويل المعاصر، بما يخدم ردم الهوة بين قراءة المفسرين القدامى للنص، والواقع المعاصر للمسلمين الذين يعيشون القرن الواحد والعشرين، بدون أن يعني ذلك البعد عن محددات الدلالة في النص القرآني الذي جاء ليكون بلاغاً للناس، حسب آياته.
"القدس العربي"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.