بين وهلة وضحاها وقبل أن ترتد إلينا أنفاسنا الثكلى نلمح تناسل مباني المدارس الخاصة بشكل كبير في كل بقعة وفي كل زقاق ورصيف وشارع، وتتزايد أعدادها بشكل مخيف حتى لكأنما يتهيأ لنا أننا إن قَلَبْنا اي حجر سنجد تحتها مدرسة خاصة؛ وإن رفعنا أي ذرة تراب سنجد في أرجائها مدرسة خاصة.. المدارس الأهلية والتعليم في المدارس الأهلية وانتشارها بشكل مهول صار يقلق الكثير في ظل تزايد الأمية المعرفية في أوساط الطلاب، وفي ظل تردي أوضاع التعليم الحكومي مما جعل الجهل يُشكل له خارطة طريق تدور رحاها في تلافيف وأدمغة جيل يتوه كل يوم أكثر من سابقه، وتنحدر معلوماته إلى الدرك الأسفل من جهالة الحرف وأمية المعرفة.. وفي ظل هكذا وضع وجدت المدارس الأهلية بيئة مناسبة للتكاثر وأصبحت كملاذ للكثير من أولياء الأمور كي تضممن لأبنائها الاهتمام والتفوق العلمي كما هي النظرة السائدة بين شرائح المجتمع فيفرون اليها مستجيرين بحرها هروبا من التعليم الحكومي. أسئلة حائرة والسؤال هنا هل استطاع التعليم الخاص أن يضمن لطلابه هذا التفوق والمكانة العلمية المرجوة؛ أم انها فقط مقرات للربح المادي بعيد عن الربح المعرفي؛ وهل وجد أولياء الأمور فيها ضالتهم العلمية؛ وهل تخضع كل هذه المدارس الخاصة لرقابة تعليمية تضمن أداء مهني عند المستوى المطلوب؛ وهل تناسلها هذا يُعد خدمة للتعليم بشكل عام؛ أم انه انتكاسة جديدة في خاصرة التعليم تزيدنا نزيفا وحسرة وتجهيلا، وهل تتوفر في هذه المدارس المعايير التربوية والتعليمية الصحيحة التي تضمن مخرجات عليمة جيدة، وهل يمكن اعتبار لجوء الأهل لهذه المدارس لتسجيل ابنائهم فرارا من التعليم الحكومي؛ أم ضمان لنجاح مؤكد طالما وأن المادة هي المحرك الوحيد للدرجات في بعض هذه المدارس؛ وهل فعلا استطاعت هذه المدارس أن تغطي عجز المدارس الحكومية، وأن تُشكل بيئة تعليمية وثقافية بكل معنى الكلمة، أم أن الفرار إليها تماما كمن يستجير بالرمضاء من النار؟!!. دعونا نعرف أجوبة هذه الأسئلة من واقعنا المعاش سواء من أولياء الأمور او المعلمين وايضا ومن المعنيين بالعملية التربوية والتعليمية.. فيها فائدة في البدء لابد لنا أن نعرج على أولياء أمور ألحقوا أبناءهم بهذه المدارس كي نعرف منهم هل وجدوا فرق في التعليم الحكومي والخاص، ولماذا لجئوا لهذه المدارس، وكيف يجدون أداءها، وهل هم راضون على مستوى الأداء العلمي فيها، وهل فعلا تحسن مستوى أداء أولادهم العلمي والفكري أم لا؟. كان لنا لقاء مع الأخت أمل علي عبدالله (ولية أمر) قالت: طبعا أن لم أتخذ قرار نقل أولادي إلى مدرسة خاصة إلا بعد أن رأيت أن التعليم في المدارس الحكومي اصبح لا شيء ولا يستفيد منه الطالب إلا الهروب من المدرسة وعدم المذاكرة وعدم متابعة المدرسين للدروس، وتضيع السنة كلها أجازات, فنقلت اولادي الاثنين لمدرسة خاصة حتى وإن كانت غالية إلا أنني وجدت فيها فائدة من حيث الاهتمام بمستوى الطلاب العلمي والمواصلات, وهناك نقطة مهمة لابد أن يراعها أولياء الأمور وهي اختيار المدرسة الصح لأن فعلا في الفترة الأخير انتشرت المدارس الخاصة بشكل كبير وبالتأكيد ليست كلها جيدة بالمستوى المطلوب. أمانة الاستاذ قاسم حسن (نائب مدير ادارة التربية بمديرية القاهرة) شاركنا برأيه قائلا: كثيرا ما نسمع من الندوات والقائمين على التعليم أن التعليم يسير على خير ما يرام، وان المعلم معد إعدادا جيدا وموفر له كل وسائل التعليم المطلوبة، والكتاب متوفر ومعد بأسلوب تربوي حديث، ولكن هل نظر هؤلاء لتسرب الطلاب ولظاهرة الغش الذي يعتبره الطالب حق لا نقاش فيه, وهل نظروا الى واقع المدارس الغير مهيأة لمكانة التعليم السامية، وهل نظروا الى المعلم ومعيشته وتأهيلية المفقود؛ والى الإدارات التربوية الغير كفؤة, ووضع المدارس الخاصة التي انتشرت في كل زاوية في البلاد. واضاف: طبعا الكلام في واد وواقع التعليم المزري في واد آخر، ومن يقول غير ذلك فهو بعيد كلل البعد عن الواقع الملموس ويجامل من هو اعلى منه، فالتعليم أمانة، وقول الحق أمانة، والبحث عن الوسيلة الناجحة امانة، باختصار شديد فالتعليم يريد بالفعل رجال صادقين ومخلصين صدقوا ما عاهدوا الله عليه كي يخرجوا التعليم مما يمر به من سوء وحال مزري. لا يجوز التعميم الأستاذ/ رفيق ذعوان (رئيس قسم الإعلام التربوي- إدارة التربية صبر) قال: لو قَيّمنا أداء المدارس الخاصة مقارنة بالتعليم الحكومي فإننا سنجد أن أداءها أفضل من المدارس الحكومية، وبالطبع ليست كلها، وبسبب تكاثرها خلطت الحابل بالنابل، ونادرا ما نجد منها من يهتم بالناحية العلمية مقابل الناحية المادية، اهتمام الأهل هو سبب رئيسي وراء نجاح أبناءهم سواء في المدارس الخاصة او الحكومية، وإذا انعدم هذا الاهتمام فإن الطالب يتجه إلى الإهمال وعدم المبالاة بدراسته حتى ولو كان في أفضل مدرسة خاصة، وهي دعوة أوجهها عبركم إلى الأهل بالاهتمام بأبنائهم ومتابعتهم ومتابعة مستوى تحصيلهم حتى نرتقي بتعليمنا للأفضل ونبعده عن كل جهل بدأ يتجه إليه.
كارثة الأستاذ / نبيل عبدالباري (مدرس في مدرسة حكومية) قال: انتشار المدارس الخاصة كارثة، وكيف لجهات الاختصاص أن تعطي تراخيص لكل من هب ودب، لدرجة أن كلما نجد خرابة نتفاجأ بعد فترة أنها أصبحت مدرسة وهي لا تصلح حتى لتربية حيوانات، فلماذا تعبث جهات الاختصاص بواقع التعليم هكذا ولهذه الدرجة، ولماذا لا تضع حد لما تقوم به هذه المدارس من تدمير للتعليم، أقول هذا عن تجربة مع أحدى المدارس الخاصة حيث ألحقت ابني بها فضاع من عقله ما تعلمه في المدرسة الحكومية، أما الشيء الوحيد الذي كانت تجيده و تتابعه بالدقيقة والثانية هو الرسوم الباهظة فقط مقابل خواء عقلي وتعليمي, وبعدها أعدتُ أبني يدرس في مدرسته الحكومية لأني اكتشفت أنها أفضل بكثير من الخاصة. تجديد الأستاذة رجاء عبدالحليم (مديرة مدرسة درب المعرفة الخاصة) تقول: لم نفكر بإنشاء مدرسة خاصة الا بعد أن لمسنا تردي مستوى التعليم الحكومي وزيادة عدد الطلاب في المدارس الحكومية، وبالتالي من مميزات المدارس الخاصة سهولة الخدمات فيها وقربها من كل بيت، بحيث يسهل على كل ولي أمر وصول ابنه بأمان الى المدرسة، وايضا تنمية شخصية الطلاب خصوصا في المرحلة الابتدائية وممارسة بعض الأنشطة المدرسية، وإعطاء الطالب فرصة التعبير عن ذاته خصوصا مع انعدام هذه الأنشطة في معظم المدارس الحكومية، والتي لا يوجد فيها أي نوع من التجديد منذ عقود مضت، حيث تعتمد على الكتاب فقط والأسلوب النظري الممل والسبورة والطبشور، ولا يوجد أيضا تنويع في طرق التدريس وطرق الإلقاء ليصاب الطالب التبلد ويصبح مجرد متلقي ومستمع لا نفع فيه. - واضافت: ومن وجهة نظري كمديرة مدرسة خاصة فإني أجد أن التعليم الأهلي قد حقق بعضا من الأهداف التعليمية التي يجب توفرها للطالب في مراحله العمرية المختلفة ولو حتى بالشيء اليسير, فالطفل او الطالب يشعر بتحقيق الذات وحرية الرأي في هذا المجتمع البائس. استهتار يبدو ان تداخل الصلاحيات وتدخل السلطة المحلية في مهام التعليم يقف كحجر عثرة أمام أداء المهام التربوية الملقاة على ادارة التعليم الأهلي بمكتب التربية بتعز، هذا ما افاد به الأخ عبدالرحمن دائل مدير ادارة التعليم الأهلي بمكتب التربية بتعز حيث قال: المدارس الأهلية لم تلتزم بالمعايير بحسب اللائحة نظرا للازدواج في الاختصاصات ما بين المديرية والمكتب وعدم اعطاء الادارة جميع الصلاحيات بما ينص القانون، اللجنة الفنية المكلفة بالنزول الميداني لرفع التقييم عن المدارس الخاصة لا تستطيع أن تؤدي عملها على أكمل وجه لما تلاقيه من ضغوط من الشعبة، نقدر نقول أن ما نسبته 30% من هذه المدارس قدمت خدمة كوجود مباني نموذجية ووسائل تعليمية، لكن لعدم وجود اختصاصات لم نستطع ان نكافئ المحسنين او نحاسب السيئين، وايضا تدخل المسئولين في السلطات العليا بفتح مدارس وهي لا تنطبق عليها الشروط. - واضاف: عدد المدارس بلغت 138 مدرسة والطلاب 30 الف طالب واستيعاب قوى تعليمية 3000 معلم و معلمة، ستتحسن العملية التعليمية اذا تحسنت نية المسئولين سواء في السلطة المحلية أو المديريات، واعطيت لنا الصلاحيات المطلقة، لنستطيع ان نراقب ونتابع ونحاسب وغير ذلك سيبقى التعليم في تدهور لأنه لا يوجد رقابة، لا يوجد محاسبة. فاغلب المدارس مازال لديها باب التسجيل مفتوح، والطلاب يدخلون المدارس الأهلية دون ملفات ودون وثائق، وهذه يتحمل مسؤليتها المديرية فهم السلطة المباشرة وهم من يوافوننا بكل صغيرة وكبيرة في الميدان، لابد من استقلالية لإدارة التعليم الأهلي وجعلها تابعة للمدير العام مباشرة، وإعطائها ميزانية تشغيلية بما يكفي احتياجات الموظفين حتى لا يضطروا لأخذ الرشوة والتغاضي عن مخالفات المدارس، فإذا بعدت تدخلات السلطة المحلية والمديريات فإننا سنستطيع أن نشكل فريق رقابة متابعة مستمرة خصوصا بأننا سمعنا بشرى سارة أن الوزارة أعطتنا ميزانية تشغيلية مستقلة لكننا نخاف أن تضيع.. - أما الأخ عبدالله قائد (نائب مدير ادارة التعليم الأهلي بالمكتب) فقد قال: لا توجد إمكانيات تدعم إدارة التعليم الأهلي للمتابعة وللنزول الميداني، نريد الصلاحيات الكاملة للتعليم الأهلي كي نستطيع محاسبة المقصرين ونكرم الجيدين، صلاحيات من ناحية صرف المنهج ليس بيدنا سوى تجديد الترخيص فقط، وايضا هذا النقطة ليس لنا صلاحية فيها لأننا اذا لم نكن موجودين او مدير الادارة موجود فيمكنهم أن يجددوه من غيرنا بالرشاوي والوساطات. فرصة ويشاركنا الأخ أمين السبئي (مدير إدارة الرقابة والتفتيش بمكتب التربية) حيث قال: المدارس الأهلية انتشرت بشكل كبير جدا ولعل اهم الأسباب ان معظمها يتم اصدار تراخيصها دون ان تنطبق عليها اللائحة، والنتيجة الطبيعية انها تفتقد للمعاير التربوية والتعليمية، لأن غرضها استثماري بحت وغير تعليمي، واعطيناهم فرصة اخيرة لتحسين الإدارة فيها وتطبيق المعايير المحددة في لائحة التعليم الاهلي والخاص، وهذه المدارس تخضع للرقابة والتفتيش من خلال زيارة المفتشين لها في جميع المديريات، وان وجدت أي مخالفات فإننا نقوم بمخاطبة إدارة التربية بالمديرية بما يلزم اتخاذه. - واضاف: هناك أسباب جعلت مدارس التعليم الأهلي متعثرة في أداء واجبها التعليمي، منها افتقارها للمساحات الكافية للأثاث والأنشطة المدرسية, ازدحام الغرف الدراسية بالطلاب, عدم الاهتمام بالنظافة, عدم تسديدها للرسوم التي عليها, فتح أكثر من فرع دون الرجوع إلى المكتب, تدني أجور العاملين في اغلب المدارس, عدم التزامها بالطاقة الاستيعابية الموجودة بالترخيص، التقصير من قبل شعبة التعليم بالمتابعة لمهامها، وكل هذا يعود إلى عدم تطبيق لائحة التعليم الأهلي والخاص، وقرار مجلس الوزراء من قبل إدارات التربية والمجالس المحلية، وإذا تم تطبيق هذه اللائحة فلن تبقى سوى مدارس بعدد أصابع اليد، ولكن كما نوهت سابقا بأن الوزرة والمكتب قد اعطت لهم فرصة لتصحيح الاختلالات الموجودة، ما لم سيتم إغلاقها، كما ان السبب في كل هذه المشاكل هي تداخل التخصصات والعبث بالتراخيص والعشوائية في الأداء بشكل كبير جدا. هل من مغيث؟! واقع التعليم الأهلي في بلادنا مربك جدا ويسوده العبث ويضاف لمآسي وانكسارات التعليم بشكل عام، و محاط بسدود مرعبة في ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وأيادٍ خفيه مازالت تصر على العبث بحاضر وطن مضروب في تعليمه، بسبب تداخل مصالح ونافذين وأصحاب سلطة يستغلون مواقعهم ويمررون فسادهم، مما يصيب التعليم في مقتل، وتداخل التخصصات والعبث الكبير من قبل السلطة المحلية في التعليم دونما مراعاة للتخصصات، ودونما ترك كل مجال يعمل بحسب القانون، وحسب المهام الموكلة إليه صارت السلطة المحلية والتعليم كالعمياء التي تخضب المجنونة. لابد ان نسلم بالمثل القائل (دع الخبز لخبازه وان أكل نصفه) فهل من مغيث للتعليم يا أصحاب القرار؟ انقذوا التعليم و الأمر متروك لكم!.