عقب نشري للحلقتين السابقتين عن التطرف باغتني العديد من الزملاء والأصدقاء بسيل من الأسئلة المباشرة في المقيل أو الشارع أو عبر التلفون اتصالاً ورسائل وكانت أبرز الأسئلة تكراراً لماذا لم تسمِّ الجماعات المتطرفة في كتاباتك عن التطرف.. ماذا كان دور الإعلاميين والمفكرين والأدباء.. والقوى السياسية في معالجة نشوء أو نمو التطرف باسم الدين..؟ وكنت أرد عليهم مبتسماً إن ما تطرحونه الآن هو موضوع حلقتي القادمة أي هذه الحلقة. لم أسمِّ الجماعات المتطرفة في كتاباتي السابقة لأن ما أطرحه لا أقصد به تجريح أحد أو اتهام أحد أو تبرئة أحد.. بل أطرح بشفافية وموضوعية ما أراه من أجل فهم أوضاعنا بعيداً على الرتوش والمساحيق والمداهنة دون تشهير أو إساءة، ويشهد الله أني لا أحمل لأي فصيل أو جماعة أو فرد إلا المحبة والمودة أياً كانت مواقفه تجاهي.. وأياً كان نهجهم فهم في النهاية إخواننا وأبناؤنا ومن وطننا هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لإيماني بأن التنظير الاستفزازي ضد التطرف قد يدفعه إلى تطرف أكثر. ماذا كان دور الإعلاميين والمفكرين والأدباء والقوى السياسية في معالجة نشوء أو نمو التطرف باسم الدين؟ بالنسبة للإعلام والمفكرين والأدباء فإننا لا يمكن ألا نشيد بهم فقد بذلوا جهداً في الطرح الموضوعي عند تناولهم هذه القضايا الشائكة والخطيرة.. إلا أنها تظل جهوداً فردية وليست في إطار برنامج لجهد وطني شامل ومدروس .. أما دور القوى السياسية فمنها من حاولت الاستفادة من الصراعات الناتجة عن التطرف بكل أشكاله وذلك من خلال الوقوف مع طرف ضد آخر وتشجيع وترويج أطروحاته وتبرير ممارسته لغرض توسيع الهوة بينه وبين خصمه للاستفادة إما معنوياً أو سياسياً أو مادياً من تلك الصراعات . استخدام بعض القضايا الملتهبة المحلية أو العربية أو الدولية لتهييج التطرف. تشجيع أي انفلات للأوضاع لإرباك نظام الحكم دون إدراك للمخاطر والآثار على المواطن والوطن التي قد يسببها أو ينميها هذا الأمر لحسابات خاطئة أو لرد فعل ضد النظام. ومن القوى السياسية من لم يبذل جهداً يذكر: للمقارعة الفكرية العلمية للتطرف. للتواصل والتحاور مع تلك الأطراف التي تحمل نهج التطرف لإثنائها عنه أو لتخفيف غلوها أو معرفة أسبابها ومبرراتها من أجل تحصين المجتمع من هذا الداء الخطير. للتعاون في وضع آليات لتحجيم التطرف فكرياً تمهيداً لاستئصاله من مجتمعنا، فالتطرف طارئ على مجتمعنا ولا يجب أن نسمح بأن يتجذر فيه. للتعاون بين الجميع وفي المقدمة العلماء المتمكنون دراية ورواية والمفكرون والسياسيون والاجتماعيون والاقتصاديون والاعلاميون والتربويون من أجل الفصل بين الإسلام السمح المعتدل وبين التطرف باسم الدين الدخيل عليه ووضع حد له مع معالجة ما قد يُتخذ كمبررات أو مغذيات أو مهيجات أو جهل بصحيح الدين أو استغلال له من خلال مفاهيم وفهوم مختلة أو معتلة . إن أسباب حدوث ذلك إما لضعف ذاتي في التكوين الحزبي أو لضعف في امتلاك آلة العلم المؤهلة للتواصل والحوار.. أو لضعف موضوعي لغياب إمكانات التواصل والحركة أو لضعف في القراءة الواعية لما قد يقود إليه هذا التطرف من كوارث ومخاطر على الجميع.. أو الاتكال على السلطة أو النكاية بها على اعتبار أنها أحد أسباب وعوامل وجوده أو انتشاره أو لانشغال كل بهمه الذاتي. إنني لم أستطرد في هذا الأمر إلا لتسليط الضوء وبقوة على المخاطر التي تواجهنا وعلى مخاطر التطرف تحت أي مسمى كان وعلى أهمية النأي في الحكم على أي طرح نقرأ أو نسمع وعلى ضرورة نبذ الأحكام المسبقة والدراسة العميقة والموضوعية المتجردة لما يُطرح من رؤى أيا كان مصدرها وحول أية قضية كانت. وعلى الأهمية الكبيرة للإصلاحات الشاملة المنتظرة من مؤتمر الحوار الوطني القادم الذي أتمنى من كل من سيكون له شرف المشاركة فيه من قوى سياسية أو نخب وشخصيات اجتماعية أن يدرك ويستوعب بتجرد وواقعية إلى أن التطرف من أي منهج وفي أي اتجاه أو في أية قضية ومن أية جهة أمر خطير ومدمر ويتصادم مع الفطرة الإنسانية السليمة ومع الإنسان السوي ومكوناته الجسدية والنفسية والعقلية.. وسواء كان التطرف سلمياً نهجاً وفكراً وتوجهاً وتعاملاً أو عنيفاً باللسان أو اليد أو السلاح فإنه وإن كان سليماً إلا أن منهجه القائم على الشطط أو الغلو أو الأوحدية يصل بالإنسان إلى الادعاء بالتفرد بملك كل الحق والحقيقة والصواب ووصم الآخر أي آخر بكل الباطل والزيف والخطأ وينتهي بالعمل على تهميش ثم إقصاء الآخر ثم استئصاله فكراً ووجوداً. نقلاً عن صحيفة تعز