وجد هادي نفسه رئيسا لليمن. وكان بمقدور الحزب الذي تقاسم مع ثائري المعارضة مناصب المقاعد الرفيعة أن يمنح الكرسي الأول لرجل آخر غير نائب الرئيس السابق، وفق توافق المبادرة الخليجية . فالرئيس من المؤتمر الشعبي العام، ورئيس الوزراء من تكتل اللقاء المشترك والزمن مُحدد وكذلك الإجراءات بالتتابع، وذلك كان العهد الذي أكده جارنا الملك في خطابه القصير حين اجتمع الساسة الفرقاء في قصره لإشهار مراسم التوقيع على نقل السلطة في اليمن، وفق التوافق والتقاسم الوظيفي على مقاعد الوزارات المختلفة. لكن ما يبدو أنه التمسك بتمديد السفير الأميركي بصنعاء الذي كان يبتلع لسانه وأسنانه في حضرة صالح، يقابله فزع واستنفار في الترويج للتمديد للرئيس هادي من بقايا الساحاتيين، وقد خرجوا في ذكرى حادثة "كنتاكي" الحزينة التي بلغ ضحاياها أكثر من مائة شاب وجندي في لهفة السعي نحو "التمديد" للخيام والذهاب بأبناء البسطاء للموت بلا وعي وتحت ظلال الثورة الخادعة صراخا وغضبا مزيفا على (قاتلهم) ولكن المتهم كان جريحا وميتا في أسرَّة العناية الفائقة بالجارة الكبرى. وكان الذي يقاتلون لتمديده الآن قائما بأمر الدولة حينها، ومع ذلك فصالح هو المستهدف بالاتهام، حتى لو كان في قبره، لأنه هاجس الرعب الساكن فيهم وخشية العودة لبعثه من جديد. وقد بُعث متطهرا من خطاياه وأخطائه حين أراد له الله عز وجل أن يعود للحياة بعد رحلة موت حقيقية قضاها ساكنا في مستشفى الرياض بالعربية السعودية. ما يهمني الآن هو تصريحات السفير فيرستاين ممثل البيت الأبيض في اليمن، الذي غادر قبل أسابيع موقعه وهو مستمر في جلد الحكومة بصيغة الحاكم المستتر، فيما تصمت صحف النظام عن إهاناته العلنية لحكومة البكاء المتنافرة وعدم جديتها في إلجامه بضربة في الرأس تنهاه عن فلسفته المتعالية. لكنها رغبة التمديد له ولهم، فبغيره لن يعيش الوزراء على مقاعد السيارات المصفحة ويرغدون زبد العيش والسفر بلا حدود، والقضاء على حلم التغيير الذي راودنا طويلا. علي محسن الذي يضحك بأسنانه فيعمق فيّ صحة نظرية "دارون" مازال يحلم أيضا ببطولة الرجل الأول وينشر صور الجنرال الحامي على أبواب تعز التي رحبت به فخرج أهلها لضرب صورته بالأحذية، ومن كان يجرؤ على ذلك لو كان صالح هو الرئيس. لكنه قدر الخائنين وعقوبة المرتدين. ومن كان يستطيع مقارعة الزنداني ذلك المرجعية الذي أهال على نفسه التراب وذوت هالته المقدسة . إنها أسئلة عميقة تبحث عن فارس جديد له قدرة النضال وإلهام الأمة بعنفوان صبرها وأمل مستقبلها وجسامة تضحياتها. في مصر تلك البلاد المتحمسة للتغيير. جاءت حكومة الببلاوي من رحم الماضي، ولم تلحقه تهمة الأدعياء باعتباره رجلا من العهد البائد، فالعقول لا تعرف الأزمنة، بل تنتشي بصلابة للبحث عن وطن صامد يُلقي ببقية الفاشلين في سجون الظلام ،كي لا يبصروا النور ويحاولوا انهاك ضياءه. لقد أنعش ذلك الرجل المدهش آمال المصريين وتمسكت رؤيته العميقة بالعمل على استحضار الأدوات الفاعلة لتمكين شعب الفراعنة من تلمس حياة التغيير والتمسك به. التغيير الذي لا يقتل جيشا ولا يهدم أمنا ولا يتغول في مقدرات الشعب لصالح جماعة تستحضر المقدسات الكونية لخدمة مقدساتهم النفعية وكرسي السلطة، وأما بلادي فلا يبحث أحدٌ فيها إلا عن التمديد، كأن ولاة الدولة فيها لم يتمكنوا من إكمال لمسات العيش الرغيد لنا وخرجنا إليهم باكين نرجو استمرار ظلهم علينا. لقد تحول الرجل الذي يدافع عن قيمة الوحدة ومؤسسات البلد إلى متهم بالفضيلة. وهو النزف الجارح للوعي الوطني والفطرة البريئة التواقة لنصر عام على قوى التمديد والانفصال.