أجل مجلس الأمن الدولي جلسة مخصصة لمناقشة الأوضاع في اليمن أمس الأربعاء إلى أجل غير مسمى بسبب عدم إحراز أي تقدم في مسار مؤتمر الحوار الوطني في القضايا الرئيسية. ويحمل قرار التأجيل رسالة بفشل المبعوث الأممي جمال بنعمر، الذي كان قد أعلن في تقريره السابق أن مؤتمر الحوار في اليمن قد أنجز 90% من أهدافه، ثم عاد ليغطي الفشل الذريع والتدليس على المنظمة الأممية ليلقي باللائمة على النظام السابق مدعياً في حديث للتلفزيون اليمني "هناك فئة تلعب على أسطوانات إخفاقات الحكومة اليمنية الحالية في الأمن والاقتصاد رغم وجود الكثير من الأدلة على مشاركتها في إقلاق الأمن"، وزاد "أن تلك الفئة تريد أن تبرهن للشعب اليمني أن الوضع في السابق كان أحسن مما هو عليه الآن". يقول السياسي البارز الدكتور محمد عبدالملك المتوكل أن بنعمر في اتهاماته المشار إليها بدا خصماً ومنحازاً لطرف ضد الطرف الآخر من التسوية السياسية، مشيراً إلى أن ذلك لن يخدمه إطلاقاً كما أنه لا يخدم مسار العملية السياسية الوفاقية. وقلل المتوكل في حديث ل"اليمن اليوم" من قيمة اتهامات بنعمر إلاّ من كونها إدانة له قائلاً: لقد بدا بنعمر وكأنه يثأر لنفسه من المؤتمر الشعبي العام وحلفائه لموقفهم الرافض لوثيقة ال(8+8) بما تضمنته من تمديد الفترة الانتقالية والتمديد لبنعمر نفسه سنوات إضافية، وبالتالي فلا قيمة لهذه الاتهامات. وأضاف: يفترض أن يعي بنعمر طبيعة مهامه وأن يبقى على مسافة واحدة من أطراف التسوية السياسية لا أن يسير في الاتجاه الخاطئ كما هو حاله الآن"، موضحاً أن بنعمر "إذا ما استمر في السير بهذا الاتجاه فإنه يدعم أسباب فشل دوره كمبعوث أممي في اليمن. ولفت المتوكل إلى أن انحياز بنعمر لطرف ضد الآخر سينتهي به إلى خسارة كبيرة، "خسارة في الشارع اليمني وخسارة في الأممالمتحدة التي تربط دوره في اليمن بمدى قبول الأطراف به". وفي السياق الرسمي أخذت تصريحات المبعوث الأممي، حيزاً في نقاشات جلسة مجلس النواب أمس الأربعاء، حيث عبّر نواب عن رفضهم للتحيّز الواضح الذي أبداه بنعمر، لصالح أحد الأطراف، ومواصلة هجومه على طرف آخر. وقال رئيس المجلس، يحيى علي الراعي "إن المبعوث الأممي قد ضاق ذرعاً منّا"، في إشارة لتعليق سابق من قبله في جلسة البرلمان بداية الأسبوع الجاري، مطالباً بإرساله إلى سوريا بسبب امتلاكه الكفاءة والخبرة. وأضاف: "طالما وأن بنعمر يمتلك الكفاءة والخِبرة فإننا نطالب أمين عام الأممالمتحدة بإرساله إلى سوريا أو أفغانستان ليستفيدوا من قدراته في إنهاء مشاكلهم". وفي السياق ذاته اعتبر عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام، سنان العجي أن المبعوث الأممي أصبح جزءاً من المشكلة اليمنية، واصفاً إياه بأنه أصبح وصياً على اليمن، وطالبه بالكشف عن أسماء معرقلي التسوية السياسية، عوضاً عن وضع نفسه كخصم لطرف دون آخر. واستغرب العجي، تصريحات إعلامية لبنعمر التي قال فيها إن المعتقدين بإمكانية إنهاء الفترة الانتقالية في فبراير القادم واهمون، مع أنه الموعد المقرر طبقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. ودعا العجي البرلمان إلى مخاطبة رئيس الجمهورية بذات الشأن على أن بنعمر صار غير مرغوب به في اليمن مطالباً الأممالمتحدة باستبداله بوسيط آخر. ويرى مراقبون أن "الفقرة الأخيرة لبنعمر التي قال فيها (أن تلك الفئة تريد أن تبرهن للشعب اليمني أن الوضع في السابق كان أفضل مما هو عليه الآن) غير ذات قيمة كونها مقتبسه من تصريح سابق لرئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح محمد اليدومي والذي لم يسعفه حينها مسلحو حزبه حتى يروج لادعاءاته. ففي اليوم التالي أقدم قيادي إصلاحي في أرحب على ضرب أبراج الكهرباء واحتجاز قاطرات النفط والغاز وقيام الحكومة بدفع ما يطالب به من مبالغ مالية تلى ذلك بأسبوع إقدام مجندي حزب الإصلاح في عرق آل شبوان مديرية عبيدة محافظة مأرب على تفجير أنبوب النفط ليوجه وزير الداخلية محافظ مأرب –اثنانهما ينتميان لحزب الإصلاح– بصرف مبلغ 9 ملايين ريال لمنفذي الاعتداء مقابل السماح للفريق الهندسي بإصلاح الأنبوب وكذا تعهدهم بحماية الأنبوب، وهذا ما صرح به ل"اليمن اليوم" في حينه الشيخ علي الشبواني. وأثناء زيارة وزيري الدفاع والداخلية إلى مأرب استدعى محافظ المحافظة سلطان العرادة المدعو "صالح الدماجي"، ووفقاً لما رواه الدماجي ل"اليمن اليوم" فإنه تفاجأ فور وصوله الاجتماع بالمحافظ العرادة يتهمه بتفجير الأنبوب واحتجاز معدات الفريق الهندسي مع أنها التهمة التي لا ينكرها الدماجي. وأضاف الدماجي: قلت لهم "يا شيخ سلطان أنت تعرف أنني فجرت الأنبوب في منطقتنا واحتجزت المعدات، وأنت تعرف السبب، كما أنك تعرف جيداً أن الذين فجروا الأنبوب في الكيلو 107 هم مليشيات حزبك الإصلاح". وسرد الدماجي مبرراته وما أن انتهى منها حتى خاطبه وزير الداخلية قائلاً: "إذن احتجز المعدات لديك حتى تنفيذ مطالبك". وكثيرة هي الدلائل التي كان على بنعمر أن يدونها ومع ذلك فإن إقراره بفشل الحكومة الذريع ومحاولاته التبرير لفشلها ثنائية لا يقبلها العقل والمنطق كون الحر في النظم الديمقراطي لا يلوم الغير عندما يفشل، وبالتالي فإن مبررات بنعمر لفشل الحكومة تجعل منه عضواً قيادياً في حزب الإصلاح "جماعة الإخوان في اليمن". وتنعدم أهمية اتهامات بنعمر لحزب المؤتمر إذا ما ربطنا موقف المؤتمر وحلفائه الرافض لوثيقة ال(8+8) التي عكف بنعمر على صوغها محاولاً تمريرها بما تضمنته من مواد تعلن صراحة لا ضمنا انتهاء وحدة 22 مايو والانتقال إلى فيدرالية من إقليمين "الانفصال على الطريقة السودانية". ويكفي معرفة أن البند الأخير من تلك الوثيقة التي يحسب للمؤتمر وحلفائه إفشالها، يدعو الأممالمتحدة ويستجدي منها باسم الشعب اليمني التمديد لبنعمر مشرفاً لليمن خلال الخمس السنوات القادمة التي أسماها في الوثيقة "المرحلة التأسيسية". ولا يختلف اثنان على أن ما يسعى إليه بنعمر الآن هو بقاء اليمن غير مستقر، وإبقاء ملف الأزمة مفتوحا حتى لا تغلق أبواب منجم ذهب لم يكن بنعمر يحلم به.