اليمن يتألم، فيما أبناؤه عالقون بين تبادل التهم حول أخطاء الماضي، ومستقبل مربوط إلى مشروع التقسيم ومواقف الفجور .. وبين الماضي والمستقبل سجلات توافقيه وانتهازية، تجرب المجرب، وتستدعي الماضي إلى استنساخ يؤسس لما هو أسوأ. لقد كان عندنا مشروع ثورة شبابية، افترض الطيبون أنها سترفع قضايا عادلة، وتكون القدوة.. أشخاص ومواقف تنزع إلى تمثل القدوة والاستعداد للتطهر.. لكن القضايا العادلة وقعت في شباك مراكز نفوذ فاشلة داخل مربع شبهات أدناها هذا الاجترار للأحقاد القديمة والأطماع الأقدم كل مثالب الماضي يتم استدعاء ما هو أسوأ منها.. من توريث الأحقاد إلى توريث الفساد وحتى الاسطوانات العائلية ازدادت صخباً، فلم يسلم منها مؤتمر الحوار نفسه، فشاهدنا اجتماع الأب والبنت وزوجها، فضلاً عن رابط النسب والمصاهرة غير المرصودة, فيما الشعب يعلق أنظاره باتجاه مسئولين جديرين بتمثيل دور الإمام العادل، فلا يرى سوى عادل إمام.! عندما صرخ الغيورون "الثورة سُرقت" انبرى من يسخر قائلاً: إنها ثورة وليست علبة فاصوليا.. غير أن الجحافل التي سرقت الثورة ابتلعت الفاصوليا، واستولت على عطايا المانحين في المسافة الممتدة من مقر الحكومة إلى موفنبيك.. وليتهم اقتنعوا.. حيث ما يزال التسول على أشده طلباً للتمويل, ربما لأن من يتغذى على أموال المانحين ويقلب ظهره لأوجاع البسطاء يبقى جائعاً حتى لو وصل به التغول درجة إخفاء وطن.. بالفعل.. قُتلَ الإنسان .. لقد خفت التمويلات، فصار مؤتمر الحوار بحاجة إلى إنقاذ من تجار لن يترددوا في إضافة أي دعم يقدمونه على فاتورة يدفعها المواطن من قوت أطفاله.. خدعوا الناس بقولهم دولة مدنية تباشيرها أن القبائل تركت أسلحتها عند مداخل المدن، فإذا بالمواجهات الدامية تشتعل في الأرياف والمدن.. وهكذا صارت مسارات الحل هي نفسها مسارات الأزمة وحبال الاختناق .. الذين أوهموا الشعب وهم يقولون: تعالوا نمثل ثورة واصلوا التمثيل وأوغلوا في المزيد من الانحراف السلوكي. حتى السلم الاجتماعي تعرض للاغتيال والقتل والتهجير، فيما هؤلاء ما بين محرض ومتفرج.. وليت الأمر اقتصر على شظايا الثورات والهبّات ومتواليات الإعجاب بالنفس كوليد للجهل، لكن البلاد والعباد عالقون في مواجهات وتفجيرات.. اتفاقات وخروقات.. وثارات ولم تسلم مناطق عديدة حتى من الداعين للخلاف بين علي ومعاوية, ومعركة صفّين. مؤسفة حالة شعب مدفوع لتمثيل دور العصفورة الساذجة، أمام البندقية القاتلة.