أعرف تماماً ما الذي يفعله المسجونون احتياطياً على ذمة قضايا هم أبرياء منها.. لكنني لا أعرف ما الذي يعمله القضاة وأهل النيابة عندما لا يعملون.. إن هذا المسجون البريء وهو يسمع أن الإفراج عنه مرتبط برفع حاكم أو عضو نيابة للإضراب، إما أنه يتميَّز غيظاً فيشد شعره، أو أنه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم من أن يخنق نفسه بالصماطة أو البنطلون، واللهم لا تجعل الانتحار خياراً للمسجون احتياطياً، وحتى المحكوم بقرار غير قابل للاستئناف. لا تقولوا بأن الأمور تتجه نحو الحلحلة، وأن ثمة رفعاً جزئياً للإضراب، ولكن اسألوا عن حال من ترتبط مغادرته السجن برفع الإضراب.. إنه يردد مع السنيدار: ليت والله والأيام ثواني.. ليس صبابة وأشواقاً وإنما كمداً وحسرة من بطء العدالة، أو لأن أهلها غاضبون على انتهاك حق زميل لهم، أو لأن مطالب لم تنفذها الحكومة.. قبل يومين قرأت أن أهل العدل سيرفعون الإضراب جزئياً وسيداومون في أعمالهم يومين ويختفون خمسة أيام.. بالذمة هل هذا عدل؟ أهل الملايين يداومون يومين في الأسبوع، وأهل الملاليم يداومون خمسة أيام ويعطلون الجمعة والسبت. في هذه اللحظة التي أسكب فيها أوجاع مسجونين في محابس مركزية واحتياطية وبحث لم تتم إحالتهم للنيابة ثمة رسالة sms تقول: المحاكم والنيابات بدأت رفع الإضراب جزئياً للنظر في القضايا المستعجلة والسجناء.. وكان النائب العام، الدكتور علي أحمد الأعوش، وجَّه رؤساء ووكلاء النيابات بسرعة التصرف في القضايا التي على ذمتها سجناء.. هذا جيد، ولكن كما أن القاعدة القانونية تقول إن الشك يُفسّر لصالح المتهم فإن الأهم منها أن لا يمكث إنساناً في السجن خارج القانون، لأن من أودعه السجن يحتاج حتى يُفرج عنه إلى توجيه من محكمة أو نيابة موصدة الأبواب والأسماع أمام صرخة مسجون مظلوم. الذين غادروا المحاكم والنيابات مضربين ثم قالوا ابدأوا بحسبة الأيام والأسابيع التي سنغيبها، بحاجة لسرعة مراجعة أنفسهم، وألَّا يأخذوا بالقاعدة الافتراضية التي تقول: كل مجتمع في العالم ينال القضاء الذي يستحقه. مطلوب الجمع بين الوفاء باستحقاقات رجال القضاء وضمان أمنهم واحترامهم، وفي نفس الوقت مطلوب وفوراً استئناف عمل كل المحاكم والنيابات، فلقد رضي المظلوم بتطبيق القانون ومن المدهش أن لا يرضي القاضي..!