كثر الحديث في اليمن خلال السنتين الأخيرتين حول الدولة المدنية، لكن من الناحية العملية لم تظهر أي قوة سياسية إخلاصا ومعرفة كافية بهذا المفهوم فضلا عن تبني الدولة المدنية في برنامج سياسي، باستثناء ما أعلنه الدكتور محمد عبد الملك المتوكل حول مساع لإيجاد تكتل سياسي بهذا الخصوص. سمعت غير مرة الدكتور ياسين سعيد نعمان وهو يعرف الدولة المدنية بكلمتين: إنها ببساطة "دولة المواطن" وهذا صحيح، فأحد شروط تأسيس الدولة المدنية هومبدأ المواطنية أو المواطنة، بمعنى أن كل فرد في هذه الدولة عضو فعال في المجتمع ينظر إليه بوصفه مواطناً يتساوى مع كل أقرانه في الحقوق والواجبات، دون أي اعتبارات لها صلة بجنسه أو قوميته أو دينه أو فكره أو مهنته أو ماله أو نفوذه.. حيث تسود في الدولة المدنية القيم المدنية، كالمساواة والعيش المشترك والاعتراف بالتعددية والتنوع والقبول بالآخر وثقافة التسامح والتضامن والسلام. وتكون الديمقراطية هي وسيلة الحكم في الدولة المدنية، مع ضمان حرية التعددية الحزبية وحرية التجمع والتنظيم والاختيار والشفافية، والسلطة العليا في الدولة المدنية هي سلطة الدولة التي تمارس من خلال أجهزة سياسية وقانونية محمية من أي تأثير للقوى والنزعات الفردية أو المذهبية تمنع المواطنين من الاعتداء على بعضهم بعضا وتطبق القانون على جميع الناس بصرف النظر عن مكاناتهم وانتماءاتهم.. وبمعنى أوجز الدولة المدنية هي دولة قانون وظيفتها أن تجعل القانون أعلى من الجميع ويطبق على الجميع من خلال القضاء المستقل والنزيه. إن الحديث حول ضرورة الدولة المدنية في اليمن قد جوبه من قبل التيارات الدينية بأحاديث وبيانات ترفض الدولة المدنية، إذ تعتبر الدعوة إليها مجرد محاكاة للغرب ودعوة لفصل الدين عن الدولة.. وفي حقيقة الأمر أن الدولة المدنية لا تنحي الدين جانبا ولا تعاديه.. وفي الوقت نفسه على دعاة الدولة المدنية أن يدركوا أن لا معنى للدولة المدنية إذا لم يكن أحد أسسها التمييز أو الفصل بين الدين والسياسة، فلا يجوز استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، وهذا يصب في خدمة الدين ذاته الذي يجب أن يبقى ديناً خالصاً، خاصة وأن توظيفه في المجال السياسي قد أدى إلى إثارة الخلافات والتشويش حول مفاهيمه، بل وتدنيسه .. في الدولة المدنية يتم إعادة الاعتبار لدين الله من خلال استعادة وظيفته الأساسية في المجتمع، كمصدر للقيم الرفيعة وباعث على مكارم الأخلاق والاستقامة ومحفز للتقوى والتكافل والتعاون وحب العمل والوطن ونشر الخير العام.