خارطة الجنوب اليمني لم تتأثر بدعوة "الحوثي" إلى العصيان والتصعيد والحصار الذي يخنق "صنعاء" في أسبوعه الرابع!، مع أن مواطني جغرافيا الجنوب يتألمون كما نتألم في الشمال، ويدفعون إجحافاً قيمة وقود مركباتهم ومولداتهم كما ندفع وبمشقة أكبر!، فما الذي يعنيه صمتهم عن كل الغضب الذي يحيط بالعاصمة اليمنية؟ - ما زالت المعونات العينية لرجال القبائل الشماليين تتوافد إلى مخيمات الطوق، سيارات كثيفة عليها غلاظ شداد تئن من وطأة الإجحاف الحكومي والفشل، معظم مناطق الشمال ومحافظاته تبرز فيها أصوات معارضة للزيادة السعرية بمسيرات غاضبة أو بخطابات نارية وصلت إلى حدود مدينة "دمت" وتوقفت عند نقطة "كرش"!!. - تلك المدينة كانت نهاية الوطن الشمالي قبل الوحدة، وبرزت نقطة تفتيش "كرش" ببرميل وجنديين كرمز للتشطير اليمني قبل عام 90م، ما أخشاه عودة التحالف المريب للقوى الميتة التي أفرزتها عوامل الوحدة الاندماجية بين الشطرين السابقين باستيعاب جديد للمتغيرات الواقعية على الأرض والإنسان والمكونات اليمنية. - اهتزت قوة الحزب الاشتراكي (القطب الجنوبي) بعد انتخابات 92م البرلمانية وبدأت خلافاته الحادة مع المؤتمر الشعبي العام (القطب الشمالي) وفي حرب صيف 94م أعلن النائب البرلماني عن حزب المؤتمر الشعبي "حسين الحوثي" تأييده للحزب الاشتراكي ولقرار الانفصال الذي أصدره علي سالم البيض في 21 مايو 1994م، اعتقل "الحوثي" يومها بموجب قانون الطوارئ ولم يُفرج عنه إلا بعد انتهاء الحرب وهزيمة القوى الانفصالية داخل الحزب الاشتراكي وبتدخُّل وزير الداخلية اللواء الراحل يحيى المتوكل لدى الرئيس "صالح". - توالت السنون والأحداث، ووصلنا إلى اليوم الذي أثرت فتنة ربيع 2011م في تصدع معسكر التحالف الوطني (المؤتمر الشعبي- تجمع الإصلاح الإسلاموي) وظهور قوى جديدة- قديمة. الحوثي صار جماعة مسلحة ومهيمنة على الشمال اليمني، والحراك الجنوبي وريث أطلال الحزب الاشتراكي، ولا أدري من أقنع وزير دفاع الوحدة وبطلها الرئيس "هادي" في المضي بعقد تحالف مؤذٍ للسيادة الوطنية ولعوامل التوازن التاريخي في التركيبة السياسية والقبلية مع خصومه المحاربين في معركة صيف "94م"!. - ما يفرزه الضجيج المحدق بالعاصمة "صنعاء" من حلفاء الأمس الذين يثورون بدواعٍ تنتصر للمعيشة الفقيرة للمواطن اليمني، متحدثين عن (الشعب) المؤيد لهم، بينما يرنو صمت ثقيل على نصف ذلك (الشعب) في الجنوب الذي لا يكترث لأمر العاصمة ولا لجرعة الحكومة المهترئة أمر مقلق إذا بلغ حداً حاداً، وبحسبة طائفية يبدو أن "الدواعش" سينطلقون من هناك، وذلك ما أكده قادتهم في "شبوة" الجنوبية بمبايعتهم الخليفة البغدادي في العراق وعزمهم على مواجهة المد "الحوثي" القادم من الشمال. - الأمر معقد، وإذا انفجر الوضع في "صنعاء" سينطلق إعصار "تسونامي" لتدمير كل شيء، وعلى كل المستويات الطائفية والجغرافية والسياسية والعسكرية والمليشاوية.. وسيبقى مجرد الحلم بعودة الدولة ضرباً من الجنون العميق!. فهل من مُدَّكر؟