وُجد الجني إبليس يوم وجد آدم، ومات آدم وحواء الأولان وأولادهما، وإبليس بقى يتناسل شياطين ومردة وعفاريت، وجاء آدم ثانٍ، وجاء أبو البشر الثاني نوح وإبليس باقٍ، ورغم أن البشرية ولدت من جديد بعد الطوفان، ونجاة سفينة نوح، ظل إبليس حياً بعد الطوفان، فهل حمله نوح على السفينة التي لم يحمل فيها ولده غير الصالح؟.. أجيال من البشر تعاقبت وماتت وإبليس باقٍ على قيد الحياة.. الطبيعة فيها تبدُّل وتغيير، حياة ثم موت، في الحيوان والنبات والأنهار، فلماذا يظل إبليس الصامد الوحيد، خلافاً لطبيعة الأشياء، يقاوم سنن الكون؟ من هذا الكائن كلي الجبروت الذي تلعنه مليارات البشر من كل الديانات، وهو مجرد "فرد واحد"، ومع ذلك يبقى أقوى منهم جميعاً؟ نعتقد أن أبالسة البشر، أو إبليس البشري، الذي يحمِّله البشر أوزارهم، ثم يستمرون في لعنه غير إبليس المذكور في كتب الديانات المقدسة وغير المقدسة، فهو من صنعهم، أينما وجدوا في كل عصر ومصر، ولعله المشار إليه في قول الله "وأن عليك لعنتي إلى يوم الدين"، يعني أنه سيظل يُلعن إلى يوم الدين فقط، ولن يُلعن بعد القيامة والحساب والفرز، إذ الناس بعد ذلك لن يرتكبوا الشرور ولذلك سيتوقفون على لعن إبليس.. هناك إبليس من صنع البشر، يتجدد ويعاصرهم، يوجدونه دائماً، ويبقون عليه إلى جانبهم لكي يبرروا أخطاءهم وغواياتهم وقت الحاجة، يستحضرونه عندما يكونون مضطرين للقول إن قبائحهم من صنع إبليس اللعين. إبليس الحقيقي ليس له سلطان على الناس، لا يجبرهم على قتل ولا أي شرور، هو مبلس قانط، وما سمي بذلك إلا لأنه يئس من رحمة الله وعونه.. القرآن ذكر شياطين الإنس قبل شياطين الجن، وقال إن كيد الشيطان كان ضعيفاً.. أما إبليس الضخم الذي يوجده الناس في عقولهم ويجعلونه دائب الحركة والعمل، وينسبون إليه شرورهم، فما نحسبه إلا كائناً وهمياً يوجده الناس لكي يبرروا شرورهم وفواحشهم.. وإبليس هذا يلعنه أكثر من مليار مسلم ليلاً ونهاراً، ولا يزالون يدعون أنه يحرك وساوسهم، ويغويهم، ويقتل، ويفتن، ويفتي، ويعصي.. منذ أن خلقهم الله وإلى اليوم يلعن المسلمون إبليس في كل لحظة، عندما يضحكون، وعندما يصلون، وفي الحج يرجمونه ويلعنونه، ثم يعظمونه عندما ينسبون إليه شرورهم كلها.. سموا ذلك المكان من المسجد محراباً لأن إبليس يحارب منه، بينما أبالسة كثر يحاربون المسلمين والدنيا كلها من تلك المحاريب المقدسة، ثم يلعنون إبليس.