هذا الشاب الذي يترك وصية عند أهله يطلب منهم أن لا يبحثوا عنه لأنه باختصار ذاهب للاستشهاد.. هل هو مجرم ومتطرف أم أنه ضحية أيضاً.. هو إرهابي فقط أم أنه ناقم ومغرر به؟ أياً كانت الإجابة فنحن أمام شباب يمنيين واقعين في مناخ يسهل فيه تحويلهم إلى انتحاريين يفجرون أنفسهم في عمليات تستهدف أرواح ما استطاعوا من الناس، معتقدين أن في ذلك طريقا معبدا إلى الجنة وبنات الحور. قبل أن ينتحر الإرهابي الشاب مفجراً نفسه عند بوابة معسكر أو في نقطة أمنية أو وسط مجاميع من الذين لا يعرف أسماءهم ولا هوياتهم يكون الذين جهزوه قد أقنعوه إما تضليلاً بالترغيب أو الترهيب أو عبثاً بكيمياء الدماغ، ما يطرح السؤال: كيف استطاع من أرسلوه حمله على اختيار الموت قاتلاً ومقتولاً فيما تعجز مؤسسات تستنزف المليارات من المقدرات في جذب انتباهه إلى أن الحياة تستحق أن تعاش وأن الموت انتحار لن يقربه إلى الله ولا إلى جنته بقدر ما سيتحمل وزر قتل النفوس المحرمة. قل ما شئت وأنت تتخيل مجموع الضغوط أو الإغراءات أو العبث بالأدمغة التي تسبق تحول شاب يفترض فيه التطلع للحياة إلى خاطب ودّ الموت وقتل كل ما تستطيع شظايا الحزام الناسف أو السيارة المفخخة والأشلاء الملتصقة بالبارود.. لكن كل قول سيفتح باباً حول مسؤولية ليس فقط من غرّر وموّل وحرض وربط الحزام أو فخخ السيارة فحسب، وإنما من وفّر مناخاً سهّل التقاط الضحايا المجرمين على هذا النحو الفاجر. كيف نجح المحرضون على الموت أن يقنعوا شباباً بامتهان القتل الذي لا يتحقق عادة إلا بقتل القاتل لنفسه، فيما تفشل مؤسسات دولة افتراضية في أداء دورها نحو إقناع نفس الشباب بأن إقدامهم على الانتحار يغضب الله وهم يبثون الخوف والرعب في نفوس أهلهم وأهل الضحايا، وأن هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من سفك دم مسلم.. ثم أين العلماء الافتراضيون من إقناع الشباب المسلم بأنهم مأجورون بالنعمة إذا شكروا وبالحياة الصعبة إذا صبروا. لن يأتي الواحد منا بجديد وهو يتحدث عن المسؤولية الدينية والوطنية والأخلاقية لجماعات تحويل الشباب إلى ضحايا يصطادون ضحايا أكثر بالجملة في بلد يشهد أبناؤه أن لا إله إلا الله ولكن.. هل من جديد عند الحكومة القادمة لاستحضار وظيفة الدولة الغائبة واستعادة مسؤوليتها الهاربة في النصوص لوضع حد للإرهاب وتجفيف منابعه وتحصين الشباب ضد بساطة التحاقهم بطوابير صناعة الموت. وليس تبريراً للإرهاب القول إن وراء كل جريمة انتحارية فساداً حكومياً كبيراً بعدد المؤسسات التي ترعى العبث والفوضى ونهب المال العام.. إنه الفساد الذي يقدّم القاتل والضحايا على أطباق الموت دون أي جردة حساب. وراء كل شر مستطير شيء اسمه الهروب الكبير من سؤال يكرر نفسه: من يضبط؟