واضح جدًا أن التحالف السيئ بين الخطابين الديني والسياسي لعب الدور الأكبر في جعلنا نعيش بنفسيات إنسان العصور الوسطى المتعطش للدم، وها هي البلد الآن تجني ثمار ذلك التحالف المدمر. عمليات إرهابية مستمرة، قطع طريق، مناوشات عسكرية هنا وهناك، مطالب انفصالية في الجنوب، حوار سياسي معطل بين الأحزاب، تكفير ولعن وشقدفة لكل من يخالفنا الرأي، وكل يوم ومعانا قارح جديد في اليمن، والا ماهيش عيشة. هذا العنف المتكاثر في بلادنا له أسباب مرتبطة بطريقة الحياة التي نعيشها وعلى سبيل المثال فإننا سنسخر من إنسانٍ يقول في برنامجه الانتخابي إنه سيزرع الورد في كل حارة، وسنهتف في المقابل- وبكل حماس- لمرشح آخر يقول إنه سيقطع عنق كل يهودي أو نصراني يدخل الحارة. وقلك من أين يجي العنف؟! في كل البلدان المتعافية يستقبل الأطفال أعيادهم بالرقص والغناء.. بالورد وبالحمام.. وفي بلادنا نستقبل العيد بالقوارح وألعاب الرصاص والطماش والبارود! وقلك من وين يجي العنف. ويكفي أن تمر في أحد الأزقة آمناً بأمان الله لتجد نفسك فجأة ترقص مفجوعًا فوق دستة طماش تتفرقع بين أقدامك و«الجهال» يضحكوا عليك لأن القوارح بالنسبة إليهم لعبة مسلية. وبالنسبة إلى شخص اصفرّ وجهه من الفجيعة لابد أنها ستكون دعابة من حق الجن! وقلك من أين يأتي العنف؟!. حتى في عيد الأم يحضر مسؤولونا الأشاوس إلى قاعة الاحتفال، وتجدهم يتحدثون عن الأمهات، باعتبارهن "صناديق ولادة فحسب" أنجبن للوطن رجالا سيستشهدون في سبيل مدري ما هو، مش باعتبار الواحدة منهن "أم" تريد أن تشاهد أبناءها وهم ينجحون ويعمرون الحياة، حتى لو كانت أم الجن . وستسمع المسؤول الكبير الذي يحضر إلى احتفالية عيد الأم وهو يتحدث إلى الأمهات، كرجل مشحوط جدا وفخور بأنهن أنجبن للبلاد أبطالاً دافعوا عن الثورة والوحدة والجمهورية ...الخ. ثم ستجده ينبع- سريعًا - من بعدها إلى شتم وقدح وذم أعداء الوطن الخونة والمرتزقة، والمختزقة، لتتحول قاعة الاحتفال الفرائحية تلك وكأنها اجتماع لمجلس قيادة الثورة.. وقلّك من أين يأتي العنف؟!.