في البدء تتفاجأ، وتالياً تنخرط في الضحك، ولاحقاً ينبغي أن تغضب وتدين وتحتج لأن (مطعم العصيد) المفضل لديك يتشبث حتى اللحظة باليافطة القديمة ذاتها التي تشيرُ إلى كونه لا يزال مطعماً ل(العصيد)، رغم أنه قد أصبح منذ سنوات (بنشراً) لإصلاح إطارات السيارات.. لا مناص من أن تفعل شيئاً إزاء يافطة وقحة مستمرة في البصاق على ذاكرتك.. تدلف المحل وتفجِّر غضبك على هيئة سؤال متثاقف ممتعض: أليس من المنطق أن تتغير اليافطة عندما تتغير المهنة كما يتغير الدال بتغيِّر المدلول؟! يمنحك صاحب (المطعم البنشر) نصف وجه ويرد بنبرة خفيضة باردة وهازئة متسائلاً فيما هو يعالج براغي إطار: كم يافطة في البلد برأيك ينبغي أن تتغير لذات السبب والمنطق؟! تلقي ب(مكعب نرد) فيدحرج عليك عجلة شاحنة ضخمة، وتجد نفسك تركض فاراً أمامها وأنت تحصي اليافطات.. اليمن لم يعد سعيداً منذ قرون، و(بروشورات وزارة السياحة) لا تزال تسميه (اليمن السعيد).. أصبح جهنماً وفي الأغنيات الوطنية لم يبرح (أرض الجنتين).. (الجمهورية) قضت نحبها في 68م والوحدة انفرطت في 94م.. حاول أن تقنع الأوراق الرسمية والطير الشاخص في الأختام ومقررات التربية الوطنية و(ألبومات أيوب) بذلك.. لا مواطنة لكن جواز السفر والبطاقة الشخصية ولافتات حملات التحصين وأسابيع المرور تصرخ في أذنيك أخي المواطن أختي المواطنة لا تصدقوا الشائعات.. (الماركسيون) يسبِّحون بحمد (السوق الحرة والإمبريالية)، و(القوميون) يستمطرون (واشنطن) احتلالاً تحت (الفصل السابع).. (اليسار) يصلِّي العشاء في السفارة الأمريكية ويَقْنُتُ في (البريطانية) فجراً.. ورغم ذلك تبقى الأسماء ذات الأسماء والشعارات ذات الشعارات و(عمي يا أبو الشاكوش) تصدح في قاعة المؤتمرات المعقودة باسم (اشتراكية) مصلوبة على قماش باهت ومحنطة على الجدران من قبيل المجاز.. لا أحد يمتلك الحافز الأخلاقي ليرفع عقيرته محتجاً على كل هذا الزور.. تتحول المسميات والمهام والمسارات إلى الضد مما كانت عليه، ولا يرى (المتحوِّلون) تناقضاً في استمرار الأسماء على ضلالها القديم، فالفصام المهيمن هو (طاقية الإخفاء) التي تتيح للجثث النافقة والمتكاثرة خارج المقابر، أن تهرب من استحقاقات الدفن؛ إلى سدة الأحزاب والحكومات وهيئات تحرير الصحف، مشيعة بتصفيق السذج وزغاريدهم، وتدَّعي بقاءها على قيد الحياة، دون أن يفطن المفتونون بالشعارات والأناشيد الأممية إلى عفنها واهترائها. في الابتدائية كنا نتداول نكتةً عن (رجل كتب كلمة ملح على شوالة سكَّر، ليخدع النمل فتنصرف عنها)، واليوم فإن النكتة إياها باتت حقيقة تدمي قلبك وأنت تشاهد (السماسرة والكمبرادور) يسوِّقون نفايات الرجعية والإقطاع وقوى الاستغلال في لبوس حداثية زاهية، ويبيعون (حنظل النزعات العنصرية والتكفيرية) في (سوق الرفاق) بوصفه (سكَّراً أممياً)، والكارثي أن هذا الخليط الشاذ يستقطب آلاف المستهلكين.. يحدث أن تصادف (هيجل وماركس) خلف بزة (بنشري) زرقاء ومضمخة بالزيوت والأتربة، كما أن تصادف سمساراً ومرابياً رخيصاً خلف نظارات رئيس تحرير صحيفة ناطقة باسم الكادحين.. استفتوا (فيروز) في خداع (الأسامي).