مع إعلان حزب حركة نداء تونس ترشيحه الشخصية السياسية المستقلة الحبيب الصيد رئيسا للحكومة الائتلافية القادمة يكون النداء قد حسم مشاورات ماراثونية وصعبة في مسألة رئاسة الحكومة وإسنادها ل"كفاءة مستقلة ومن خارج النداء" ويقدم أنموذجا على المشاركة بحيث لا يجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. كما يكون الحزب الذي يقوده السياسي المخضرم الباجي قائد السبسي بهذا الترشيح قد ترفع عن الاعتبارات الحزبية الضيقة إذ يحق له سياسيا وقانونيا ترشيح قيادي من النداء، ليقدم مصلحة تونس التي لا تحتمل حكم الأغلبية وينتصر للتجربة الديمقراطية الناشئة. وكان قائد السبسي أوصى قيادات النداء ب"التوافق" على اختيار رئيسا للحكومة "من خارج الحزب" في إطار توسيع المشاركة السياسية ودعم التجربة الديمقراطية بعيدا عن أي شكل من أشكال "الاستئثار" بالحكم. ويعد الصيد من الشخصيات السياسية المستقلة التي تحظى بثقة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وهو مقرب جدا من الباجي قائد السبسي حيث تولى حقيبة وزارة الداخلية خلال فترة حكومته التي خلفت حكومة محمد الغنوشي بعد ثورة يناير/كانون الأول 2010. وشغل الصيد البالغ من العمر 65 عاما منصب مدير ديوان وزير الداخلية في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، بين سنتي 1997 و2000، ما جعله يلم بأهم الملفات المطروحة اليوم على تونس وفي مقدمتها توفير التنمية ومكافحة الإرهاب وإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة المدنية وهيبة مؤسساتها السياسية. وعزا سياسيون اختيار الصيد رئيسا للحكومة إلى "خيار سياسي إستراتيجي" انتهجه نداء تونس يقضي بفسح المجال أمام الأحزاب الوطنية والديمقراطية لتشارك في حكومة ائتلاف وطني تعكس إرادة الشعب التونسي وتطلعه إلى إنجاح التجربة الديمقراطية بعيدا عن أي شكل من أشكال الهيمنة أو احتكار الحياة السياسية من خلال التفرد بالحكم". واستبعدت المصادر نفسها مشاركة حركة النهضة في الحكومة، وأوضحت أن الصيد سيشكل حكومة ائتلاف وطني مطعمة بعدد من الكفاءات ولن تشمل وزراء من حركة النهضة. ويرى مراقبون أن خيار نداء تونس بتكليف شخصية سياسية مستقلة رئيسا للحكومة القادمة "هو الخيار السليم" خلال هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد خاصة بالنظر إلى خطورة التحديات، وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب وتوفير التنمية وتنفيس حالة الاحتقان الاجتماعي وإنعاش الاقتصاد. ويلاحظ المراقبون أن قائد السبسي الذي تعهد أكثر من مرة أن النداء صاحب الأغلبية البرلمانية لن يحكم بمفرده "يريد تشريك مختلف الأحزاب الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني والكفاءات الوطنية في حكومة تحظى بتأييد شعبي وسياسي بما يجعلها قادرة على إنقاذ تونس من الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها مند أربع سنوات نتيجة السياسات الفاشلة التي انتهجتها حركة النهضة خلال فترة حكمها خلال عامي 2012 و2013.