أجدني مرة أخرى أعبر عن إعجابي بمضامين البرامج التلفزيونية التي يعدها ويقدمها الشيخ محمد العامري من خلال شاشة (السعيدة)، سواء تلك المرتبطة بالأعمال الخيرية لإقامة مشروع مستشفى الأمل للأورام بعدن أو تلك المرتبطة بالجوانب الفكرية والتاريخية والسياسية وبخاصة البرنامج الوثائقي الذي يجمع الشيخ العامري بالشخصية المعروف الدكتور صالح باصرة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعتي صنعاء وعدن، وذلك في محاولة لإعادة استحضار التاريخ القديم والمعاصر لليمن من أجل تعريف الأجيال الجديدة بتلك المحطات وإنعاش الذاكرة الجمعية بتمثل حقائق التاريخ بكل انطلاقاتها وتجلياتها وانكساراتها أيضاً. هذه ملاحظة أولية أسجلها للرجلين على الجهد المشكور في إطار هذه القراءة المتصلة بحقائق التاريخ اليمني، غير أن إشارة الشيخ العامري في إحدى حلقات البرنامج الأخيرة إلى أن هذه القراءة سوف تجمع في كتاب يصدر مستقبلاً قد استوقفني للملاحظة، خاصة وأن بعض مضامين تلك الحلقات بحاجة إلى تشذيبها، الآراء والانطباعات التي وردت خارج سياقها الموضوعي والتاريخي والزماني وهي عديدة فضلاً عن تداخل عديد من المسميات والأمكنة في تلك الحلقات. أما الأمر الآخر الأكثر أهمية في هذه الملاحظات فيرتبط بتلك القراءة السريعة التي عرضها ضيف الحلقات، وبخاصة ما يتصل برصد وتحليل التطورات السياسية التي طبعت فترة حرجة من تاريخ الشطرين قبل الوحدة وعلى نحو خاص خلال الفترة الممتدة بين السبعينيات وحتى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م حيث جاءت قراءة الدكتور صالح باصرة مبتسرة وسريعة أشبه ما تكون باستعراض العناوين الرئيسة لتلك الفترة، بل أجدني بحاجة إلى القول بأن الباحث كان مغرقاً في الانطباعية وهو يتحدث عن بعض الشخصيات والقيادات السياسية الوطنية التي كان لها دور ما في مجرى تلك الأحداث، وبخاصة عند توقفه أمام الظروف المحيطة لفترة الاحتراب بين الشطرين وكذلك الصراعات الدموية داخل كل شطر على حدة. ولا بأس من الإشارة هنا إلى أن مرور الدكتور باصره تجاه الأحداث التي صاحبت اغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي ومن ثم اغتيال الرئيس أحمد الغشمي كانت هي الأخرى متسمة بالعجالة، فضلاً عن ملابسات تصفية الرئيس سالم رُبيع علي وموقف بعض القيادات من تلك التطورات والأحداث وتحديداً الموقف من الرئيس عبدالفتاح إسماعيل الجوفي إزاء مشهد وملابسات التصفية الجسدية للرئيس الشهيد رُبيع، بالإضافة إلى تطورات المشهد عقب وصول الرئيس علي عبدالله صالح إلى السلطة عام 1978م وأحداث ما عرف بالانقلاب الناصري بعد ذلك.. وغيرها من التطورات في تلك الحلقات التلفزيونية التي كانت بحاجة أكثر إلى التوقف ملياً ورصد خلفياتها الاجتماعية والسياسية والتحالفات القبلية والخارجية لإثرائها وتعريف الأجيال بخلفياتها وأبعادها ومحركاتها الذاتية والموضوعية لأنها تعد من أكثر الفترات خصوبة في إطار الصراع على السلطة الذي نشهد بعض فصوله اليوم وإن بصورة مغايره!