عاجل: العثور على الرئيس الإيراني وطاقمه بعد سقوط مروحيتهم والكشف عن مصيره ووكالة فارس تدعو "للدعاء له"    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلطان مؤرخ أمين يروي الأحداث بموضوعية ونزاهة
نشر في الجنوب ميديا يوم 28 - 11 - 2012

في مجال سرد وترجمة ما مر بصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، من أحداث أصدر سموه كتابين سابقين الأول "سرد الذات" والثاني "حديث الذاكرة الجزء الأول" وقد كان كتابه الأول يؤرخ لأحداث منذ طفولته إلى قيام دولة الإمارات العربية المتحدة واستلامه مقاليد الحكم في إمارة الشارقة، وكانت تلك فترة مهمة من حياة المجتمع الإماراتي عامة، والشارقة خاصة، ومن حياة الشيخ سلطان ذاته، زاخرة بكثير من الأخبار والأحداث خاصة في ما يتعلق بالحديث عن الاستعمار البريطاني، وما كان يتسم به الشيخ سلطان وجيله من نزعة تحررية ونفور من هذا الوضع، وما قام به سموه من أفعال بطولية في لحظات خفاء عن العيون، والذي لولا ستر الله لا نكشف أمر سموه وتعرض لانتقام شديد وعقاب صارم، وما إلى ذلك من أحداث جميلة ممتعة في فم القارئ اليوم وهو يقرؤها وإن كانت وقتها على درجة من الصعوبة أو الخطورة .
لقد كانت لي وقفة تفصيلية في قراءة هذا السفر المهم والجميل حيث نشرت عنه حديثاً في جريدة "الخليج" تناول جوانب ما جاء فيه من أحداث وسير، وأعطيت القارئ عنه جرعة تحليلية عامة تشجيعاً لمن لم يقرأ الكتاب لقراءته، حيث كان بلا أدنى شك كتاباً مهماً إلى درجة كبيرة، يشكل في مضمونه تسجيل أحداث فترة مهمة من حياة الجيل سواء ما كان منها مرتبطاً بطفولة الشيخ سلطان الذي تسنى له في التوثيق جمع كثير من أحداث طفولته، بحيث رسم لنا صورة واضحة لهذه الطفولة، أو ما يتعلق منها بمظاهر الحياة في المجتمع حيث جسّد لنا بعض معالم إمارة الشارقة القديمة وقتها، حتى كأنك تلج في سكيكها وتعبر ساحاتها وتنظر إلى جمال بيوتها وتتعرف إلى عادات أهلها وبعض فنونهم، إلى غير ذلك من مظاهر كانت عليها الشارقة قديماً، حيث رسمت ريشة سموه في الكتاب تفاصيل معالم ذلك المشهد القديم وخلدت صوره في ذهن ووجدان القارئ مما لم يبق منه في واقع الشارقة الجديد شيئاً سوى ما ضمه الكتاب عنه، حيث تحولت الشارقة اليوم إلى مدينة حديثة بشوارعها وعمرانها وجامعاتها ومؤسساتها وتخطيطها الحضاري وحدائقها ومتاحفها ومساجدها، مما هي على طرفي نقيض مع قديمها الذي شرف كتاب الشيخ سلطان بتوثيقه وتفصيله لأبناء الجيل الحاضر ولمن بعدهم من أجيال ممن لم يتح لهم العمر الزمني العيش في ذلك الوقت ومعايشة مظاهره وأحداثه . وحيث إنني باحث في التراث الوطني، أعلم مدى ما يمثله الكتاب من أهمية في مجال حفظ التراث والتاريخ وتوثيقه، حيث أتى على تسجيل أحداث فترة منذ طفولة سموه المولود في عام 1939م إلى ما بعده بكثير، وتلك من أهم الفترات في حياة المجتمع التي كانت تحمل إرهاصات وبشائر لتخطي ذلك الواقع المؤلم المعيش لينبثق على أرضها فجر الاتحاد الذي صنعه الرجال مثل الشيخ زايد بن سلطان والشيخ راشد بن سعيد والشيخ سلطان بن محمد، وغيرهم من حكام الإمارات المؤسسين العظام الذين كان لهم الفضل بعد الله تعالى في ولادة هذا الصرح والكيان العظيم، الذي ولد قوياً وظل على ما هو عليه يزداد ثباتاً ورسوخاً حتى اليوم وإلى ما بعده إن شاء الله تعالى .
كان هذا الكتاب من أهم الكتب التي صدرت عن تلك الفترة المهمة، وتلا ذلك كتاب "حديث الذاكرة الجزء الأول" الذي لا يقل أهمية عن سابقه من حيث مضمونه وأحداثه التي سجلها سموه بين دفتيه، والتي عاشها بصفتها أحداث عصره، أو تلك التي شارك في جزء كبير منها أو صنعها بنفسه، وأكثرها من هذا النوع، لذلك كان الكتاب له هذه الأهمية الكبرى بالنظر إلى هذا الجانب الذاتي لأن الإنسان الذي يروي أحداثه التي مرت به أو التي صنعها بنفسه، يكون أقرب كثيراً إلى الحقيقة والمصداقية من الذي يروي عن غيره من الآخرين أحداثاً لم يعايشها بنفسه .
لذلك، فإن الشيخ سلطان سجل في هذا الكتاب أحداث سيرته في فترة ثانية، وهي فترة توليه مسؤولية الحكم في إمارة الشارقة وعضوية المجلس الأعلى للاتحاد إلى عام 1979م، وكانت فترة من أخصب الفترات التي عاشها الكيان الاتحادي وعاشها شعب الإمارات، مملوءة بالأحداث، زاخرة بالقضايا الحساسة التي لم يتسن لبعضها أن يخرج إلا من خلال رواية الشيخ سلطان لها بتلك الصورة من الصراحة والمسؤولية، بعيداً عن تأثير الناحية الشخصية التي يمكن أن تطغى على الشخص حين روايته أحداثاً تتعلق به أو شارك في صناعتها .
ولكن للإنصاف أقول إنني من خلال ما قرأته من كتاب الشيخ سلطان "حديث الذاكرة الجزء الأول" الذي كان فيه بعيداً عن الناحية الذاتية والشخصية، فقد روى أحداثاً على جانب من الارتباط الشخصي به، ولكنه غلب عليها طابع الأمانة التاريخية بحيث جاءت كما وقعت من دون تحوير أو إضافات أو تعديلات، وإنما ذكرها بكل تجرد ومصداقية، عرفت ذلك من خلال اطلاعي على كثير من هذه الأحداث، حتى ولو كانت على غير هواه ورغبته لكنه كان فيها مؤرخاً عادلاً أنصف فكر التاريخ والأجيال فيها .
فقد ذكر في كتاب "سرد الذات" حادثة إبعاد الشيخ صقر بن سلطان القاسمي، رحمه الله، حاكم الشارقة سابقاً بكل أمانة وتجرد وصدق، وسجل في تاريخه في هذا الشأن وقوف الشيخ صقر مع حقوق مواطنيه من خلال دعمه لجهود الجامعة العربية في هذا المجال، رغم أن بينه وبين الشيخ صقر خلافاً كبيراً نعلم جميعاً أبعاده وتفاصيله، لكنه لم يشأ أن يجعل لذلك تأثيراً فيه بشكل من الأشكال، وإنما كان في قمة تجرده وإنصافه، حتى إنني سمعته في مقابلة حديثة بتلفزيون الشارقة يقول فيها إنه سعى منذ بداية توليه المسؤولية بعد الحادثة الثانية التي ذكرها سموه بالتفصيل في كتابه "حديث الذاكرة الجزء الأول" حثيثاً إلى رأب الصدع وإعادة صفاء العلاقة بين أفراد العائلة القاسمية التي تأثرت بما حدث، وذلك من كمال عقل سموه وحكمته، حيث لا يريد للصراع أن يتفاقم، لكونه يصب في غير المصلحة العامة للشارقة عامة، وللعائلة الحاكمة فيها خاصة، وإنما بادر بكل تعقل وفهم وإدراك لتطويق أسباب الخلاف وتصفية الأجواء، مما يمكن أن يعصف بها من مكونات الخلاف العائلي، ونجح سموه في ذلك نجاحاً كبيراً حتى لم يعد من يذكر ذلك الخلاف إلا من باب المعلومات والتوثيق التاريخي ليس إلا، وذلك ما يحسب للشيخ سلطان في توثيقه لتاريخ مجتمعه وأحداثه مما يعطي للكاتب ورواياته قبولاً لدى القراء، إلى غير ذلك من مثل هذه الأخبار والأحداث التي تجرد فيها سموه لمصلحة الحقيقة والتاريخ من دون أن يحسب لأية أغراض أخرى حساباً سوى لمصداقية رواياته واحترام عقل القارئ وتجرده لقول ما حدث طبق ما حدث في واقعه .
لقد كانت فترة حديث "الذاكرة" الجزء الأول فترة فيها خصوبة، وتوالي أحداث وتتابع قضايا وزحمة في حدوث كثير من ذلك، وقد تعرض كتاب الشيخ سلطان لكثير من هذه الأحداث التي ربما لا تجد بعضها في غيره من الكتب التي كتبت عن الاتحاد .
ومما يبين في هذا الكتاب واضحاً مدى الحب والتبجيل الذي يحمله سموه في جنبيه للشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، حتى إنه لما أراد الشيخ زايد أن يزور إيران سبقه الشيخ سلطان إلى هناك، واجتمع بشاه إيران، واتفق معه على ترتيب أمور هذه الزيارة بالشكل الذي يتناسب ووضع الشيخ زايد ومرتبته كرئيس دولة وزعيم أمة، وقد فرح الشيخ سلطان حين علم بمدى الاهتمام الذي أبداه شاه إيران بالشيخ زايد في زيارته، وللإجراءات الملكية التي استقبل بها وما أداه ذلك إلى نجاح الزيارة وتحقيق أهدافها .
وكم لاحظنا في ثنايا الكتاب مدى وحدوية الشيخ سلطان ودعمه المطلق للاتحاد في بداياته، بحيث كان الحاكم المبادر والسباق إلى ضم جميع الدوائر والمؤسسات المحلية إلى الوزارات الاتحادية من دون أدنى تريث أو تردد وإصدار أوامره الجريئة والحاسمة بإنزال علم الشارقة ورفع علم الاتحاد مكانه على الدوائر والمؤسسات المحلية في احتفال مهيب حضره الشيخ زايد شخصياً، لإيمانه بأن الاتحاد هو مصير هذا الشعب والدولة وكان في ذلك مضرب المثل والإشادة بفعله الوحدوي الذي لا يمكن أن يقدم عليه بداية إلا رجل تغلغل حب الاتحاد في قلبه وشرايينه، هذا الاتحاد الذي كان في ذهن سموه يوماً حلماً وأصبح اليوم واقعاً يعيشه ويشارك في تثبيت وترسيخ أركانه، تجد ذلك وغيره من الأحداث والأخبار الهادفة الكثيرة التي زخرت بها أوراق الكتاب .
وقد أعجبني حقاً ما سطره الشيخ سلطان من أحداث سيرته الذاتية في هذا الكتاب، فكتبت في حينه حديثاً مطولاً عما تضمنته صفحات الكتاب نشرته على حلقات بجريدة "الخليج" وقد كان ما كتبته موضع إعجاب وتقدير من كثير من الإخوة الذين قرأوه وعلى رأسهم الشيخ سلطان الذي بلغني أنه أبدى ارتياحاً لما كتبته عن كتابه، وذلك ما شجعني حقيقة لأن أعقد العزم بعد قراءة كتابه الثالث في مجال ترجمته "حديث الذاكرة الجزء الثاني" لأن أتعرض له بالحديث ليكون تكملة لما كتبته عن سابقيه، ولتكتمل سلسلة كتابتي عن ترجمة حياة الشيخ سلطان في كتبه الثلاثة المهمة للقارئ الإماراتي خاصة والعربي عامة، والتي تعتبر بأجزائها الثلاثة ترجمة لأحداث الوطن قبل وأثناء الاتحاد، والذي ربما لن نجد من يمكن أن يؤرخ لهذا التاريخ مثل الشيخ سلطان، لكونه محور الكتابة في الأحداث التي عاشها ومرت به، ولمصداقيته وأمانته بحيث أورد الروايات كما عاشها وعاصرها من دون أن يتدخل فيها بالتعديل والتحوير لتناسب وضعه كحاكم، يحتاج أن يسوّق الأحداث لمصلحته، ليبرز كأنه قطب الرحى في كل ما يؤرخ ويوثق له من أحداث .
لقد كانت روايات سموه لأحداث حياته في كتبه الثلاثة شاملة لم يقصرها على ناحية معينة، وإنما شمل بها كثيراً من الأحداث حتى الرياضية والكشفية والمسرحية والتعليمية والثقافية منها، فقد تعرض لذلك بشيء كبير من التفصيل، حتى أنه أورد بعض الروايات الفكاهية وبعض ما أورده كان أحداثاً ومواقف محرجة من دون أن يتدخل في سير روايتها، فقد تمكنت صنعة المؤرخ الأمين في قلم الشيخ سلطان حيث كان على مستوى ما يروي من أحداث من حيث صدق الرواية وأمانته فيها . والذي قرأ الكتابين السابقين واستوعب ما أورده الكاتب فيهما من أحداث ومواقف وأخبار لاشك يكون مشوقاً وراغباً إلى حد بعيد في استجلاء ما سيكتبه الكاتب وما سيسجله في كتابه الثالث "حديث الذاكرة الجزء الثاني" بصفته استكمالاً لأحداث الجزء الأول منه الذي سرد الكاتب أحداثه فيه إلى بداية عام 1979م ويحتاج ما تبقى من سنوات إلى استكماله وبيان كثير من أخباره وما عسى الكاتب أن يقوله في هذا الشأن الهام من أحداث تاريخ تلك السنوات المتبقية من مسيرة الاتحاد المظفر إن شاء الله .
فمن يطالع مقدمة الكاتب في هذا الكتاب يعرف مدى ما يشغل عقل سموه وذهنه من قومية تعيش بكيانه وتضرب أطنابها في أعماق نفسه، فهو كما يقول "إن الدولة الحديثة دولة الاتحاد وهي جزء من العالم العربي مثل وحدة العالم العربي تهمني، وانطلاقاً من كوني المسؤول في الشارقة فقد كنت أرى أنه من واجبي أن استمر في بذل الجهود والعمل ليس فقط من أجل ترسيخ دعائم الاتحاد الذي هو مطلب محلي أساسي، بل والمضي قدماً ومواصلة الطريق لإظهار العالم العربي فكراً وحضارة في مستوى التحديات"، ويكمل بقوله "ولقيت في سبيل هذه الغاية عنتاً ومعاناة هانت أمام نبل الغاية وسلامة المقصد" .
فمن خلال هذه المقدمة ترتسم في ذهن القارئ أبعاد شخصية الشيخ سلطان من جانبها القومي والفكري، بحيث يعلم يقيناً بأنه قومي النهج والهوى، بقدر ما تهمه مصلحة الاتحاد والعمل لأجله يهمه العمل من أجل وحدة العرب وإظهارهم في المستوى الحضاري والفكري اللائق بهم، وأنه تحمل من أجل ذلك عنتاً ومعاناة غير أنه صبر وثابر لتحقيق تلك الغاية السامية التي يرى أن العنت الذي يصيبه يهون من أجل تحقيقها وتلك إيجابية تحسب لسموه في تمسكه بعروبته وقوميته والدفاع عنها منذ بداية حياته إلى اليوم، بحيث يمكن أن نعد الشيخ سلطان سفير العروبة الأصيل في عالمنا المعاصر، خاصة أن سموه من منطلق معرفة وإيمان يربط مسلك العروبة بالإسلام، فإذا تحدث عن العروبة ألصق بها صفة الإسلام، وهذه لاشك نظرة صائبة في النظر إلى معنى العروبة الحقيقي المرتبطة بدينها، إذ هما توأمان لا ينفصلان، أما العروبة المجردة من انتمائها الإسلامي فلا يقصدها الشيخ سلطان في حديثه خاصة في لاحق أيامه، حيث بدأ يتضح جلياً في ذهنه هذا المعنى الحقيقي للعروبة، إذ اتسم الشيخ سلطان بصفات وخصال إسلامية وعمل على تنمية هذا الجانب سواء كان في حياته شخصياً أو في حياة بلده ومواطنيه، حتى غدت الشارقة في عهده نموذجاً في النهج والتوجه الإسلامي، يضرب بها المثل في عالمنا اليوم، من خلال ما تحقق فيها من عمل وتنمية إسلامية هادفة بقيادة حاكمها ذي التوجه الإسلامي الأصيل والعمل الدؤوب على تنمية المجالات المتعلقة بهذا الجانب .
ويبين من تتبع ما سجله الشيخ سلطان في كتابه أنه كان يوثق هذه الأحداث في مذكراته بشكل دقيق وواضح ويذكر من خلالها أشخاصاً وتواريخ محددة تعطي انطباعاً لمن يقرؤها بأنها توثيق منذ بداية حدوثها، وهذا مسلك وتصرف محمود في مثل هذه الأحداث التي تحتاج إلى مثل هذا التوثيق التاريخي أولاً بأول، لأنه لا يمكن لذاكرة إنسان مهما كان متابعاً ودقيقاً أن تستوعب مثل هذه الأحداث التاريخية الدقيقة بأشخاصها وتواريخ حدوثها، وذلك ما يعطي لهذه الترجمة دقة ومصداقية ووثوقاً لدى القراء .
ومن أهم القضايا التي أولاها الشيخ سلطان اهتمامه ورعايته والتي تعتبر قضية العرب المركزية هي قضية فلسطين . . فقد أولاها سموه في مذكراته أهمية بالغة وبذل ولا يزال يبذل من أجلها جهداً وتأييداً كبيراً، واستغلال أي فرصة للحديث عنها واثبات حقوق أهلها، ولفت النظر والاهتمام ناحيتها، ويبين شيء من ذلك في الاحتفال الذي أقامه في ميدان الرولة بمناسبة زيارة الرئيس السابق للولايات المتحدة جيرالد فورد في يناير/كانون الثاني 1979م، وكان ضمن الفقرات التي قدمت للضيف نشيد من أداء طلاب وطالبات مدارس الشارقة، جاء فيه أن النملة لها جحر، والطير له عش، والذئب له وكر، أما الفلسطيني فبلا بيت .
وكان الشيخ سلطان يترجم معنى ذلك النشيد للرئيس الضيف .
وفي اجتماع بينهما في تلك الزيارة فتح الشيخ سلطان موضوع القضية الفلسطينية وما تعرض له الشعب الفلسطيني، ولم يتمالك سموه مشاعره فذرفت عينه دموعاً وهو يصف ما تعرض له الأطفال والعجزة مما كان من نتيجته تأثر الضيف بهذا الموقف، وقد طلب سموه من الضيف وقد استمع إلى طلبات الأطفال في نشيدهم بوجوب أن يكون لهم وطن، أن يعمل على تحقيق هذه الأمنية فرد الضيف بأنه سيعمل ما في وسعه ليطالب بذلك .
وقد أثر موقف الشيخ سلطان ومطالبته في ذهن الضيف ووجدانه، حتى إنه في اليوم التالي، كما يذكر سموه، حضر إلى مقر إقامة الضيف السفير الأمريكي لدى الدولة، وعندما سأل السفير الضيف "كيف رأيت صاحبي الليلة الفائتة" يقصد الشيخ سلطان، رد جيرالد فورد بقوله: "لقد قلب دماغي رأساً على عقب" .
ولقد أثمرت تلك الجهود الخيرة والحثيثة للشيخ سلطان في نصرة قضية الشعب الفلسطيني، حيث يذكر سموه أن الضيف جيرالد فورد كان في وقت لاحق مشاركاً في تشييع جنازة الرئيس المصري أنور السادات في عام 1981م، وقد شاهده وهو يدلي بتصريحاته للصحفيين قائلاً "أطالب بوطن للفلسطينيين"، ومما لا شك فيه أن ذلك أفرح الشيخ سلطان وأسعده، حيث أسفرت جهوده عن إقناع أحد المؤثرين في السياسة ليكون في صف مطالب الفلسطينيين، ولا تزال جهود الشيخ سلطان في هذا الدعم واضحة مستمرة إلى غايتها ومقدرة ومشكورة، وهذه من سمات ومميزات الشيخ سلطان الراسخة في نفسه المعبر عنها في أقواله ومواقفه القومية الثابتة التي لا تتزعزع ولا تتغير، بينما تغيرت من حوله مواقف كثير من القوميين الذين انقلبوا رأساً على عقب وغيّروا كثيراً من مفاهيمهم وثوابتهم بعكس الشيخ سلطان الذي ظل وفياً لمبادئه ومواقفه حسبما يظهر شيء من ذلك في الكتابين الثاني والثالث .
ويظهر جلياً من خلال بعض ما ورد في الكتاب أن الشيخ سلطان يعرف أقدار الناس وينزلهم منازلهم التي يستحقونها، ويخاطبهم بالألقاب التي تناسب مقاماتهم، فعندما ذكر الرئيس جيرالد فورد وصفه بفخامة الرئيس، وعندما كان يذكر بعض الوزراء يقول معالي الوزير وهكذا مع كثير ممن وردت أسماؤهم أثناء حديثه، كما يبين في توثيقه عدم تجاهله أي اسم له دخل في سير هذه الأحداث بشكل أو بآخر، فحين يزور في فبراير/ شباط 1979م مدرسة الخليل بن أحمد الثانوية بخورفكان يذكر اسم الطالب الذي ألقى كلمة ترحيبية بسموه، كما يذكر اسم الشاعر الذي ألقى قصيدة بهذه المناسبة .
ويحمل الشيخ سلطان في نفسه تقديراً ومنزلة عالية للمعلمين الذين يعلمون الجيل ويثقفونه، حتى إنه ذكر في كلمته التي ألقاها في ذلك كيف أن الناسا في ألمانيا حين ذهبو لبسمارك ليشكروه على نجاح وحدة ألمانيا، رد عليهم لا تشكروني بل اشكروا المعلم . . وفي ذلك ما يبين عن مدى أهمية المعلم لدى سموه واحتفائه به وتقديره له، وإنني لأرى أن لهذه الخاصية في نفس الشيخ سلطان ما يرفع من قدر مقامه في عين وأذن وقلب من يراه، أو يسمع عنه، أو يقرأ له، مثل هذا الحديث الناضج .
لقد تمثل جزء من هذه الخاصية عملياً في العلاقة الحميمة التي ربطت بين الشيخ سلطان وبعض مدرسيه السابقين الذين درس وتتلمذ على أيديهم في فترة صغره، وبقاء هذه العلاقة مع بعضهم في أجمل صورها حتى اليوم، مما يكشف عن حقيقة احتفاء واهتمام الشيخ سلطان بالمعلم نظراً لدوره الذي يؤديه في بناء الأجيال عقلاً وتربية وأخلاقاً .
يظهر الشيخ سلطان من خلال مذكراته في غاية الصدق والأمانة كما ذكرت، ينقل الحدث كما وقع، وذلك ما يبين شيء منه في زيارة ملكة بريطانيا الملكة إليزابيث الثانية وزوجها الملك فيليب، وكان الشيخ سلطان أثناء استقبال الشيخ زايد لهما في قصر المشرف قد تقدم إلى الملك بدعوة له وللملكة بزيارة الشارقة غداً . . وفي الغد جاء سموه خبر اعتذار عن هذه الزيارة وكان بإمكانه أن يذكر تفاصيل الزيارة من دون أن يعرج إلى طلبه زيارتهما للشارقة، ويغض النظر عن اعتذارهما عن تلك الزيارة فلا من شاف ولا من درى كما يقال، لكن الشيخ سلطان من صدقه وأمانته يذكر ذلك بكل وضوح وصراحة من دون أي حرج مطلقاً لكون ذلك قد حدث فلماذا يخفيه عن القراء؟
ويذكر الشيخ سلطان عن اجتماع المجلس الأعلى لمناقشة المذكرة المشتركة التي أعدها المجلس الوطني الاتحادي ومجلس الوزراء، الخاصة بتنمية مشروعات الدولة في مختلف المجالات في 19 مارس/اذار ،1979 وكانت جلسة حساسة فيها من الموضوعات الهامة والمصيرية ما يدعو لمزيد من النقاش وشحذ الهمم واتخاذ القرارات الحاسمة، وكان الشيخ زايد، رحمه الله، قد بلغت به الحماسة مبلغاً أعلن فيه كما ذكر الكاتب، عن استياء الشيخ زايد من استمرار تراجع الأوضاع على النحو الذي كانت تثير حفيظته، وألح على أنه لن يكون مستعداً لتحمل مزيد من التدهور إذا سارت الأمور على نفس المنوال، وأنه سيضطر لمصارحة الشعب بكل الحقائق، وفي هذه الأثناء كانت جموع أبناء الشعب من كافة الإمارات تتجمع حول قصر المشرف مكان الاجتماع، تهتف بأعلى صوتها مطالبة بالوحدة وإلغاء الحدود المحلية، وهم يحملون أعلام الدولة كأنهم كانوا مصرين على أن يحصلوا من المجتمعين على قرارات حاسمة في هذا الشأن .
وخرج رئيس الدولة ليتحدث إليهم حديث الأب لأبنائه حديث القلب إلى القلب وقد تهدج صوت سموه واختلط بدموعه، مطمئناً الجموع على حرص القادة على مصلحة الوطن والمواطن، مما ألهب حناجر الجماهير على مبايعة الشيخ زايد وقدموا له وثيقة أطلقوا عليها "وثيقة الشعب" .
ومما قاله الشيخ زايد، رحمه الله، لهذه الجماهير "نحن مستعدون لأن نصرف من صحتنا وراحتنا وكل ما نملك في الحياة لمصلحة المواطن والوطن وسنبقى دائماً حريصين على ذلك فمسيرتنا مسرعة ومستمرة"، كما قال لهم أيضاً "إنني وإخواني فخورون بشعوركم هذا وحرصكم على كيان الدولة وإبرازها وسلامتها من التفكك لأن التفكك ضعف وهذا لا يجوز خاصة في هذا الوقت" .
لقد أعاد إلينا الشيخ سلطان بهذا التوثيق والتصوير الأدبي ذكريات عابقة، كان يفور فيها القلب من الحماسة الوطنية وكان حلم الشباب يدفعنا إلى أمل تحقيق الوحدة الشاملة وكلما تحققت خطوة نحو الوحدة حلمنا بأختها، وكان شعب الإمارات بجميع فئاته يقف مع الوحدة وضد كل خطوة تراجع إلى الخلف، كانوا يطالبون بمزيد من العمل الوطني الدؤوب من أجل تحقيق الوحدة الشاملة وإلغاء مظاهر التباطؤ في تحقيق الوحدة المنشودة، وكان نجم الموقف كله الشيخ زايد الذي وقفت الجماهير معه تؤيده وتناصره، ووقف هو معها يشد من أزرها في مشهد آسر غير مسبوق سجله الشيخ سلطان بكل دقة وبيان، وكانت تلك نقطة فارقة في مسيرة الاتحاد كسب الشيخ زايد من خلالها تأييداً شعبياً منقطع النظير حيث فوضه الشعب في العمل على تقوية أواصر الاتحاد والسعي به إلى آفاق أرحب .
لقد خرجت مسيرات من جميع الإمارات ممثلة لجميع أفراد الشعب مطالبة بالوحدة، ودعم الخطوات الاندماجية وماجت الدولة جميعها بهذه المطالب الوحدوية .
يذكر الشيخ سلطان أنه في اجتماع المجلس الأعلى في يوم 30 ابريل نيسان 1979 كلف المجلس الشيخ راشد بن سعيد برئاسة الحكومة، حيث تم تشكيل الحكومة في 2 يوليو/تموز 1979 وكلمة حق يوثقها الشيخ سلطان في حق الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، وقد رحل عن الدنيا بأن فترة رئاسته للحكومة تحقق المزيد فيها من المساكن الشعبية والمرافق العامة مثل الطرق وموانئ الصيادين، وذلك جزء مما شهدته البلاد أثناء فترة رئاسة الشيخ راشد، وما قد ركز عليه الشيخ راشد سواء كان من حساب الوزارة التي يرأسها أو من حسابه الخاص، إذ انتشرت في الإمارات وخاصة في المناطق المحتاجة مدن من المنازل الشعبية التي لا تزال شاهدة على أياديه البيضاء وأفكاره البناءة العملية .
ولقد كانت جهود الشيخ سلطان في ذلك الوقت واضحة في خدمة الشارقة ومواطنيها وتوجيه اهتمامه نحو النهوض بها في جميع المجالات الثقافية والاجتماعية والتجارية والعمرانية والصناعية، ومن أهم أعماله كما يذكر إنشاء ميناء خورفكان الذي يسر سبلاً لكثير من السفن لإفراغ حمولتها من كثير من الحاويات التي تنقل منه إلى الموانئ الأخرى، مما وفر كثيراً من نفقات النقل، خاصة وقد ارتفعت تكاليف التأمين على السفن التي تدخل منطقة الخليج نظراً لتزايد التهديدات بين الثورة الإيرانية والحكومة الأمريكية التي أرسلت أساطيل حربية كانت تجوب مياه الخليج، مما أدى إلى ازدهار ميناء خورفكان ونمائه كأنه ترجمة عملية للمثل الذي يقول مصائب قوم عند قوم فوائد" .
كما تم افتتاح مطار الشارقة الدولي الجديد وافتتاح مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية بمؤسساتها المختلفة وافتتاح متنزه الجزيرة وإنشاء المنطقة الصناعية بالشارقة .
ولا ينسى الشيخ سلطان لقاءه بالناس والاستماع إلى آرائهم وملاحظاتهم حيث كما يذكر قام بزيارات لخورفكان والقرى المجاورة لها وزيارة مدينة كلباء وإلى منطقة دبا الحصن وفي كل منطقة كان يلتقي بالمواطنين ويفتح صدره وأذنه لسماع آرائهم وشكاواهم وملاحظاتهم .
ويأتي هذا النشاط والحركة من جانب اهتمام الشيخ سلطان بتطوير إمارة الشارقة والعمل على تنميتها والإنشغال بأمورها، لأنه كان يعلم بأن الأمور الاتحادية بيد إنسان كفء وجدير وصاحب رؤية وبعد نظر هو الشيخ راشد بن سعيد الذي كان ينسق مع سموه في كثير من الأمور والمجالات، حتى أن الشيخ راشد عندما تولى رئاسة الحكومة وقبل تشكيلها طبق ما يذكر الشيخ سلطان عنه في الكتاب أنه زاره في دار الحكومة بالشارقة، وبحث معه تشكيل الوزارة الجديدة، وقد سمعت سموه يعلّق على كونه اهتم بأمور الشارقة منذ تلك الفترة، أن الشارقة كان لها حق عليه، وقد أخذت منه المسؤولية الاتحادية التي عمل لها قبل ذلك جهداً ووقتاً أثرت في اهتمامه بالشارقة، فعندما دخل الحلبة جواد جديد ناجح هو الشيخ راشد الذي تولى مسؤولية الحكومة، ترك له كما يقول المجال واسعاً ليقوم بعمله لمعرفته بقدرته وبعد نظره وحكمته في معالجة الأمور أحسن مني، كما قال، وأنه كان على توافق وانسجام تام معه حتى إن الشيخ راشد قال له شكِّل أنت الوزارة وأنا أعتمدها فإلى هذا الحد كان تفاهم الرجلين مع بعضهما بعضاً، ويبين من ذلك مدى الاحترام والتقدير الذي يكنّه الشيخ سلطان للشيخ راشد وإقراره بما يتمتع به الشيخ راشد من قدرات وإمكانات ونظر بعيد .
وقد أثنى الشيخ سلطان على ما تم من تطوير وخدمات ومشاريع على يد الشيخ راشد في تلك الفترة .
وقد كان، كما ينقل الشيخ سلطان، أنه تجمع بينه وبين الشيخ راشد مودة واحترام وعلاقة طيبة أبان عنها الشيخ سلطان في كتابه هذا كما مر بنا وفي كتابه السابق حين تعهد الشيخ راشد للشيخ زايد بأمر موافقة الشيخ سلطان على دخول إمارة رأس الخيمة في الاتحاد قبل أن يستشف رأيه في هذا الموضوع، وقد قام الشيخ راشد بدور كان من نتيجته موافقة الشيخ سلطان على هذا الامر عندها قال الشيخ راشد للشيخ زايد هذا هو سلطان الذي عرفته .
وقد كان الشيخ سلطان يركز على مسألة أهمية الإعلام في مسألة خدمة قضايا العرب كما مر بنا، وإيصال صوتهم إلى العالم، وبيان حقوقهم المشروعة، وكان يستغل أي مناسبة لبيان هذه الحقوق ومطالبة الرأي العالمي ومنظماته للوقوف بجانب الحق في هذا الشأن، فيذكر أنه التقى في 12 ديسمبر/كانون الأول 1979م مع عدد من الصحفيين الألمان الذين حضروا في جولة سياحية داخل الدولة للتعرف إلى معالمها، وتحدث معهم عن قضية فلسطين ومطالب العرب المشروعة فيها ويقف سموه دائماً في جانب الدعم والمساندة بالقول والفعل والإمكانات المادية والمعنوية لهذه القضايا، وظل، حفظه الله، على موقفه هذا ثابتاً حتى اليوم لم يتغير عنه، وهذا جانب واضح في سيرة الشيخ سلطان في كتبه الثلاثة .
ويحمل الشيخ سلطان بين جنبيه هذا الهم ويبسطه بالقول والبيان والحجج في كثير من لقاءاته وزياراته للدول والرؤساء والمؤثرين من أصحاب القرار، وذلك موقف يحمد عليه ولو تيسرت له ظروف إيجابية لكان ذلك دعماً مباشراً وقوياً لمواقفه .
ولم ينحصر تأييد الشيخ سلطان للقضية بالقول والبيان في المحافل واللقاءات والزيارات وهذا جزء مهم من موقفه، لكن الأهم منه مساندته وموقفه الداعم بإمكاناته المادية لكثير من الأنشطة والمجالات التي تستدعي الدعم والمساندة، وأذكر في هذا الصدد أننا كنا في جلسة بديوان سموه قبل سنوات، كان حاضراً فيها مسؤول الأونروا بفلسطين، عرفت من خلاله مدى ما يقدمه الشيخ سلطان من مساعدات لهذه الجهة التي تقوم بجهد واضح في دعم احتياجات الشعب الفلسطيني .
ومن خلال متابعة ما يوثقه الشيخ سلطان في كتابه الثالث يعرف الإنسان شيئاً كثيراً عما تقوم به الدولة من وضع خطط في كثير من مجالات التنمية فيما يشير ذلك بوضوح إلى أن العمل في دولة الإمارات قائم منذ بداياته على خطط وأسس استراتيجية تخدم لفترات طويلة توجه الدولة في هذه الميادين، مثل خطة التصنيع التي وضعتها الدولة عام 1981م والتي تعتمد فيها هذه الخطة الخمسية على موضوع التكنولوجيا الحديثة حتى تقلل من الاعتماد على العمالة الأجنبية، ولتثقيف الكوادر المواطنة على أساسها ليتمكنوا في المستقبل من إدارة هذه الأعمال والصناعات البتروكيماويات المتعددة، وكذلك الأمر في مجال الزراعة التي سعت الدولة إلى استعمال أساليب التكنولوجيا المتطورة في عدد من مشروعاتها خاصة في مجال استخدام الوسائل المتطورة في استغلال مياه الري لتستفيد الدولة أكبر قدر من هذه المياه، كما أبان الشيخ سلطان عن الجهود المبذولة منذ ذلك الوقت لتتمكن الدولة مستقبلاً من سد حاجاتها من المحاصيل الغذائية المزروعة، وهذا لاشك جزء مهم مما كان ينقله الشيخ سلطان للإعلام الخارجي وأمام الوفود الأجنبية، بحيث يمكنني أن أعد سموه في هذا الجانب لسان إعلام الدولة الذي يبرز انجازاتها ويسوّق نجاحاتها أمام الآخرين خاصة الوفود الأجنبية الزائرة أو أثناء زيارات الشيخ سلطان للخارج، وتلك مهمة سامية وغاية هادفة كان يقوم بها سموه ولا يزال، وقد آتت هذه الجهود نتائج إيجابية ملموسة .
ولا شك أن لقاءات سموه بصناع القرار أو المؤثرين فيه الذين يلتقيهم ويبين لهم وجهة نظره في كثير من القضايا العربية والمحلية، يكون لها مردود إيجابي وتفهم واضح من قبلهم، خاصة أن الشيخ سلطان مثقف يملك بيانه وحججه ومنطق حواراته وهذا ما نحن بحاجة إليه بحيث يكون الواحد لسان دولته في محيط لقاءاته، يشرح ويبين وينقل ويخبر عن الإنجازات ويشيد بالنجاحات التي تحققت في دولته، وبذلك تتسع دائرة التأثير، سواء في المحيط الداخلي أو الخارجي كل حسب طاقته وقدراته وفي مجالاته التي يجيدها .
ولقد قام الشيخ سلطان كما يبين من كتبه بهذه المهمات خير قيام وأدى فيها أداء حسناً ومبهراً بشتى المقاييس .
وكان الشيخ سلطان يسعى لمثل هذا الترويج والتسويق لفكرته ومهمته، وأحياناً يكون السعي من جانب الطرف الآخر الذي يريد أن يتعرف الى بعض الأحداث والتطورات الحادثة ورأي الشيخ سلطان فيها، ومن ذلك كما أشار الشيخ سلطان في كتابه مقابلة في 23 يناير 1982 مع التلفزيون الألماني مدتها 45 دقيقة تحدث فيها سموه عن عدد من القضايا أهمها تأثيرات الأحداث العالمية في منطقة الخليج .
كما كان لسموه لقاء مع التلفزيون الفرنسي في 10 فبراير 1980 بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان، تحدث فيه الشيخ سلطان عن عدد من القضايا المحلية والدولية، فإنه لا شك أن يكون لمثل هذه المقابلات الهادئة التي تناقش العقل الأوروبي بالحجة والبرهان والمنطق والعقلانية من مثقف يملك الحجة والدليل والمنطق تأثيرها سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر فإنها تعتبر تحريكاً للمياه الراكدة عن طريق إلقاء حجر من المنطق والحجة فيها، وذلك ما يؤثر في العقل الغربي أكثر من غيره من الأساليب التي تعتمد الهجوم والتشهير الذي لاشك يقلل من تأثيره خاصة في المحيط الخارجي .
ومما يؤكد على وحدوية الشيخ سلطان وانتمائه الأصيل إلى هذا الخط، أنه عندما التقى كما يذكر بالطلبة المطالبين بتخفيض أسعار البنزين، تطرق الحوار معهم أثناء هذا اللقاء إلى ضرورة العمل لإعطاء المزيد من الشعور بدعم الاتحاد قال سموه بالنص: "إن ذلك مطلب عادل وإن الدولة تسير بالفعل نحو دعم الأسس الاتحادية وإن هذا الاتحاد يجب أن يتجاوز حدوده الحالية لبلوغ هدف أسمى وهو وحدة المنطقة، إن دولة الإمارات العربية جزء من من العالم العربي ووحدة العالم العربي مطلب أساسي لأمتنا، وإنني كمسؤول بالشارقة أقول نحن وحدويون وسنستمر ونواصل الطريق ولو على دمائنا ليس فقط بالنسبة لاتحادنا في دولة الإمارات العربية، بل بالنسبة للوطن العربي . إن عصر الدويلات قد ولى، وعلينا كأمة عربية أن نقف موقف التحدي ضد ما يحاك من مؤامرات لتفتيت وطننا الكبير"، فهذا ما يكشف عن جانب من شعور الشيخ سلطان بأهمية الوحدة وكيف يسبق القائد المخلص نظرة محاوريه الذين يطالبون بدعم الاتحاد، بأن تكون محط نظرته أبعد من ذلك بحيث يطالب بوحدة منطقة العالم العربي بأكمله، ويبين عنده أن هذه الوحدة مطلب أساسي للأمة العربية، وأنه ملتزم بهذا المبدأ، وسيعمل على تحقيقه .
على أن ذلك من مميزات هذا الحاكم ذي الرؤية البعيدة التي يرى فيها الوطن العربي لحمة ووطناً واحداً لجميع أبناء العروبة، وكان يطالب سموه في لقائه ذلك بتعديل بعض نصوص الدستور التي تحول دون وحدة المنطقة ليتسنى له العمل إلى تجاوز العقبات من أجل تحقيق الهدف والغاية .
وفي مجال تلبية مطالب المواطنين يقوم بتخفيض سعر استهلاك الكهرباء من 15 فلساً إلى 5 .7 فلس للكيلو وات الواحد، وهذا هو دأب الشيخ سلطان في التعرف إلى ملاحظات ومطالبات وشكاوى الناس، حيث يتفاعل معها ويسعى إلى تلبيتها وما يقوم به في هذه الأثناء من اتصالات بالبث المباشر والرد على طلبات المتصلين وتلبية كثير من متطلباتهم بصورة فيها شيء كبير من التواصل مع أصحاب الحاجات وتحقيق كثير من احتياجاتهم، حتى أنه أقدم أخيراً على تخصيص رقم تليفون خاص مرتبط به يتيح لهذه الشرائح التواصل مباشرة معه وعرض حالاتهم عليه تمهيداً لدراستها وحلّها، فذلك لاشك أمر محمود يستحق الشيخ سلطان الشكر عليه لمدى سعيه لتحسس آلام ومعاناة الناس والعمل بقدر الإمكان على معالجتها وحلها .
وينقل لنا الشيخ سلطان في كتابه هذا معنى كبيراً حين يذكر أنه في ذلك الوقت أرسل الشيخ زايد ولي عهده الأمين وقتها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان إلى كل الإمارات ليتعرف إلى مطالب المواطنين الذين خرجوا من أجلها ومن ضمن ما زاره إمارة الشارقة ليتعرف من خلال حاكمها إلى ما كان يدور بخلد المواطنين من أفكار ومطالبات، فانظر أخي القارئ إلى مدى اهتمام الشيخ زايد وتحسسة لمعاناة شعبه، وحرصه على الوصول إلى ما كان يشغلهم من شكاوى وملاحظات ليعمل على تحقيقها، وهو الحريص دائماً على التعرف إلى وجهات نظرهم وآرائهم . .كان يشعر بهم في قرارة نفسه، وقد عاد الشيخ خليفة بعد زياراته للإمارات ولقاءاته بالحكام والمواطنين كما يذكر الشيخ سلطان، بمحصلة تحكي إيمان الشعب وتصميمه على دفع المسيرة الاتحادية باعتبارها دعامة الحاضر وضمانة المستقبل، ليوصلها إلى والده الشيخ زايد، الذي هو أحرص ما يكون على دعم مسيرة العمل الاتحادي، وتحقيق مطالب الشعب في هذا التوجه الوحدوي، وهو الذي كان أعلن في وقت سابق استقالته من منصبه حين رأى عدم تمكنه من تحقيق أهدافه الوحدوية .
وكما رأينا حسب ما نقل الشيخ سلطان في كتابه حديث الذاكرة الجزء الأول، كيف خرج الشعب بجميع فئاته ومكوناته في مسيرات عمّت الدولة، وتوجهت إلى أبوظبي، وحاصرت الشيخ زايد في قصره ولم تعد إلا بعد أن خرج لهم وأعلن عودته عن استقالته واستكمال حلقات مسيرة الاتحاد حينها هدأ روع الجماهير وعادوا إلى إماراتهم بعد أن حققوا أحد أهم أهدافهم .
لقد كان من نتيجة زيارة الشيخ خليفة وما رفعه إلى والده، أن أصدر الشيخ زايد، رحمه الله، في 8 فبراير 1980 توجيهاته إلى شركة بترول أبوظبي الوطنية، لوضع دراسة عاجلة لموضوع أسعار البترول وإيجاد حل مناسب بأقصى سرعة ممكنة، لتخفيض أسعار البترول في مختلف أنحاء الدولة، تخفيفاً عن كاهل المواطنين .
فانظر أخي القارئ إلى سرعة استجابة الشيخ زايد القائد الشعبي الذي يشعر بآلام وتطلعات شعبه ويشاركهم في ملاحظاتهم، ويسعى لتحقيق آمالهم، وذلك ما يحدث رضى عاماً وقناعة بأهمية هذا القائد في حياتهم، ولا شك في أن الشيخ زايد أحد أهم ركائز الرضى الشعبي في الإمارات والذي كثيراً ما كان يسعى إلى التعرف إلى متطلبات وحاجات المواطنين سواء عن طريق جلساته ولقاءاته بالمواطنين أو عن طريق ما ينقل إليه منها، وسريعاً ما كان يلبي هذه الاحتياجات والمتطلبات بأسرع وقت وأقصر إجراءات، وكانه، رحمه الله، يحلم بأن يحقق لهذا الشعب كل متطلباته الحياتية، وأن ييسر عليهم سبل حياتهم ويسهل لهم أمور معيشتهم .
وأذكر أنه قد انتشر قبل فترة جزء من حديث لسموه بعد وفاته، رحمه الله، تداوله الناس على تليفوناتهم له معنى كبير جداً ودلالة عظيمة، حيث أبدى، رحمه الله تعجبه واستياءه من أن يكون أي مواطن يسكن بالإيجار في دولة الإمارات، بما يعني أنه كان يحلم بأن يحقق لكل مواطن سكناً خاصاً به . . فأية نفس خيرة هذه التي تحلم بتغطية حاجات المواطنين، وخاصة في أهم أمورهم وهو السكن، وذلك ما سعى إليه جاهداً في حياته حيث بنى مجموعات كبيرة من المساكن ووزعها على مواطني الدولة، ولم يقتصر أمر هذه المساكن داخل الدولة وإنما بنى مجموعات منها للمحتاجين في الخارج، فرحمه الله رحمة واسعة وأجزل له الغفران والمثوبة .
ويظهر من خلال روايات الشيخ سلطان لمسات التنظيم التي قام بها سموه في تلك الفترة، حيث أنشأ بلديات إمارة الشارقة في كل من الشارقة العاصمة وخورفكان وكلباء، وإنشاء وتعيين أعضاء مجالس البلديات لهذه المناطق، وقد وثق لذلك بذكر أسماء رؤساء البلديات وأسماء أعضاء المجالس البلدية، وذلك ما يحتاج إليه الباحث حين يريد أن يرجع إلى تلك التوثيقات الهامة .
كما أنشأ دائرة الثقافة والإرشاد تعبيراً عما يؤمن به من أهمية الثقافة في حياة الجيل وتركيز سموه على الثقافة واضح في الشارقة، لأن للشيخ سلطان اهتماماً ذاتياً بهذا المنحى، لكونه أحد المثقفين أو قل شيخ المثقفين ورائدهم الذي عمل على مدى سنوات عمره على دعم الثقافة وتأييد المثقفين، وفتح مجالات كثيرة لفنون الثقافة المختلفة شعر وأدب ومسرح وتصوير ورسم ومتاحف ومعارض كتب وغيرها من أغراض وأبواب تقافية .
وكان يقوم بمجهود ذاتي من خلال دعم الثقافة بالمال والدعم المعنوي والحضور الشخصي في كثير من المناسبات، حتى أينعت هذه الدوحة بحيث أصبحت الشارقة تزخر بمواسمها الثقافية، واعتنائها بهذا الجانب على مدى العام، حتى غدت بناء على ذلك المدينة الأولى عربياً التي تعنى بشؤون الفكر والثقافة، وتحددت صورة حاكمها أكثر ما تحددت في هذا الجانب المضيء الذي يضيف على شخصية سموه ذوقاً ولمعاناً وسجايا وأبعاداً مهمة ترفع من قدر الإنسان في الحياة .
فقد بذل الشيخ سلطان جهوداً جبارة في هذا المجال أينعت غصوناً مورقة عُرِفت بها الشارقة محلياً وخارجياً، وحققت قصب السبق في هذه الميادين وغدا حاكمها ذلك الرجل المثقف الحريص على تنمية الثقافة في بلده بشكل متواصل ومستمر في كل المجالات الثقافية من دون أن يقف عند حدود فن من الفنون، وإنما سعى لتنميتها بشكل عام في كل المجالات وخدمة أهداف الثقافة العامة، وقال في ذلك قولاً هادفاً نقله في الكتاب (إنه قد آن الأوان لوقف ثورة الكونكريت في الدولة لتحل محلها ثورة الثقافة) .
ومن مدى اهتمام سموه بالثقافة اقتناؤه تلك المجموعات الكثيرة من الخرائط والمراجع التي سعى إليها وحصل وحافظ عليها، إلى درجة أنه عندما احترق المجمع العلمي المصري وتلفت جميع محتوياته من المراجع العلمية الثمينة والنادرة التي تضم تاريخ مصر، انبرى الشيخ سلطان بكل حب وأريحية بإهداء المجمع ما يعوّض مجموعته المحترقة، حيث كان سموه يحتفظ في خزائنه الثقافية بتلك المجموعات العلمية النادرة في هذه المجالات الهامة، وهذه من مميزات الشيخ سلطان التي انفرد بها واتسمت بها شخصيته على المستوى العربي وربما الدولي أيضاً، فلا تكاد تذكر الثقافة العربية المعاصرة إلا ويذكر معها الشيخ سلطان وجهوده الإيجابية في تنميتها وتطويرها وحفظ تراثها، بصورة تنم عن اهتمام بالغ بهذا المجال وحب جارف لهذا العمل الحيوي والنافع للمجتمع .
يخبرني أحد المهتمين بهذا الجانب أن مجموعات الشيخ سلطان المختلفة التي يحتفظ بها في مجالات العلم والثقافة والفنون والتراث مجموعات ثمينة لا تقدّر بثمن، وهي من أنفس المجموعات وأهمها .
ومن أهم أعمال الشيخ سلطان من خلال دائرة الثقافة إقامة معرض الكتاب العربي بمركز إكسبو منذ تاريخ 8 يناير 1982 والذي بقي متألقاً جذاباً محققاً لأغراض الثقافة والمثقفين كل عام إلى يومنا هذا، بحيث تشارك فيه كل عام كثير من دور النشر والمكتبات المحلية والخارجية، وتعرض فيه أهم ما لديها من كتب في كثير من مجالات العلم والثقافة، ويرتاد هذا المعرض كثير من الزوار من المهتمين والمثقفين ويحدث حركة ونشاطاً في الساحة بشكل إيجابي، بحيث يرفد الثقافة بأهم أسبابها ومرتكزاتها وما يصاحبه من فعاليات وأنشطة من اللقاءات والحوارات والمحاضرات والندوات .
ويأتي دور الشيخ سلطان في حضوره وافتتاحه للمعرض مما يعد تشجيعاً للآخرين على ارتياده وتساهم كثير من الجهات المعرفية في الداخل والخارج في عرض نتاجها الثقافي من هذا الزاد المعرفي الثمين الذي يرقى بعقل الإنسان وفكره ويغدو معرض الكتاب هذا مناسبة هامة للثقافة والمثقفين للاستفادة من معطياته وإيجابياته .
ولقد عرف جزء مهم من وجه الشارقة الوضّاء واهتماماتها الراقية من خلال هذا المعرض السنوي وما يقدم فيه من كتب ومراجع، وما يحدثه من تلاق فكري بين المثقفين وتسويق لجوانب الثقافة والمثقفين المحليين والعرب، ولا شك في أن معرض الكتاب بالشارقة علامة فارقة في مسيرة العمل الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال ما يحقق من نجاحات مستمرة في هذا المجال دون أية مبالغة مني، وأنا أتحدّث هنا في ما يخصني شخصياً من خلال ما أتيح فيه من مجال لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم كمنصة مناسبة لعرض نتاجها من الكتب الكثيرة والقيّمة في مجال الدراسات القرآنية والسنّة والسيرة النبوية المطهرتين، على صاحبهما أفضل الصلاة وأتم السلام، وما تحققه هذه المشاركة من مردود إيجابي للجائزة وتعارف ثقافي وتسويق لأنشطة الجائزة والتعريف بها لرواد المعرض والعارضين وذلك ما يعود بلا شك على الجائزة بنفع وفائدة .
ولتأكيد ما ذهبت إليه من اهتمام الشيخ سلطان بالدائرة الأوسع وهي الأمة العربية والسعي لتأكيد انتمائه القومي والعربي لعموم مشتملاته، أنشأ في الشارقة في عام 1982 النادي الثقافي العربي، وخصص له أحد المباني في منطقة القاسمية، وتم إعداده وتجهيزه بمستلزماته بصورة مناسبة خدمة منه لأواصر الثقافة العربية وتنميتها في مجتمعه المحلي، وإحداث التلاقي اللازم بين المثقفين العرب سواء كانوا من المواطنين أو من الكوادر العربية التي يزخر بها مجتمع الإمارات من المقيمين والزائرين .
ومن باب التوثيق والترجمة يؤرخ الشيخ سلطان لبعض الأحداث الخاصة به في عام 1982 مثل رحيل عمه المرحوم الشيخ خالد بن خالد القاسمي وابن عمه المرحوم الشيخ سالم بن سلطان القاسمي وعمته المرحومة الشيخة عائشة بنت صقر القاسمي، فيصف بداية هذا العام بأنها حزينة بالنسبة له ولعائلته لرحيل هؤلاء الأهل والأحبة عن دنياه .
وفي هذه الوفيات شارك الشيخ سلطان في الدفن وتقبل التعازي نسأل الله ألا يريه مكروهاً في عزيز لديه وهذه سنّة الله تعالى في البشر والحوادث نسأل الله الرضى وحسن الخاتمة .
ومن الأخبار السارة للشيخ سلطان اكتشاف النفظ والغاز في منطقة الصجعة بالشارقة في ديسمبر من عام 1980م، حيث أزاح الستار عن اللوحة التذكارية في هذا الشأن الذي سيتيح للشارقة مرحلة جديدة من نموها وتطورها الاقتصادي والعمراني، والأهم أنه سيساهم في رفع مستوى المعيشة لدى مواطني الشارقة، وتمكينهم من التطور الاجتماعي، ويصف هذا التطور بالمحافظ على أواصر الدين والعادات والنهوض بمستوى الشباب في مجالات الثقافة والآداب والفنون .
أحلام كثيرة وآمال كبيرة سعى إليها الشيخ سلطان في حياته لتحقيقها وسخر لها موارد الغاز والبترول كما كان يرى ويعد أهله ومواطنيه .
ولك أن تضع تحت التطور الاجتماعي المحافظ ألف خط وعلامة لأنه من الأهمية بمكان لدى الشيخ سلطان ألا ينفلت التطور من عقال محافظته على موروثه الديني والاجتماعي وعنده أن هذا التطور يجب أن يكون محكوماً بهذا الإطار الذهبي الجميل بحيث يتسنى للتطور تحقيق أهداف وغايات سموه من دون نقصان، ولكن من خلال هذه النظرة الإيجابية التي يرى بها الشيخ سلطان المشهد من جميع جوانبه، وذلك جزء مهم من شخصية سموه التي تدفع ناحية التطور الشامل ورفد أسبابه بموارده من البترول والغاز المسخر لإفادة ونفع مواطني الشارقة، ولكن ضمن دائرة محسوبة من المحافظة على المبادئ والأصول والقيم فهو الراعي الأمين على ما ينفع المواطنين في دينهم ودنياهم ويحافظ لهم على نسق القيم والعادات التي درج عليها مجتمع الإمارات لأنه يعرف ما يريد تحقيقه، فأنعم وأكرم بهذه النظرة الفاحصة والحرص الدقيق على تحقيق كل تطور وتقدم ومدنية ولكن بضوابطه ومعاييره الذي يلزمه بالجادة وتحقيق الهدف والغاية من دون ميل ولا انحراف .
ومما وقفت عليه في هذه المذكرات أنه أثناء حوار صريح مع صحيفة السياسة الكويتية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1982 شدتني إجابة صريحة مختصرة لم يرد أن يطيل سموه الشرح فيها لكونها تبعث الهم والأسى وذلك في التعليق على الحرب الدائرة بين إيران العراق وقتها يقول: "هل محكوم علينا أن ندمر هذه المنطقة مع أنها أهم منطقة في العالم، وأكمل إنني لا أريد أن أدخل في هذه التفاصيل"، ولا شك في أن في ثنايا هذه الإجابة بيان عن حقيقة الوضع الذي كانت تعيشه المنطقة أثناء تلك الحرب الدائرة والمدمرة والتي أتت على كثير من مقومات التنمية، وكانت لها تبعاتها المستقبلية على المنطقة وشعوبها، لكن الإمارات، بحمد الله وفضله، ثم بحكمة قيادتها وتلاحم شعبها، ظلت واحة أمن وأمان واستقرار ورفاه تعيش وادعة بما تحقق على أرضها من تنمية شاملة بعيداً عن مسببات الحروب والأزمات تنتشر الخضرة والعمران والبناء على أرضها وينتشر العلم في أرجائها لتعوض أبناءها عن سنوات الجفاف ومافاتهم من تقدم ومدنية نسأل الله الخير والسلام لدولتنا وحكامها وشعبها الذين حققوا الأمن والاستقرار والازدهار والنماء .
وما يلفت النظر في إحدى مقابلات سموه الصحفية حين قال له بعض المواطنين لماذا لا تكون كعمر بن الخطاب؟ رد مجيباً لماذا لا تكونوا كرعية عمر؟ بمعنى أنه من الواجب عليكم أن تقفوا مع الحاكم بنصحكم وإرشادكم إجابة تحمل كثيراً من المعاني والمضامين الهادفة، والتي تعبر عن حقيقة ما يؤمن به سموه من علاقة بينه وبين رعيته تقوم على النصح والتفاهم والترابط . . ونحن والحمد لله نعيش في مجتمع آمن مستقر مترابط يؤدي كل من الحاكم والمحكوم فيه دوره المنوط به مما ساهم في تحقيق هذه التنمية الكبيرة التي نشهدها في جميع أرجاء المجتمع من منطلق هذه الرغبة في الإصلاح المشترك بين القيادة والمواطنين .
ويؤرخ الكتاب لزيارة أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند واستقبالها في قصر السيف بالشارقة في 13 مايو/أيار 1981 وما دار بينهما من حوار ومباحثات عن العلاقات التاريخية بين الدولتين، واعتبار رئيسة الوزراء نجاح زيارتها للدولة ودعوتها لمثل هذه الزيارات لتقوية العلاقات وتطويرها بين البلدين وقدمت دعوة مماثلة للشيخ سلطان لزيارة الهند حيث لباها بصحبة زوجته المصونة سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي وأولاده ووفد كبير يرافقه فيها وذلك في 27 مايو 1982 وزار مع الوفد الرئيس الهندي بقصر الجمهورية ثم زار رئيسة الوزراء بمقر رئاسة مجلس الوزراء، كما زار قبر الزعيم غاندي وبيت جواهر لال نهرو، وسجل كلمتين في سجل الزيارتين، إلى غير ذلك من زيارات عمل لبعض المشاريع والمؤسسات وحفلات عشاء، وما ركّز عليه سموه في توثيق زيارته للشيخ أبي الحسن الندوي في ندوة العلماء ببلدة لكنو، حيث كما يقول سموه تربطه معه علاقة وطيدة، وأقيم له احتفال كبير بمناسبة هذه الزيارة . . وذكر في هذا الصدد أنه حين يزور الشيخ أبا الحسن الندوي الشارقة لا يدعه يقوم بزيارته وإنما يبادر ذاته بزيارته في مقر إقامته تقديراً وإجلالاً لمكانته العلمية .
وأنا هنا شاهد على إحدى هذه الزيارات التي ذكرها الشيخ سلطان للعالم أبي الحسن الندوي، فأتذكّر أنه عندما اختارت جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم العلامة أبا الحسن الندوي شخصية العام الإسلامية عام 1998م جاء الشيخ سلطان إلى الفندق لزيارته وجلس معه فترة وتبادل معه الأحاديث ثم ودّعه وانصرف . . وذلك مسلك طيب وتصرف راق من الشيخ سلطان وتواضع جم غير مسبوق من حاكم يرى أن العالم أولى بالزيارة والقدوم إليه للسلام والاطمئنان عليه، من أن يقوم العالم بزيارة الحاكم، وهذا من نوادر ما نسمعه في هذا العصر وما كنا نقرأ عنه في الكتب عن السابقين وكنا نعتبر ذلك من النوادر وقمم السجايا وتيجان المناقب التي ليس لها في واقع عصرنا تطبيق ومثيل، ولكن بتصرف الشيخ سلطان مع هذا العالم وجدنا أن المناقب والسجايا ليست حكراً على جيل دون جيل أو عصر دون عصر وإنما ييسر الله لها من يشاء من عباده المخلصين في كل عصر وجيل .
وربما يكون الكلام في هذا الجانب ميسوراً، لكن تطبيقه والعمل به يكون من الصعوبة بمكان، لكن الشيخ سلطان عمل بذلك في واقع حياته كأجمل ما يكون الفعل والتصرف، وحري بنا أن تتبنى مناهجنا التعليمية مثل هذا النموذج من التصرف الجميل لسموه لتعليم أبنائنا معنى احترام العلماء وتقديرهم خاصة من قبل الحكام وضرب مثل بهذا النموذج الذي كان عليه الشيخ سلطان مع أبي الحسن الندوي، ليكون ذلك نبراساً يضيء الطريق لكل من أراد أن يعرف حقيقة طبائع الكرام من الناس وسلوك حكامنا الأفاضل في معاملة فئة العلماء .
ومن أجمل ما قاله الشيخ سلطان في كلمته في ذلك الحفل "شر للدين أن يكون العالِم بباب السلطان، وخير للدين أن يكون السلطان بباب العالِم"، وهذا ما طبّقه وسار عليه الشيخ سلطان في حياته، فكان سلوكه خيراً للدين إذ سعى للعالم إلى باب بيته لزيارته والاطمئنان عليه من باب توقير العِلم وتطبيق تعاليم الدين وتوجيهاته في هذا الصدد .
وفي مارس/اذار من عام 1983م عُقد في الشارقة المؤتمر الثاني للحراك الدولي وكان الشيخ سلطان يستقبل أعضاء الوفود، وفي مجلس منزله (قصر السيف) الذي كان يصعد إليه بعدد من الدرجات وكانت عضوة من إحدى الوفود على كرسي متحرك تقدمت لمصافحته، وكانت تلك قضية لها دلالاتها في ذهن ووجدان الشيخ سلطان، فأمر من وقته بإزالة الحواجز في المؤسسات والدوائر الحكومية، ووضع منزلقات للكراسي المتحركة، إذ بدأ بمدخل مجلس قصره حيث بنى منزلقين لهذه الكراسي فانظر كيف يستقي الشيخ سلطان من بعض ما يحدث أمامه تنظيماً عاماً لهذه الشؤون ومعالجته لها، خاصة في مثل أصحاب هذه الاحتياجات الخاصة، مع العلم بأن سموه لا ينظر إلى هذه الفئة بصفتها معاقة تحتاج إلى وضعية خاصة ومعاملة تفرق بينها وبين الفئات السليمة لذلك، دعا في ذلك المؤتمر وزارت التربية والتعليم بضرورة دمج الطلبة المعاقين مع إخوانهم الأسوياء في الفصول والأنشطة المدرسية المختلفة حتى لا يشعروا كما يقول بأية فوارق عن غيرهم من الأسوياء .
وفي 12 مايو 1980 ينعقد في الشارقة مؤتمر تأسيس منظمة من الشعب العربي إلى الشعب الأمريكي ألقى فيه الشيخ سلطان كلمة تطرّق فيها بشكل مباشر إلى محاولات تفريغ القضية الفلسطينية من محتواها . . وذلك ما يعبر عن حقيقة مواقف الشيخ سلطان الثابت من هذه القضية وليس ذلك بجديد على الشيخ سلطان وإنما هذا هو دأبه منذ بداياته التعليمية على يد مدرسيه العرب الذين غرسوا فيه حب العرب والدفاع عن قضاياهم وذلك ما يكشف عن شيء منه في كتابه السابق ومن خلال فقرات هذا الكتاب .
وقد استطاعت هذه المنظمة، بجهود الشيخ سلطان رئيس المنظمة وأعضاء إدارتها أن تستقطب إلى جانبها ست عشرة شخصية أمريكية انضمت إلى مجلس الإدارة، في مكسب تأييدي واضح وداعم لأهداف المنظمة ولكن المنظمة في نظر الشيخ سلطان حادت عن أهدافها سواء في لهجة أحد إدارييها أو لبعض التصرفات التي أثارت احتجاج الشيخ سلطان وانسحابه من المنظمة فكان ذلك من أسباب نهايتها . فالشيخ سلطان صاحب موقف ومنطق وقيم يؤمن بها في الخلاف، ويحاجج على أساسها ليثبت من خلالها حقوقه المشروعة وموقفه في ذلك ثابت لا يتغيّر ولكن في مجال هذا الموقف الواضح لا يمكن أن يلجأ إلى أسلوب الإساءة للخصم وشتمه، لأنه لا يؤمن بهذا الأسلوب غير الحضاري الذي سلبيته أكثر من إيجابياته .
وفي اجتماع بتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الاول 1983 مع السلك القضائي بالشارقة، كان من نتيجته قرار مبارك ينم عن حب وحرص الشيخ سلطان على تنظيف ساحة المجتمع من آفة تنخر فيه وتسبب من جرائها كثيراً من الجرائم والمشكلات ألا وهي الخمر، فقد أصدر سموه قراراً بإغلاق جميع الشركات والمستودعات ومحال بيع الخمور في إمارة الشارقة، ندعو الله أن يجعل ما قام به في هذا الشأن في ميزان حسناته وهذه تجربة موفّقة ورائدة نجح فيها الشيخ سلطان نجاحاً مبهراً ومحققاً لغاياته التي يطمح إليها . .
وفي زيارة لمكة المكرمة شرفها الله لأداء مناسك العمرة في 30 يونيو 1983 وانطلاقاً من المبدأ الذي تعرضنا إليه سابقاً الذي يؤمن به سموه بحق العالم على الحاكم أن يزوره وليس العكس مطلقاً، فقد قام بزيارة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز، رحمه الله، مفتي المملكة وأحد أهم علماء المسلمين في العصر الحديث، وتم في خلال الاجتماع بحث عدد من القضايا الدينية التي تهم العالم الإسلامي حيث يعتبر سموه أن هذه الزيارات واجب عليه بحق علماء المسلمين وتلك خاصية محمودة في سلوك وتصرف الشيخ سلطان تجاه العلماء وفي ذلك معنى كبير من معاني التقدير الإقدام والإجلال لهذه الفئة المهمة ربما لا يقدر عليه إلا القلة من القادة والحكّام، لأن ما نراه اليوم في عالمنا هو العكس تماماً من ذلك .
وفي حديث صحفي للشيخ سلطان في 21 مارس 1984 أدلى به سموه لصحيفة السياسة الكويتية، تبرز فيه بعض ملامح الفكر المتقدم والنظرة الوحدوية لجميع دول الخليج، من خلال بعض الإجابات النموذجية التي تحمل علاجاً لكثير من الإجراءات والتصرفات التي تعرقل معنى التعاون في مجال السعي إلى الوحدة الخليجية الشاملة .
فالشيخ سلطان يرى أن دول الخليج تحتاج إلى منظومة عملية أسرع في تحقيق إجراءات التعاون والوحدة بينها، وليت مجلس دول التعاون يتبنّى تحقيق مثل هذه الأطروحات والرؤى لمزيد من التعاون والوحدة بين دوله وشعوبه .
ويذكر سموه عند إجابته عن أحد الأسئلة أنه في زيارة للكويت نسي جواز سفره ولم يقل لهم أنه نسية، ولكنه قال لهم في مطار الكويت لماذا تريدون الجواز إنني من مجلس التعاون ولا أحتاج إلى جواز سفر . . وهذا هو ما يجب أيضاً أن يتم من رؤية الشيخ سلطان التي تحقق جزء منها من خلال السماح بالمرور عن طريق الهوية، وإن كان ذلك جزءاً مهماً لكن نظرية سموه تتمثل في أن يمر المواطن الخليجي إلى أي دولة خليجية من دون أن يبرز شيئاً من مستنداته جوازاً أو هوية، كما أن من أفكاره التي طرحها في ذلك الحديث بأن حامل تأشيرة الدخول الأجنبي يمكنه أن يستخدم تأشيرة دخوله لأية دولة أخرى، فالكويت عندما تعطي إذن دخول لأجنبي، فلماذا لا يستخدم هذا الأجنبي إذن الدخول للوصول إلى الإمارات أو البحرين أو أي من دول المجلس؟
وهذه لا شك نظرة بعيدة ورؤية صائبة ستؤدي إلى تنمية مشتركة لدول الخليج، وتعطي مقدمة لتواصل إقليمي ناجح، وتحقيق كثير من مقتضيات تسهيل إجراءات الوحدة بين دول المجلس .
وفي جواب له، يذكر الشيخ سلطان أنه لا يقلقه أي خلاف بين إمارات الدولة، لأن ذلك في نظره أمر طبيعي، يؤدي في نهايته إلى تحسين مسيرة الاتحاد، وأن الخطر عنده عندما تركد الأمور من دون ظهور ما يحتاج إلى رأي ونقاش فذلك يعني من وجهة نظره أننا لا نعمل، فالخلاف عند سموه ليس أمراً عادياً فقط وإنما هو مطلوب لكونه نتيجة إيجابية للعمل .
ويؤرخ الشيخ سلطان في تلك الفترة لكثير من زياراته للدول الصديقة والشقيقة كزيارته للسودان وعمان والجزائر واليمن ودولة البحرين وجمهورية كرواتيا، وغيرها من البلدان، ويستعرض ما تم في تلك الزيارات من تقوية للعلاقات من خلال مباحثاته التي يجريها مع المسؤولين فيها، ومن أهم زياراته زيارة سلطنة عمان التي يبين فيها مدى حفاوة السلطان قابوس به واصطحابه في عدة جولات داخل مدينة صلالة، وزيارته لبعض المشاريع والمؤسسات فيها، وإطلاعه على مظاهر النهضة والتطور في عُمان .
ويظهر من الكتاب ازدحام وقت الشيخ سلطان بكثير من المهام والزيارات والافتتاحات والاستقبالات وإلقاء الكلمات، وتأريخ كثير مما تحقق على أرض الشارقة في تلك الفترة من نشاطات وفعاليات ثقافية ومؤتمرات، تخدم كثيراً من الجوانب .
وكان ضمن تأريخه لهذه النشاطات إشادته بمهرجان الفنون الوطني الأول الذي انعقد في الأول من مارس 1984م، وقد اعتبر المهرجان أهم تظاهرة ثقافية متكاملة شهدتها أرض الإمارات، لما اشتمل عليه المهرجان من برامج وفعاليات ومعارض مقامة بأرض المعارض بأكسبو الشارقة وغيرها من النشاطات .
ويعتبر الشيخ سلطان الداعم الأساسي والأول للمسرح الإماراتي وللمسرحيين الإماراتيين سواء كان من خلال نصوصه المسرحية، أو حضوره وافتتاحاته لكثير من الأيام المسرحية أو دعمه المادي والمعنوي الهائل لهذه الحركة .
ويطمح سموه من وراء اهتمامه بهذه الأنشطة كما يذكر نفسه، إلى بناء نهضة مسرحية في الإمارات، ويؤرخ سموه لانعقاد الأيام المسرحية من 2-26 مارس 1984م على مسرح خالد وقاعة إفريقيا بالشارقة حيث شاركت فيها الفرق المسرحية المحلية كما تم الاحتفال باليوم العالمي للمسرح 27 مارس بقاعة إفريقيا .
كما يذكر سموه من باب التأريخ والتوثيق في كتابه عن معرض الكتاب وما شهده من نشاطات ثقافية وبرامج مصاحبة وغير ذلك من الفعاليات مثل المؤتمر الخليجي الثاني لإدارة الموارد البشرية ومؤتمر الاتحاد العالمي للمطارات المدنية والمؤتمر التعاوني الخامس، والمهرجان الأول لثقافة الطفل وأيام الشارقة المسرحية الدورة الثانية ومهرجان الفنون الوطني الثاني وافتتاح المركز الثقافي بالشارقة والمعرض الرابع للكتاب إلى غير ذلك مما كانت تزخر به الشارقة من برامج وأنشطة كثيرة في تلك الفترة .
ومن أهم وجميل ما يتعرض له الشيخ سلطان زيارة وفد من الباحثين الألمان برئاسة الدكتور كوردوس الذين كانوا يقومون في ذلك الوقت بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة بدعوة من وزارة الخارجية وقد استعرض مع الوفد تاريخ الإمارات وما كان يقوم به القواسم من صد هجمات البريطانيين عليهم حتى هزيمتهم في نهاية الأمر وفرض احتلالهم وإملاء الاتفاقيات عليهم وتشويه نضال القواسم ووصفهم بالقراصنة وبقائهم لمدة مائة وخمسين عاماً تحت الاحتلال بشتى الذرائع، ثم بعد ذلك لقائه بوفد من جامعة إكستر البريطانية كانوا قد حضروا لدولة الإمارات لتقديم الشكر للشيخ راشد بن سعيد على تبرعه لمكتبة الجامعة بمبلغ 700 ألف جنيه استرليني، وتوثيق الشيخ سلطان ما دار بينهم من حوار مهم أعاد على مسامعهم فيه جزءاً مما قاله للوفد الألماني عن القواسم والبريطانيين، وما انبثق في ذهنه من فكرة حين طُلب منه إن كان يملك الحقائق التي تدعم قوله وتدحض ادعاءات البريطانيين ليقدمها على بساط البحث، فاقترح سموه عليهم أن يكون تقديمه لذلك على شكل أطروحة للدكتوراه، حيث وافق مدير الجامعة على ذلك الاقتراح، وجاءته الموافقة في 20 ابريل 1983 وتعيين لجنة الإشراف على تلك الأطروحة برئاسة البروفيسور محمد عبدالحي شعبان . ومن هنا شمّر الشيخ سلطان عن ساعد الجد، وسافر إلى الهند وبحث في أرشفتها ومكتباتها عن مراجع ومستندات ومصادر لبحثه، حيث يبين من ذلك الاهتمام والجهد الذي بذله الشيخ سلطان في الوصول إلى هذه المراجع المهمة التي تخدم أطروحته العلمية .
وقد تجمّع لدى سموه كثير من المعلومات والمصادر التي اعتمد عليها في بحثه حيث انتهى في رسالته إلى أن ما حدث بين القواسم في الخليج وشركة الهند الشرقية هو صراع مصالح، وقد أراد البريطانيون القضاء على أي منافس لهم حتى تسنّى لهم عسكرياً في نهاية الأمر من فرض احتلالهم على المنطقة بأكملها وتوقيع اتفاقيات الحماية وتشويه نضال القواسم ووصفهم بالقراصنة .
وفي صباح اليوم العاشر من مايو 1985م تمت مناقشة رسالة سموه في جامعة إكستر حيث قررت اللجنة منحه درجة الدكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى . . واللافت في الأمر وإقراراً من الشيخ سلطان لصاحب الفضل بفضله عليه، أنه بعد انتهاء مناقشة رسالته وحصوله على درجته العلمية، كتب مباشرة إهداءه على هذه الرسالة لزوجته، وقام من فوره وتوجّه إلى حيث تجلس الشيخة جواهر، وقدم لها نسخة من أطروحته الفائزة بإهدائه الذي كتبه إليها:
"إلى زوجتي العزيزة جواهر محمد القاسمي، التي وقفت بجانبي في فترة البحث والتحضير لهذه الأطروحة، والتي قدّرت قيمة العلم والمعرفة، بأن سمحت لي أن أقتطع الجزء الأكبر من الوقت المخصص لها ولأولادنا لأشغله بالبحث والكتابة .
وكنت أنشغل ساعات وساعات تصل أحياناً إلى تسع ساعات متواصلة، وهي بالغرفة القريبة مني، لا تقطع خلوتي، وحين أنتهي من القراءة والبحث تقابلني بتلك الابتسامة، وتقول "الله يعطيك العافية" .
وكانت تشاركني الفرحة عند كل اكتشافٍ جديدٍ للوثائق أو أي معرفة جديدة في تلك الوثائق .
ورافقتني في رحلتي في التاريخ لمدة مائة عام، كنا نرضى عن قائد، ونسخط على آخر، ونضحك بسخرية من لعبة الاستعمار .
لك، يا جواهر، مني كل المحبة والتقدير والثناء .
زوجك المخلص
سلطان بن محمد القاسمي" .
1051985م
وهذا ما هو لافت حقاً في الكتاب فقد ورد ذكر زوجته أكثر من مرة وكان من عادة الناس وخاصة في دول الخليج ألا يتعرضوا في أحاديثهم لذكر زوجاتهم أو أهاليهم من النساء، وقد جرت على ذلك عادة الكثيرين منهم، لكن الشيخ سلطان بفهم وتدبّر للأمر قد خرق جدار هذه العادة فكان يذكر زوجته صراحة، ويؤرخ لها في بعض الأخبار والمواقف بكل صدق وأريحية وصراحة، لأنه يعلم أن الأمانة تقتضي منه أن يكون كذلك، لأنه فيه تقدير لحق المرأة وإقرار بدورها .
ففي الكتاب الأول يذكر كيف التقى بزوجته في القاهرة وحدثها في أمر خطوبته لها، كما تحدث في موقع آخر عن بناته وأولاده، وفي هذا الكتاب يذكرها في هذه اللفتة الكريمة التي تستدعيه وهو الحاكم بأن يقوم من مقامه ويذهب إلى حيث تجلس زوجته المحترمة ويقدم لها بيديه أطروحته بهذا الإهداء الوجداني الجميل الذي كتبه لها عرفاناً بحقها وتقديراً لدورها الذي قامت به من أجل توفير الطمأنينة والسكن والراحة والجو المناسب له ليتمكن من إنجاز مهمته العلمية على أكمل وجه . . وفي معرض آخر من الكتاب يذكر اسمها أكثر من مرة عندما رافقته ضمن الوفود التي سافرت معه إلى بعض الدول في زيارات رسمية من دون أي غضاضة في ذلك من شرع ولا عادات، وبذلك يكون الشيخ سلطان قد طرح في مسألة المرأة فكراً تقدمياً ناضجاً ومنصفاً يحترم المرأة ويقر بحقوقها ويقدر دورها في المجتمع . .
وكان ضمن برنامج زيارة الشيخ سلطان للجزائر في 15 مارس ،1986 محاضرة له بقصر الثقافة بالعاصمة حضرها الوفد المرافق لسموه وعدد من الوزراء وأعضاء اللجنة المركزية في الجزائر، وكان موضوع المحاضرة حول انتصارات الثورة في الجزائر، وقد تضمنت المحاضرة عدداً من الأفكار والمحاور بأسلوب أدبي رفيع تعرض فيها المحاضر إلى موضوعات تتعلق بمقاومة الشعب الجزائري حتى استطاع في النهاية أن يحرر أرضه وإرادته، وركّز فيها على أصالة الأمة العربية الإسلامية التي مكنت الشعب من الصمود ولو لم نكن كما يقول المحاضر أمة لها جوهرها الأصيل لأصبحنا هباء منثوراً وعدماً وذكرى من ذكريات التاريخ البعيد .
وتلك حقيقة صادقة إذ أن الشعب الجزائري ثار وكافح من منطلق عقيدة إيمانية راسخة، مكّنته من الدفاع عن أرضه ومقدراته وقدم في ذلك كما هو معلوم مليون شهيد .
وذكر الشيخ سلطان أن الاستعمار لم يأت إلى الجزائر ليخرج منها وإنما جاء ليبقى ويمحو شخصية الجزائر العربية الإسلامية، ومحاولة قطع صلات شعب الجزائر بماضيه وتراثه الحضاري والثقافي وأهم ما سعى لمحوه اللغة العربية والثقافة العربية والحضارة الإسلامية وقد أدرك الشعب الجزائري نوع معركته التي يخوضها فهو إما أن يبقى شعباً له لغته وحضارته وعقيدته وثقافته، وإما أن ينتهي كل ذلك من حياته، ومن هنا جاءت صلابة الشعب الجزائري في المقاومة، وإصراره على إفشال هذه الخطط وتحقيق نصره التاريخي .
ويُشير المحاضر إلى ما للإسلام والشعور الديني من دور أساسي في المقاومة، وكان التمسك بالإسلام واللغة العربية مظهراً من مظاهر الصمود والإصرار على تحقيق النصر .
ويذكر المحاضر أن من أسباب النصر هو أن الثورة الجزائرية ثورة شعبية من جميع فئات الشعب الذي زحف من أعماق الريف الجزائري حيث دفعوا ضريبة النصر من صدورهم العارية، حتى عُرفت الثورة الجزائرية بذات المليون شهيد .
ويمتد سموه بهذا الصمود ليطول إلى مداه الزمني الذي يحتاجه ليتحقق من بعده النصر .
ويتطرّق المحاضر لقضية التعريب في الجزائر لكونها جزءاً من مشكلة الاستقلال وهدفاً استراتيجياً من أهداف الثورة وغاياتها، بحيث يكون لها الصدارة في معركة الفكر والثقافة في الجزائر ويدعو إلى التمسّك باللسان العربي، لكون الهوية عند الشيخ سلطان لها أولوية واهتمام بالغ إلى غير ذلك من المحاور والأفكار التي اشتملتها المحاضرة القيّمة ومن أراد الوقوف على التفصيل في هذه المحاضرة الثرية فليعد لنصها من ص 184 إلى ص 195 .
ومما أورده الشيخ سلطان في هذا الكتاب أن أحد القناصل الأجانب أصرّ على طلب مقابلة سموه لوفد زائر للدولة وذلك في 1 يونيو 1986 وعندما أراد سموه أن يتعرّف إلى هوياتهم قال له القنصل إنهم هم الذين سيعرِّفون بأنفسهم، وعند مقابلته لهم دار بينهم حوار حول بعض القضايا حيث طلبوا منه صراحته في هذه الموضوعات والشيخ سلطان كما نعلم صريح في هذه القضايا لا يحتاج إلى من يطلب منه ذلك وهو المثقف العارف بخفايا السياسة فخرجوا من عنده غير مصدقين ما سمعوا منه كأنه كما وصفوه شخص غارق في شيوعيته وعادوا إلى جهتهم وقدموا تقريراً عن مقابلتهم ذهبوا فيه إلى أن حاكم الشارقة بناء على ما سمعوا منه كان أميراً أحمر شيوعياً، وقد انطبعت هذه الصورة عنه في أذهان أعضاء الوفد ومن تواصلوا معهم، حتى إن الشيخ سلطان يذكر بأنه عندما قابل صديقاً له بريطانياً أخبره أنه كان بالأمس مع أحد أصدقائه وعندما علم أنه سيقابل الشيخ سلطان قال له لماذا تقيم علاقة مع هذا الأمير الأحمر ووصفه بأنه شيوعي حتى النخاع . . والشيخ سلطان لصراحته ومواقفه الثابتة من قضاياه المصيرية لم يكن ليداري في رأيه وأفكاره لأنه يقول الحق الذي يستشعره في مثل هذا الذي حدث له مع أعضاء الوفد الذين فهموا رأيه على غير حقيقته، وسموه لا يهمه ما يقال عنه طالما كان يعبر عن رأيه وفكره بالصورة التي يرضى فيها عن نفسه .
وخير ما ختم به سموه الكتاب هو صفحه وعفوه عما مر به من أحداث قديمة أراد لها أن تلتئم جراحاتها وتعود لحمتها متماسكة قوية كسابق عهدها تسمو فوق كل شقاق ومعاناة .
ومن أجمل ما ذكره الكاتب هدايته بهدي القرآن الكريم في بذل العفو وطلب الالتئام والدفع بالحسنى لبلسمة الجروح ومعالجة الآلام .
ويبين من ذلك مدى رغبة الشيخ سلطان في المسامحة والتصالح ونسيان الماضي وفتح صفحات جديدة من الحب حتى أنه كما يقول في مقابلة تلفزيونية قد سامح لكونه يرجو ثواب الله، ولا يدع في ذلك، حتى أن يلج هذا الخاطر إلى قلبه، فضلاً من أن يتحدث به لسانه واستدل ببعض الأبيات الجميلة المعبّرة للشاعر المقنع الكندي الذي يبذل فيها الصفاء والود والتسامح والنصرة لبني قومه، وذلك من محامد السير والأخلاق التي يتميز بها الإنسان العاقل الحكيم الذي يحافظ على أواصر القربى والروابط العائلية ويطمح في الأجر والثواب .
ويأتي كتاب الشيخ سلطان "حديث الذاكرة الجزء الثاني" استكمالاً لكتابين سابقين يعطيان مساحة من الأحداث والوقائع التاريخية لزمن ممتد منذ ولادته وحتى عام 1987م .
وفي أثناء معرض الكتاب لهذا العام أجرى الشيخ سلطان مقابلة مع تلفزيون الشارقة أدارها المذيع الناجح محمد خلف، أفاض فيها سموه عن كثير من المعلومات التاريخية لبعض العصور القديمة حتى العصر الحديث وتناول جوانب الحديث عن كثير من الحوادث والأخبار والأسماء والشخصيات والهجرات والممالك والغزو الأجنبي من البرتغاليين والفرنسيين والهولنديين، والإنجليز، وحملتهم العسكرية على رأس الخيمة وهزيمة القواسم وتوقيع الاتفاقيات، وسيطرتهم على البحار حتى الهند وعلى الخليج العربي بغرض المصالح التجارية .
واستعرض أشياء مما ورد في كتاب سموه "القواسم والعدوان البريطاني" والذي كان محور رسالة الدكتوراه لسموه كما استعرض كتابيه الآخرين "مراسلات سلاطين زنجبار . . وحديث الذاكرة الجزء الثاني" منوهاً بأن لديه مجموعة أخرى من مشاريع إصدار كتب جديدة لها علاقة بالمنطقة . . ويبين للمتابع من خلال هذه المقابلة الرائعة أنه أمام شخصية ثقافية تاريخية بل أمام عالم متخصص في تاريخ المنطقة يحفظ دقائقها وتفصيلات كثيرة من الأخبار والحوادث عن جوانب عديدة من تاريخ منطقة الخليج وما حولها مما يجعل المشاهد مشدوداً لهذه المقابلة ومتابعاً لحديث سموه بمشتملات تفصيلاته مما يعني أنك أمام مؤرّخ بعيد الغور، مملوء الوفاض، يملك من المستندات والمراجع والمعلومات والوثائق ما يسعفه في إثبات كثير من وجهات نظره بالمنطق والدليل والحجة، حتى أنك لا تكاد تشبع من حديث سموه وتعليقاته الشائقة، مما يجعلك تحرص على اقتناء ما استعرض من كتب في هذه العجالة التي يتمنى المشاهد لو طالت موضوعاتها لكونها مرتبطة بتاريخ منطقته ارتباطاً وثيقاً أجلى فيها الشيخ سلطان كثيراً من غيوم الافتراءات وسحب الاتهامات التي ألصقت بهتاناً بتاريخ القواسم والمنطقة، وأعطى لمحات واضحة عن الجهد الذي بذله من أجل كشف الحقيقة ورد الحق لأصحابه .
وقد كان هذا الكتاب من أهم الكتب التي استعرض سموه شيئاً مما ورد فيه والذي نحن بصدد الكتابة عنه في هذه القراءة، حيث سجل فيه سموه أحداث وتاريخ فترة مهمة من تاريخه وتاريخ إمارته ودولته، امتدت كما ذكرت من بداية عام 1979م إلى 1987م .
ويتسنى للقارئ من خلال هذا الكتاب أن يتعرف إلى كثير من الأحداث والمواقف والأخبار بأسلوب أدبي راق، استطاع خلاله الكاتب أن يأسر وجدان القارئ وعقله واهتمامه، بحيث لم تستغرق مني قراءة الكتاب سوى يومين فقط، لكوني وجدت فيه متعة أدبية وفوائد تاريخية فيما أمر به من أحداث وأخبار وتوثيق صادق أمين حتى ولو كان في غير جانب الكاتب ولكنه لأمانته التاريخية يذكر ما له وما عليه .
كما أنه من مدى صراحته تتأثر في بعض الأحيان مباحثاته ويتعكر صفو الحوار بينه وبين بعض المسؤولين، وربما يعود شيء كبير من ذلك إلى ما يتمتع به سموه من صراحة مع محاوريه، فكان لا يخفي شيئاً من شعوره ناحيتهم أو ناحية ما يطرح من أفكار، حتى أنني وأنا أقرأ ما ينقله الشيخ سلطان من بعض حواراته ومباحثاته أضع يدي على صدري، خوفاً من توقع مفاجأة مما ستكون نتيجته لعلمي بما يتمتع به سموه من صدق وصراحة ومباشرة وذلك ما هو واضح في أكثر من مكان في هذا الكتاب .
والكتاب مملوء بالأحداث والوقائع والأخبار وتوثيق تلك الشؤون لتلك الفترة المهمة من حياة دولة الإمارات ومن حياة الشارقة وحياة حاكمها، يجد فيه القارئ كثيراً من المعلومات التي قد تكون غير موجودة لديه أو ربما لن يجدها بهذا التفصيل من الوقائع والتواريخ والأشخاص في غير ذلك من المراجع، لأنها من شخص كان يوثق معلوماته، وما يمر به من أحداث أولاً بأول، وقريب منها وقريبة منه إلى درجة كبيرة، حيث شارك في صنع بعض أحداثها، لذلك اكتسب هذا التوثيق أهميته من هذه المعطيات، وإنني لأعتبر هذا الكتاب وسابقيه من كتب تراجم السير والتوثيق الهام لكثير من أحداث الوطن وأحداث الحاكم ذاته سواء كان قبل قيام الدولة أو بعد قيامها، نظراً لما زخرت به هذه الكتب من معلومات تاريخية، وتوثيق لكثير من هذه المواقف والأحداث، وأدعو بكل أريحية القراء لقراءة هذا الكتاب والاستفادة منه، وأرجو أن تكون هذه القراءة التي قمت بها تشجيعاً للقراء على اقتنائه ومطالعته، فإن مضامين ما يحتويه من معلومات ثمينة لها ارتباط بالقارئ لكونها تتحدث عن تاريخ دولته من جانب، وتاريخ حاكم الشارقة إحدى إمارات الدولة من جانب آخر، وبذلك أكون قدمت الفائدة المرجوة من خلال هذا الحديث الذي كتبته عن هذا الجزء من حديث الذاكرة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حفظه الله .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.