رانج علاء الدين - (الغارديان) ترجمة: عبد الرحمن الحسيني لا توجد للعراق سياسة خارجية قومية. ففي العقد الماضي، فشلالافتقار للوحدة في صفوف النخبة الحاكمة لديه في السماح بالتوصل إلى طريقة موحدةباتجاه علاقاته الدولية -واحدة كان بإمكانها حماية البلد من أن يتحول إلى حديقةخلفية للقوى الخارجية، مع تداعيات كارثية على استقراره السياسي والأمني. وتتجسدتداعيات ذلك اليوم على نحو خاص.فالصراع في سورية المجاورة وضع العراق في موقفمحوري: واقعاً بين إيران وسورية، بل ويحد أيضاً تركيا، وهو لا يستطيع لا المساعدةفي جلب نهاية لنظام الأسد ولا لتعقيد الجهود الرامية إلى إسقاطه. ومنذ انسحابالقوات الأميركية في العام الماضي، أصبح العراق بالتأكيد أكثر تأثيراً على الصعيدالدولي في ظل قيادة رئيس وزرائه، نوري المالكي، الذي اشترى لتوه أسلحة روسية بقيمة4.2 بليون دولار، في خروج على الولاياتالمتحدة، وفيما يثير المخاوف والقلق لدىأكراد البلد الذين يخشون من استخدام هذه الأسلحة ضدهم في يوم ما. لكن، وعلى الرغممن هذا التأكيد، فإن قدرة العراق في التأثير على التطورات الإقليمية بالإضافة إلىالحفاظ على مصالحه القومية الخاصة تصطدم بمعيقات من جانب العملية السياسية العنيدةلديه، والتي تتزعمها فصائل وشخصيات مفعمة بالقوة. فمن جهة، أصبح العراق ممراًيستطيع من خلاله نظام بشار الأسد التماسك والتزود بالأسلحة والأموال، والمقاتلينفي بعض الأحيان، وعلى نحو ملحوظ أكثر ما يكون من جانب إيران. ومثل إيران، يخشىالمالكي وحلفاؤه الشيعة المدعومون من إيران من التهديد الذي تشكله سورية يسيطرعليها الإسلاميون السنة على طول الحدود. وهكذا، فإن العراق يقف في طليعة حركةحاسمة في الجهد الرامي إلى الإبقاء على حكم الأسد في سورية، ويظل مركزياً بالنسبةللحرب بالإنابة التي تتكشف في سورية بين محور السنة المكون من تركيا والعربيةالسعودية ودول الخليج المتحدة، ضد محور الشيعة المكون من إيرانوالعراق وحزب الله.ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الانقسامات في المنطقة تنعكس في داخل العراق نفسه، فإنالمعسكر المؤيد للأسد في البلد يجد أن جهوده تتقوض بسبب المنافسين العرب السنة فيالبلد (المدعومين من جانب تركيا والعالم العربي والأكراد والذين تتمتع منطقتهم إلىالشمال بمزية مزيج العلاقات الودية مع الولاياتالمتحدةوتركياوإيران، فيما يعودفي الجزء الضخم منه إلى الحكم الذاتي الموسع الذي تتمتع فيه والاستقرار الذي تنعمبه مقارنة مع باقي العراق) على الرغم من بذله قصارى جهوده لإدامة النظام. وعلىسبيل المثال، وفيما يعد مخيباً لآمال المالكي، تستمر الحكومة الإقليمية الكردية فيتدريب المقاتلين الأكراد السوريين المعادين للأسد، والذين يتدربون على أيدي قواتالبشمارغا لإعداد الأكراد السوريين لاستغلال الفراغ الأمني في سورية، بالإضافة إلىتثبيت منطقة كردية سورية تتمتع بالحكم الذاتي. وتسيطر الحكومة الإقليمية فيكردستان على نقطة عبور مهمة على طول الحدود السورية، والتي استطاعت من خلالهاالنفاذ إلى الأراضي السورية. وكانت نقطة العبور بالغة الأهمية لدرجة أن المالكي،ربما بأوامر من طهران، أرسل مؤخراً وحدات من الجيش العراقي للسيطرة عليها، وهو ماهدد بإشعال فتيل حرب أهلية كردية عربية. وفي النهاية، أوقفت هذه القوات من جانبقوات الحكومة الإقليمية الكردية وأجبرت على التقهقر بعد مواجهة. وبالمثل، أرسلتالمحافظات الشمالية في العراق، والتي يسيطر عليها السنة، مقاتلين إلى سوريةللانضمام إلى الانتفاضة، فيما يجيء بشكل أساسي كرد الجميل للإخوة الذين دعمواوشكلوا جزءاً رئيسياً للتمرد العراقي لفترة ما بعد العام 2003. لكن المشكلة ليستفي كليتها من صنع العراق.فالافتقار إلى الأمن كان فاقمه الجيران من خلال السماحلطوفان من الإرهابيين بدخول العراق في أعقاب الحرب، وفي بعض الحالات بتنسيقالهجمات بأنفسهم ما قزّم تقدم الدولة نحو النضج. وقد سمح هذا للجيران الإقليميينباستغلال البلد نظراً لموقعه الاستراتيجي المهم ولموارده الثرية، وللتنوع الإثنيالطائفي، وبما ألحق الضرر بالمصالح القومية الأوسع للعراق وبجهود تطوير سياسةخارجية متماسكة. ومع ذلك، فإن حالة عدم الاستقرار الأوسع اليوم في المنطقة، تعنيأن هؤلاء الجيران "الأقسى" يجدون أن سياساتهم الخاصة واستقرارهم تخضعللاختبار، فيما تستمر حرب الاستنزاف في سورية، وفيما تتعامل المنطقة مع توابعحالات الجيشان الناجمة عن الربيع العربي. ولطالما شنت تركيا هجمات عبر الحدود ضدأهداف يشك بأنها تعود لحزب العمال الكردستاني في منطقة كردستان العراقية. ومع ذلك،وبالإضافة إلى المفارقة المنطوية على الدفاع عن أراضيها الخاصة أمام القصف السوريالذي يستهدف أهدافاً ثورية سورية، فإن نجوم كردستان تتمتع بحكم ذاتي في سورية يعنيأن على تركيا أن تعيد النظر في سياساتها تجاه مواطنيها الأكراد المتمردين،بالإضافة إلى حزب العمال الكردستاني، المجموعة المتمردة التي ما تزال تحاربها علىمدار الأعوام الأربعين الماضية، والتي يتمتع تنظيمها الشقيق بسيطرة شبه كاملة علىالمنطقة الكردية السورية. كانت لدى نخب العراق طريقة سياسة خارجية موحدة على نحوخاص. وبعيداً عن أقلية من المتنافسين السياسيين في البلد، فإن الأحزاب الرئيسية فيالعراق تدرك في أغلبها أهمية العلاقة الاستراتيجية مع إيران، والتي تملك مجساتهاالمتجذرة معمقاً لدى كل فصيل سياسي تقريباً. وقد بذلت جهود للابتعاد عن هذاالمنحى، لكن إرضاء المصالح الإيرانية يظل في واجهة صنع السياسة الخارجية العراقية.الآن، تستمر الدولة العراقية بعد عقد من الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة فيالمراوحة بين الاحتضار وبين اللاوجود. ويستطيع العراق أن يستخدم رافعة موقعهالاستراتيجي وموارده الثرية من خلال استغلال هشاشة جيرانه الإقليميين إلى الحدالأقصى فيما ظهرت لتكون حرباً جيوسياسية حاسمة بالإنابة. لكن طموحات السياسةالخارجية العراقية غير المركزية والمتناقضة للاعبين السياسيين في الحكم الذاتيالعراقي سمحت بالتضحية بالمصالح القومية الأوسع للبلد، فيما هم ينظرون إلى الصراعالسوري كفرصة لإضعاف المعارضين في داخل العراق، وليس في خارجه.