تسعة أشهر من العدوان العسكري على اليمن حولت النظام السعودي من مدافع عن شرعية هادي -الرئيس اليمني المستقيل- إلى مدافع عن سيادته وأراضيه ومعسكراته التي رآها العالم وهي تتساقط بيد الجيش اليمني ولجانه الشعبية بشكل تراجيدي عكس هشاشة الجيش السعودي والمدى الذي يمكن الذهاب إليه عند الحديث عن الفكرة القائلة بأن سقوط إمارات نجران وعسير وجيزان أصبح قرارا سياسيا وليس عسكريا. فشلت السعودية في الدفاع عن نفسها وعن نظام هادي طوال تسعة أشهر لم تجن منها سوى المزيد من الضعف وتراجع المكانة الإقليمية سياسيا وعسكريا، فلا الجيش السعودي ولا درع الجزيرة ولا قوات تحالف العدوان ولا هذه الجيوش مجتمعة استطاعت أن تحقق انتصارا عسكريا يعيد الاعتبار للشرطي الأمريكي في المنطقة العاجز عن حماية حدوده. اليوم بات واضحاً أن النظام السعودي خسر وإلى غير رجعة ثقة اللاعبين الكبار بقدرته ومعه قوات التحالف على الحسم العسكري في اليمن، خصوصا بعد تجربة ما تبقى من خيارات وأوراق عسكرية لم تحقق أكثر من انتصارات هشة سرعان ما تحولت إلى انتكاسات مدوية بدءاً من تحرير عدن مرورا بمعارك مأرب وصولا إلى باب المندب، وما تخلل هذه المحطات من خسائر فادحة وفقدان للسيطرة على عدنوالجنوب عموما لصالح التنظيمات الإرهابية صاحبة السلطة الفعلية والطرف الذي بات يقرر بقاء أو مغادرة حكومة بحّاح وما تبقى من القوات الإماراتية، بل يمكن القول إن التنظيمات الإرهابية وبفعل تضافر أرادات قيادة التحالف باتت تعيش عصرها الذهبي على مساحة جغرافية شاسعة تمتد من عدنجنوبا إلى حضرموت شرقا في ظل سيطرة كاملة على موانئ ومطارات ومنافذ حدودية وثروات نفطية تبيعها لتركيا كما هو حاصل في العراقوسوريا، هكذا أصبح الجنوب وتحديدا حضرموت المتاخمة للحدود السعودية ملاذا آمنا للتنظيمات الإرهابية ونقطة تجمع لمقاتليها الفارين من سورياوالعراق واستراحة محارب يجري خلالها التخطيط والتدريب وإعادة ترتيب الأولويات للانطلاق مجددا في ضوء خارطة طريق جديدة لاستكمال ما لم يتم استكماله في سورياوالعراق، هذا التطور الأخطر على أمن واستقرار المنطقة والعالم بات يشكل تهديدا حقيقيا يستهدف بالدرجة الأولى الدول التي شنت حربا حقيقية على الإرهاب وفي المقدمة روسيا التي يُراد لها أن تدخل حربا استنزافية ومعركة مفتوحة مع الإرهاب المتوزع على امتداد جغرافيا المنطقة بفعل الدعم السخي المقدم لها من الدول المتضررة من الحرب الروسية على الإرهاب. أما حصيلة المسارات غير العسكرية للعدوان فنجدها هي الأخرى تزحف باتجاه تضييق الخناق على النظام السعودي وحشره في الزاوية، فالموقف الإقليمي والدولي الداعم للتدخل العسكري السعودي في اليمن تحول في مؤتمر جنيف2 إلى إجماع بضرورة الحل السياسي للأزمة اليمنية، والأمم المتحدة رغم انحياز ممثليها لصالح النظام السعودي بدأت تتهم تحالف العدوان بارتكاب جرائم حرب وتتحدث بصوت أعلا عن حجم الكارثة الإنسانية التي سببها العدوان السعودي، مطالبة مجلس الأمن بدعم جهود إسماعيل ولد الشيخ الرامية إلى الوقف الفوري لإطلاق النار واستئناف جولة جديدة من المفاوضات في منتصف يناير 2016م وهو ما يعزز من فرص الحل السياسي في الوقت الذي يفقد فيه النظام السعودي قدرته على الإمساك بخيوط اللعبة، صحيح أن مخرجات جنيف2 والتبدل الحاصل في الموقف الدولي من العدوان على اليمن لم يصل بعد إلى المستوى الذي تتبلور فيه مثل هذه المتغيرات إلى قرارات أممية ملزمة، غير أن بقاء القوة العسكرية اليمنية فاعلة خصوصا على الحدود السعودية وتعاظم خطر الإرهاب جنوباليمن كفيل بإنضاج قرار أممي يُنهي الحرب على اليمن ويرتب لتسوية شاملة تعالج مجمل الآثار الناجمة عن العدوان. يدعم ذلك التسوية السياسية في سوريا التي كانت شبه مستحيلة بسبب التباين الكبير حول مصير الرئيس الأسد، غير أن تطورات الميدان العسكري في ظل الحرب الروسية على الإرهاب غيرت من موازين القوة لتسفر في الأخير عن ولادة القرار الأممي بشأن التسوية السياسية في سوريا الصادر بالإجماع دون أي إشارة إلى رحيل الرئيس الأسد بعد أن كان هذا الرحيل شرطا أساسيا لطالما استعرضت به الدبلوماسية السعودية والأمريكية للتأكيد على موقفها المبدأ الرافض لبقاء الأسد، بل إن القرار تجاوز التسوية السياسية ليشمل أيضا معالجة عملية لخطر الإرهاب فنص صراحة على ضرورة مواصلة الحرب على تنظيمات داعش والنصرة التي قاتلت في سوريا نيابة عن الدول المتحالفة للإطاحة بالنظام السوري. هذه الضربة القاصمة للدور السعودي الأمريكي في سوريا ما كان لها أن تتحقق لولا الانتصارات العسكرية للجيش السوري واستفحال خطر التنظيمات الإرهابية وهو ما يتطابق مع الحالة اليمنية التي وإن كان يعوزها الحضور الروسي كما يعتقد البعض إلا أنها تتفوق عن الحالة السورية بالحدود المشتركة مع العدو والقدرة المتنامية على التوغل العسكري في العمق السعودي،هذا التوغل الذي بات قريبا من الوصول إلى المناطق القاتلة سيُجبر النظام السعودي على دفع فاتورة التدخل الروسي لانتشاله من المستنقع اليمني، ففي العمق السعودي يوجد المفتاح السحري لحسم الجبهة الداخلية وإخراج القوات الأجنبية وضمان إعادة الإعمار وهناك أيضا تكمن المصلحة الروسية. هذا الحصاد السعودي الكارثي القابل للتطور وعلى وجه التحديد ما يتعلق بالجبهة الحدودية ينذر بتصدعات في البنية السياسية والجغرافية للدولة السعودية سيكون من الصعب ترميمها أو وقف تداعياتها السلبية، فالسعودية التي تبدو اليوم محاصرة بسلسلة هزائم عسكرية وسياسية في اليمنوسورياوالعراق بالإضافة إلى أزمات داخلية سياسية واقتصادية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك فقدان النظام السعودي لخيوط التحكم بمسارات الصراع وتقلص المساحة الواسعة التي كان يتحرك فيها إلى حدود ضيقة لم تعد تكفي للبقاء طويلا. في المقابل يكشف الواقع عن النجاح الكبير الذي حققته الاستراتيجية العسكرية اليمنية المعتمدة على ركيزتين أساسيتين، الأولى دفاعية على مستوى الجبهة الداخلية نجحت بشكل كبير في إفشال كل التحركات العسكرية الهادفة الفتح جبهات جديدة في إحدى محافظات الوسط اليمنية أو على الأقل تحقيق السيطرة الكاملة على جبهتي مأرب وتعز وهو ما لم يتحقق حتى اليوم، أما الركيزة الثانية فهي هجومية على مستوى الجبهة الحدودية ما تزال تبرهن حتى اليوم على قدرتها العالية في حصد سلسلة من الانتصارات العسكرية في أكثر من محور تاركة خلفها أكواما متفحمة لمئات من المدرعات والدبابات الأمريكية وطريقا آمنا لفرار ما تبقى من قوات العدو، وهنا يمكن القول إن التكتيك الذي يستخدمه الجيش اليمني واللجان الشعبية قد لعب دورا فاعلا في التغلب على فارق القوة بشقيها النوعي والكمي الأمر الذي أحدث انهيارا كبيرا في معنويات الجيش السعودي وقوات المرتزقة بدا تأثيره واضحا في سرعة انهيار المدن والمواقع العسكرية السعودية بشكل مثير للدهشة. إصرار المقامر السعودي على الغرق أكثر في مستنقع مغامراته الفاشلة في اليمن والمنطقة عموما واستمراره في إنتاج المزيد من الأزمات الداخلية لن تكون انتفاضة القطيف آخرها يدفع المراقب للشأن السعودي وهو يحاول تشخيص أزمة النظام السعودي إلى ترجيح الفرضية القائلة بوجود إرادة قاهرة تدفع من داخل النظام باتجاه إنضاج شروط التحولات الكبرى التي ستكتب الفصل الأخير في حياة النظام السعودي.