يبدو أن الحديث عن المرأة يعتبر موسمياً ومرهونا بتاريخ 8 مارس، ولا أدري كيف سيستسيغ القارئ مقالي هذا حين يدرك أنه عن المرأة، خصوصا وهو متأخر نوعاً ما على هذا التوقيت، ولأجل ذلك سأقوم بتعديل أو حيلة وأتحدث عن مساوئ الرجل وموقفه السلبي تجاه المرأة، خصوصاً في المجتمعات الذكورية، أليس هذا حدث يستحق الحديث عنه والاحتفاء به في كل وقت وحين، لأنه فعل مضارع مستمر ؟! أثق في هذا مطلقاً حتى ولو بدا غريباً لأن غرابته لم تأتِ للتعمية وإنما هي حقيقة .. حين نتحدث بلغة التاريخ سنجد أنه في البدء حكمت المرأة.. كان النظام أمومياً أموسيا ماطرياركيا قبل أن يتحول إلى نظام أبوي ذكوري ملغوم بنزعة الإلغاء لكل ما هو مؤنث.. كان النظام الأمومي دال خصب، وكانت الآلهة المؤنثة دالة خصب أيضا، وحينما حكم الرجل تحول النظام إلى دال حرب ودمار واتسعت شهوة الإقصاء والسيطرة.. لا مجال لعودة المرأة إلى دورة الخصب بعد أن شوه معالمها الرجل، بإمكانها أن تحكم، لكن ليس بنفس الطريقة الأكثر نقاء التي بدأتها في الزمن البعيد بل الأبعد.. المرأة بالتأكيد ستكون أكثر رفقا ورحمة وإنجازا من الرجل.. والتاريخ اليمني على الأقل مليء بالشواهد الفاعلة. وفي السياسة لعل هذا من أهم ما يجدر بنا –كيمنيين- الالتفات إليه ومعرفته حتى يرشدنا إلى معنى الديمقراطية والشوروية التي نستوردها الآن من الآخر في حين أننا مارسناها في عصر تلك الملكة التي كانت تحكم اليمن، قبل العالم كله، ومنذ ثلاثة آلاف سنة، أي أن العالم ينبغي بالضرورة في حال وعينا هذا أن يعتبرنا نحن مرجعيته في هذه الديمقراطية والمدنية وأنظمة الحكم، وعليه فإن تقلد المرأة هو من باب التجربة أولا ومن باب الإنصاف ثانيا وهروبا من تسلط الكهنة والسياسيين ألا يعبروا على دماء الشهداء وأوجاع الوطن إلى مآربهم التي لا يعلمها إلا الله ... وفي الفلسفة وعلم النفس نتذكر قول محمود درويش في آخر قصيدة له " لاعب النرد" : أدرب قلبي على الحب / ليتسع الورد والشوك/ وأنا من أنا الآن إلا عندما تلتقي الاثنتان أنا وأنا الأنثوية " ... ودرويش شأنه شأن الكثيرين في جميع الأنواع الأدبية والإبداعية، كشخصية فاطمة في رسومات ناجي العلي، والشخصيات الذكورية في روايات الكاتبات، وهو هنا – أي درويش - يؤكد نظرية القطبية لعالم النفس كارل يونج " التعلل والانتقال" أي أن الإنسان ثنائي الجنسية، فداخل كل رجل يوجد حس أنثوي يسمى " الأنيموس" وداخل كل أنثى حس ذكوري يسمى "الأنيما" وهما ما يحقق التوازن لدى الإنسان بإشباعهما، وهو أيضا الميل الغريزي للرجل تجاه المرأة، والميل الغريزي للمرأة نحو الرجل، لتحقيق هذا التوازن، أي أن التعدد في الكيان البشري من خلال هذا يؤكد فكرة التعددية "الناموس الذي خلق على أساسه هذا الكون"، أي أن الصراع بين الرجل والمرأة صراع عقيم لا يولد إلا المزيد من الانقسامات والنكوص والتردي في المجتمعات، ومسألة أن تحكم المرأة وأن تكون لها السيادة أمر مهم جدا أن يتحقق ليس من أجل المساواة ودروس التاريخ مثل قصة الحضارة الكبيرة التي تحققت في عصر ملكة سبأ والمعجزات التي سوغها الله لسليمان عليه السلام ولم تؤت لنبي قبله أو بعده كما ذكرنا آنفاً. المرأة عظيمة، ووجود نساء سيئات في هذا العالم يقابله رجال أسوأ ومجتمعات فظة ومتخلفة لا تبدع إلا في صناعة الانحراف والجريمة، ويقابله أيضا وجود تلك الفئة الجيدة التي تجبرك بأحاسيسها الراقية وإنسانيتها أن تغفر ليس فقط للنساء السيئات بل للعالم بأسرهِ وتجبرك أيضا كما عن غير قصد أن تحب كل نساء العالم، وبرأيي لو كان الشيطان يعرف له صاحبة كما أنعم الله على آدم بحواء لما كان رفض أن يسجد لآدم ...لا لشيء إلا لأنه كان سيجد في هذه الدنيا ما يستحق التشبث لأجله ....!!