* في تراثنا الشعبي أن «آخر المحنِّش للحنش».. والمثل من الأمثلة التي دفعت حكيماً للقول: كاد المثل أن يكون حديثاً. * وما أكثر المحنّشين في حياتنا اليمنية عبر عقود طويلة من الزمن.. والكارثة أن لا أحد يريد أن يعتبر.. فقط تكرار للأخطاء واللدغ المستمرّ من نفس الجحر مرَّة واثنتين بل ومائة مرَّة. * مَنْ يعارض يقول في مَنْ يحكم أكثر ممَّا قاله مالك في الخمر.. فإذا وصل إلى السلطة أو حتى إلى أبسط كرسي للمسؤولية وأراد أن يعمل، اكتشف أنه يدفع فاتورة المسامير «المذحِّلة» التي طالما صوَّبها باتِّجاه سلفه.. وتستمر الحكاية. * وكثيراً ما شاهدنا مسئولين في وزارات ومؤسَّسات وجامعات، حاولوا العمل بما يرضي اللَّه ويحقِّق الدرجة المعقولة من الوفاء باستحقاقات الوظيفة.. فكان هناك مَنْ سهر الليل لتدبير وسائل الانقلاب عليهم بتحريض الموظَّفين، أو الطلاَّب، أو الجنود بصورة دفعتهم لمغادرة هذه المرافق من الأبواب الأمامية والخلفية، ليحقِّق المحرِّضون أهدافهم ويصلوا إلى نفس الكراسي.. ولكن ما الذي حدث ويحدث بعد ذلك للذات الانتهازية الفاجرة؟ * قالوها قديماً : آخر المحنِّش للحنش.. وقالوا قديماً أيضاً: كما تدين تدان.. حيث أن الأفراد الذين وُجِد مَنْ يحرِّضهم لنزع المسئول عنهم من الكرسي مصحوباً بأقسى العبارات، هم أفراد جاهزون لأن يكرِّروا الحكاية مع المسئول الجديد.. خاصَّةً وأن هذه الحركة من العدوى الجماعية لا يقوم بها فرد وإنَّما مجاميع ممَّن يوحِّدهم محرِّض جديد وتوحِّدهم الخبرة التراكمية في القلع كلما تعارضت مصالحهم مع التوجُّهات العامَّة للمسئول. * الطلاب الذين يجدون مَنْ يصفِّق لهم وهم «يهزورون» المعلِّم أو مدير المدرسة بدوافع سياسية، ويطالبون أستاذهم الجامعي بمغادرة مكتبه فوراً بعد حصار خانق يصل حدّ التجويع، هم جاهزون لأن يقذفوا بالجديد من بلكونة الطابق الثاني.. غافلين عن إدراك أنه هو مَنْ علَّمهم سحر إهانة مَنْ سبقه إلى مقعد المسؤولية. * ولو أن أحدكم سألني ما هو أسوأ ما لفت نظرك في انتفاضات المؤسَّسات.. لما تردَّدت في القول: هناك مشهد يتصدَّر المواقف البائسة.. إنه مشهد الجنود وهم يقتلعون قائد المعسكر أو أركان الحرب، ليس لأنه ملاك أو فوق مستوى الشبهات.. وإنَّما لأن المرافق العسكرية كانت مثلاً في الضبط والربط واحترام التقاليد التي تعرضت «للمرمطة» في المعسكر والمدرسة والجامعة، بصورة عكست الجهل بحقيقة أن آخر المحنِّش للحنش. * قولوا في هذا المسئول أو ذاك ما تشاؤون.. ولكن هل هناك بديل عن تنفيس حلل الضغط غير تهديم القواعد والتأسيس للفوضى؟ وهل من إدراك لمعنى أنه كما تدين تدان؟ * لكل ذلك الحمد للَّه الذي ألهمني اختيار مهنة الصحفي الذي لا يتقاعد أو يطرد، ولم يخلقني لأن أكون أستاذاً في جامعة أو معلِّماً في مدرسة أو أركان حرب في معسكر.. حيث آخر المحنِّش للحنش.