* الذين يحرِّضون أو يتواطئون مع التصرُّفات التي تكرِّس أشكالَ الفوضى والانفلات يغفلون حقيقة أن ما أمسى عند جارك أصبح في دارك، ويتجاهلون أن مَنْ يزرع الرياح لا يجني غير العواصف.. ولو بعد حين. * والشاهد أن بيننا مَنْ يضحك حتى تظهر أضراس العقل كلَّما شاهد جنوداً ينقلبون على قائدهم أو طلاَّباً جامعيين يحاصرون بعض هيئة تدريسهم... إلخ. أقول هذا بعد الذي كان وما يزال من الحفاوة بأخبار الأستاذ الجامعي المحاصر أو الهارب من عنف طلاَّبه أو القائد العسكري الذي غادر من باب خلفي أو الأستاذ الذي ضربه أحد طلاَّبه فاضطرَّ لأن ينتقل من المدرسة لا يتحدَّث إلاَّ لماماً. * أشكال الفوضى والخروج على القوانين والتقاليد تكرَّرت كثيراً بحجَّة أننا في حالة ثورة وتغيير.. وفات على هؤلاء أن ما يزرعونه سيجنون ثماره.. حيث آخر المحنِّش للحنش.. فات على هؤلاء إدراك أن التاريخ والأوضاع لا تتغيَّر بالتحريض على الفوضى. * الجنود الذين يجدون مَنْ يشجِّعهم على طرد قائدهم لدوافع سياسية هم جاهزون لطرد الجديد بتحريض آخر.. والطلاَّب الذين يعتدون على أستاذ أو عميد كلِّية سيتعرَّضون لنفس الموقف عندما تدفع بهم رياح الفوضى إلى نفس المقعد.. حيث الانفلات سبحة وسجال. * منذ عامين وأكثر وبعضنا يدمن الخروج على القواعد بالفعل أو التحريض أو التصفيق.. غير مدركين أن هذه الظاهرة تفسد الحياة بصورة تتوارى أمامها أيّ تلبية لطموح في اقتناص كرسي أو إشباع عقدة نفسية. * أعرف أننا في وضع استثنائي استبدلنا فيه الدستور بالمبادرة الخليجية.. وأعرف أن سياسة المرحلة كسبت معركتها مع التقاليد.. لكننا بالمقابل نحتاج لأن نؤسِّس لما بعد نجاحنا في امتحان ثانوية المبادرة الخليجية. * لقد احتاج نخبة مؤتمر الحوار الوطني لتشكيل لجنة الانضباط والمعايير، وربَّما يتطلَّب الأمر أن تفتح وزارة الداخلية قسماً للشرطة في فندق الموفنبيك، ما يؤكِّد أن التحريض خطير والملاسنة تفضي إلى مشادَّات لا تنتج حلاًّ.. ومن باب أولى أن يتزايد عدد الذين يعترفون بفضيلة احترام ما تبقَّى من القوانين.. حيث التراجع عن إشاعة الفوضى حكمة. * مهمٌّ جدَّاً أن نتوقَّف عند هذا الحد من التشجيع على الفوضى.. لأن في القوانين عدالة.. وفي التقاليد احترام خارج مطاردات الكرّ والفرّ والمراوحة بين البيروقراطية التسلُّطية أو الفوضى والتعطيل وإشاعة التوتُّر. * الانفلات والعبث والفوضى داخل المرافق المدنية والعسكرية لا تبني وطناً.. وحريٌّ بالعقلاء أن يتنبَّهوا للخطر بذات الحاجة لتنبُّه وسائل الإعلام لمخاطر تحوُّلها إلى فضاءٍ للقصفِ المتبادل.