ابتهجنا بقدوم رمضان، واستبشرنا بمجيئه ليغسل القلوب الصدئة، فللصيام قدرة على كنس الأدران وتلميع الأرواح التي عشَّش فيها الليل طوال العام.. بالأمس تناولنا السحور على ضوء الكشَّافات الصينية، وأفطرنا أيضاً على ضوء الكشافات والتلفونات، فكان اليوم الأول من رمضان أشبه بالبثّ التجريبي، طالما أنه بدأ بالظلام وانتهى به، فقد أصبح الظلام هو الذي نصوم لرؤيته ونفطر لرؤيته. باسندوة وحكومته الموقَّرة تسحَّروا على الكهرباء، وكانوا يعرفون ماذا يأكلون، بعكسنا تماماً.. وأفطروا والضوء يغمرهم من فوقهم وعن أيمانهم وشمائلهم، اللهم لا حسد. وبدلاً من أن يقرأ الصائم دعاء الإفطار تراه يتمتم باللعنات والشتائم على من يقطع الكهرباء عنه في هذه اللحظة التي تجغر صيام اليوم كله. للصائم فرحتان.. لكن هذا الحديث لا ينطبق على الصائم اليمني، فللصائم اليمني غصَّتان، غصَّة حين يتسحَّر وغصَّة حين يفطر، وتتوالى الغصص طيلة اليوم.. في البيت.. في المسجد.. في الشارع.. في المواصلات العامة.. في سوق الخضروات. فلأن الصائم اليمني يؤمن بمثل "لا تحاكي صايم بعد العصر"، فإن يومه مليء بالتشنُّجات والبحث عمَّن يستفزّه ليخرج كلَّ نزقه دفعة واحدة، بحجة أنه صائم!! وحين يأتي رمضان ليعلِّمنا الصبر نفشل في تعلُّم هذا الدرس.. ويأتي ليعلِّمنا الاقتصاد والاكتفاء بوجبتين فنكون أكثر الناس تبذيراً..ولأن الصوم في جوهره هو إجراء صحي يتحول الصائم إلى عصا موسى، فتراه يبتلع كلَّ ما يجده تجاهه، فتكون التخمة هي عنوان هذا الشهر الذي يأتي ليعلمنا كيف نتعامل مع أطعمتنا ومع أجسادنا وصحتنا.. فحين يخرج رمضان ولم تستطع أن تنقص من وزنك، وتعتني بصحتك فلا تقل إني صائم. رمضان شهر الله، وشهر الإنسان، وشهر التسامح، وشهر العمل، وشهر الاقتصاد، وشهر الصحة، وشهر التراحم، وعلى الحكومة الموقَّرة أن تدرك أنه شهر الكهرباء أيضاً.